الخميس، 19 سبتمبر 2024

04:42 ص

المستشار محمد نجيب
A A

من "التغيرات البيولوجية" إلى "الحمل" .. يا قلبي لا تحزن

كيف نقنع المسؤولين عن المنظومة الرياضية أن المقدمات المتشابهة لا يمكن أن تؤدي إلى نتائج مختلفة؟!

في موسم الألعاب الأوليمبية الذي يتكرر كل أربع سنوات، يدور الحديث ذاته، عن الإخفاقات ذاتها، كأننا محبوسون في الزمن، لدرجة أنك يمكن أن تشاهد الوجوه ذاتها، في البرامج ذاتها، يناقشون الأسباب ذاتها، ويهللون فرحاً بميدالية أو اثتنين حققهما أبناؤنا بجهد فردي، دون أي دلالة على عمل منظم، أو مساندة من اتحاد!

المتغير الوحيد في حفل الأوليمبياد أن الناس صارت أكثر شغفاً بالمتابعة في ظل سهولة المشاهدة بفضل تنوع وسائل الاتصال وحداثتها، وقرصنة القنوات المشفرة التي تنقلها، وهذا يعني أنها اصبحت مصدراً حقيقياً للفخر والسعادة، وكم رقصت قلوبنا فرحاً حين حصد بطلنا محمد السيد الميدالية الأولى والوحيدة لمصر حتى الآن.

في الموسم الأوليمبي، لا نشاهد مجرد منافسات رياضية لكنها عراك سياسي بالغ الشراسة، وإثبات للقوة بين دول كبرى، وتحديداً الصين والولايات المتحدة وروسيا، وتدخل على الخط حتى الآن فرنسا الدولة المنظمة، واليابان فيما تكتفي البعثات العربية بالمشاركة الشرفية كالعادة، وتضرب الشعوب كفاً بأخرى متسائلة كل دورة عن أسباب الفشل؟!

دعونا نناقش الأمر من زاوية موضوعية هذه المرة، دون تشنج وانفعال، فصناعة البطل الأوليمبي أو إعداده أمر مكلف دون شك، وبحسب تقرير سابق نشرته مجلة فوربس فإن كلفة إعداد لاعب واحد قد تصل إلى 50 ألف دولار سنوياً، وهو مبلغ قد يبدو كبيراً بالنظر إلى عدد الألعاب.

وهنا ننتقل إلى حلول لجأت إليها بعض الدول، وهو التركيز على رياضات بعينها، واعداد أبطال قادرين على التفوق فيها، مثل دولة جامايكا التي صنعت نجم ألعاب القوى والعدو السريع يوسين بولت، فتحول إلى اسطورة، وألهم آخرين حتى بات أبطالها يتنافسون دائماً على الميداليات الذهبية والألقاب العالمية.

على النقيض من ذلك، لقد تفوقنا في ألعاب معينة وحصل بطلنا كرم جابر على ميدالية ذهبية عام 2004 في المصارعة الرومانية، وهي أول ميدالية ذهبية تحصل عليها مصر منذ عام 1948، ثم عاود الكرة وفاز بالفضية في أوليمبياد لندن، فضلاً عن بطولة العالم أربع مرات، وفضية المونديال ثلاث مرات، بالإضافة إلى الميدالية الذهبية في بطولة الألعاب المتوسطية.

وكان من المفترض أن نبني على ذلك، ونستلهم تجربته في إعداد أبطال آخرين باللعبة ذاتها، لكن انزوى جابر ودخل في دوامة من المشكلات، حتى أعلن اعتزاله أخيراً بسبب الإصابة.

ولا أتحذ هنا عما إذا كان حظي بالدعم والمساندة اللازمين كبطل حقيقي، لكن الخلل في أننا لم نجعل منه رائداً لجيل من المصارعين العظماء مثلما فعلت جامايكا مع بطلها.

تاريخ مشاركات مصر في الألعاب الأوليمبية عريق بغض النظر عن النتائج، فبلادنا هي الأولى عربياً حضوراً في هذا المحفل العظيم، منذ دورة 1912، ونحن وطن غني بشبابه وموارده، وكان من المفترض أن نصبح رقماً مهماً في المعادلة، لكن ماذا أقول " لا يمكن أن تفلح العشوائية التي سادت المنظومة الرياضية على مدار عقود طويلة في أن تنجب بطلاً!

من يعتقد أن الأمر سهلاً، فهو غافل وساذج أو غير موضوعي، لأن البطل الأوليمبي يمر بتجارب صعبة ومضنية من المجهود البدني والذهني والنفسي، وأنا - بكل صدق- أشفق على أبنائنا المشاركين من حجم التحدي في جانب، ومن السخافات التي يتعرضون لها حالياً بالسخرية والتقليل منهم على شبكات التواصل الاجتماعي من جانب آخر!
وبالمناسبة هناك نماذج رغم نجاحها لا أتمنى أن تسود في بلادنا، مثل التجربة الصينية على سبيل المثال، فالهدف الذي يسمو فوق كل شيء هناك هو حصد الذهب مهما كان المقابل، 

ولا شك أن الحكومة الصينية توفر كل الإمكانات اللازمة لذلك من وسائل ومرافق ومدربين وبنية تحتية، وتنقيب عميق عن المواهب في شتى أنحاء البلاد، لكن هناك جانب قاسي في هذه التجربة، وهو أن الأطفال يخضعون للتدريب في سن مبكرة، ويستقطبون عادة من الأسر الفقيرة، فيترك الطفل والديه في سن السادسة ويحرم من الحياة الطبيعية التي يعيشها أقرانه، في وضع أشبه بالتجنيد.

ويتم تصنيفهم لاحقاً حسب جودة موهبتهم، ومن ثم يخضعون لأساليب عنيفة في التدريب، تستنفذهم كلياً، ويعجز ذوو الطفل عن إنقاذه، لأنهم يعوّلون عليه في انتشالهم من الفقر، 

ويمكن أن نقرأ ذلك في ملامح وجوه الأبطال الصينين المشاركين في هذه الألعاب، إذ تتسم بالجدية، والصرامة المفرطة، لدرجة تشعرك بالإشفاق عليهم، وتجعلك تدرك الثمن الذي يدفعه أحدهم إذا أخفق في المنافسات.
وفيما لا نتمنى أن يمر أطفالنا وأبطالنا بهذه الظروف القاسية، لا يمكن أن نتسامح في المقابل مع العشوائية التي وصلت إلى درجة الهزل في بعض الأمور التنظيمية، وحولتنا إلى مادة للسخرية والتندر!

وبكل صدق لا أستوعب حتى الآن مبرر استبعاد الملاكمة المصرية يمنى عياد بسبب زيادة وزنها 700 جراماً أثناء النوم، وتبرير رئيس الاتحاد بأنها تأثرت بتغييرات بيولوجية، دون أن يسأل أحد، لماذا لم يراعى ذلك أثناء إعدادها؟!
ومن الوزن الزائد بسبب "التغيرات البيولوجية النسائية" إلى لاعبة المبارزة ندى حافظ التي سافرت إلى فرنسا وهي حامل في شهرها السابع، بالله عليكم هل يعقل هذا؟!

مصر أكبر كثيراً من القائمين على هذه المنظومة، وإما أن يستوعبوا ذلك، أو تحل كلياً، ويعاد بناؤها مجدداً باحترافية ونزاهة، ووفق خطط مدروسة وتجارب أثبتت نجاحها في دول أخرى، فنحن لن نخترع العجلة!

search