الخميس، 19 سبتمبر 2024

08:18 م

عُقد نفسية أم حبكة درامية.. لماذا أحب المصريون مسلسلات الجريمة؟

"سفاح الجيزة" و"صوت وصورة" من أبرز مسلسلات الجريمة في الفترة الأخيرة

"سفاح الجيزة" و"صوت وصورة" من أبرز مسلسلات الجريمة في الفترة الأخيرة

نورهان طلعت

A A

عُقدٌ نفسية أو تفريغ طاقة سلبية أو تأثُّر بظروف المجتمع، هكذا تراوحت تفسيرات المتخصصين للمشاهدات القياسية التي حققتها أعمال درامية تنتمي إلى عالم الجريمة، سواء المأخوذة عن قصص واقعية أو عمل من محض خيال المؤلِّف.

“سفاح الجيزة” بطولة أحمد فهمي على منصة “شاهد”، معالجة درامية لقصة حقيقية عن سفاح عاش في محافظة الجيزة، ومسلسل “حدث بالفعل” خصوصًا قصة “تحت الحزام” بطولة غادة عبد الرازق، هي نماذج لأعمال درامية مستوحاة من قصص واقعية أبطالها في الواقع من ذوي الاضطرابات النفسية، ولا يختلف الأمر كثيرًا في مسلسل "صوت وصورة" لحنان مطاوع، الذي انشغل الجمهور بأحداثه على مدار 30 حلقة في رحلة بحث عن المجرم.

وعمومًا، تصدرت الأعمال السابقة كلها "تريند" مواقع التواصل الاجتماعي طوال فترة عرضها، وظهرت أسماء أبطالها ضمن قائمة الأكثر بحثًا على محرك البحث “جوجل”، وصنفها خبراء بأنها كانت بمثابة إعادة اكتشاف فنانين لأنفسهم.

ما الذي دفع المصريين للتعلُّق بأعمال ذات طابع "سيكولوجي" أو تبرز عالم الجريمة؟ هل هي جودة الصناعة، أم أن هذه الأعمال تعكس التقلبات النفسية لدى المشاهدين، أم أنها الحبكة الدرامية الجيدة؟

الخوف المطمئن

الناقد الفني كمال رمزي، ذهب في تصريحات لـ"تليجراف مصر"،  إلى أن “الأمر يعود إلى بُعد نفسي عند الجمهور، سماه (الخوف المطمئن)"، موضحًا "يخاف الجمهور من قضية القتل التي تحدث أو الجريمة التي يتابعها في المسلسل، وفي الوقت ذاته يشعر أنه آمن ومطمئن، إذ يرى أمامه جريمة لكنه ليس الضحية، لذا هناك أمر نفسي يدفع المشاهد إلى متابعة هذه النوعية من الأعمال الدرامية".

وأرجع الشعور الفائت إلى "السلبيات التي تصيب المصريين من مشاهدة الدراما العنيفة في المجتمع، لذا يلجؤون إلى تفريغ هذه الطاقة السلبية بمتابعة الجريمة، المسلسلات التي تغذي دواخلهم".

ماذا إن كانت جودة العمل وحدها هي الدافع وراء مشاهدة المصريين تلك الأعمال؟ رمزي قلّل من هذه الفرضية "الأعمال المذكورة لم تُصنع بالجودة العالية التي قد ننسب إليها سبب ما حققته من نجاح، فهذه النوعية من الأعمال لا تزال تفتقر لعناصر كثيرة حتى تصل إلى المستوى المطلوب، بما يجعلها تنافس الأعمال العالمية المتخصصة في الجريمة والرعب والدراما النفسية، فهذه الأعمال لا تقارن على سبيل المثال بروائع أعمال الجريمة والإثارة والرعب للمخرج الإنجليزي ألفريد هيتشكوك (1899-1980)، لذلك أعتبرُ ما يحدث أخيرًا له بعد مهم في علم النفس".

كبت المشاعر

شغف متابعة أعمال الرعب والجريمة يحكمه جانب نفسي عند الجمهور، وفق الإخصائي النفسي، حسين نجاح، موضحًا "عندما يتعرض شخص لموقف ظُلم أو شعور بالقهر والغضب، يرغب حينها في الرد أو إظهار ردة فعل تجاه الموقف، لكن في كثير من الأحيان لا تكون لدينا فرصة للرد، لذا فإن المُشاهد يكبت مشاعر الغضب والشحنات العدوانية، لا شعوريًا ومن دون أن يعي ذلك".

يتابع "تحقق هذه النوعية من الأعمال الدرامية نجاحًا، لأنها تُسهم في تفريغ الشحنة الانفعالية للتخلص من الشعور بالظُلم أو الإحساس بعدم التوافق مع الواقع، بالتالي تصبح هناك رغبة في التغيير، فيتم التوحد مع الشخصيات الدرامية بالإحساس بمشاعرها أو يضع المُشاهد نفسه مكانها، وعندها يفرِّغ بشكل جزئي هذه الشحنة الانفعالية والعدوانية، فالغريزة العدوانية مثلها مثل غريزة الحياة تساعدنا في الدفاع عن أنفسنا أو القدرة على البقاء".

الإخصائي النفسي قال أيضًا "إذا لم تتوفر فرصة حقيقية لتفريغ الطاقة المكبوتة في الواقع، فإن المسلسلات تصبح فرصة جيدة للقيام بهذه المهمة، فأعمال الرعب والجريمة تفرِّغ مشاعر الخوف، وأعمال (الأكشن) تفرِّغ طاقة الغضب".

ويواصل حسين نجاح قراءته لهذه النوعية من الأعمال الدرامية "عندما نجد أن الجمهور تعلّق بالشخصيات العدوانية أكثر من الرومانسية أو الاجتماعية، فإن ذلك يعني أنه محمل بكمٍ كبير من الضغوط ويرغب في تفريغها، لذا يمكن أن ينسجم مع الجاني، ويؤيده ويتعاطف معه، لأن لديه طاقة الغضب والعدوان ذاتها".

صوت وصورة

وفق خبراء النفس والنقاد الفنيين، الذين تحدثوا إلينا في هذا التقرير، فإن مسلسل “صوت وصورة" بطولة حنان مطاوع، وانتهى عرضه أخيرًا عبر منصة، WATCH ITK، مثالٌ عملي على تفريغ الطاقات المكبوتة وشحنات الغضب.

وقد تابع المصريون 30 حلقة من المسلسل بشغف كبير وتركيز شديد، لمعرفة تفاصيل جريمة قتل واحدة تدور حولها الأحداث، وانتقل هذا الزخم إلى ناقشات رواد التواصل الاجتماعي، من خلال طرح تحليلات حول القاتل الحقيقي، أو صب غضبهم على أبطال بعينهم، لاصقين به تهمة القتل، من وجهة نظرهم.

بطلة العمل حنان مطاوع، وفي تصريحات لـ"تليجراف مصر"، قالت "لا أرى أن الجمهور تعلّق بهذا العمل بسبب لغز جريمة القتل، بل أرى أن السبب يكمن في أحداث المسلسل وأجواء الإثارة والتشويق وارتباطها بكل الشخصيات".

وأضافت "كل شخصية في العمل لها تركيبتها وأبعادها المختلفة تمامًا عن الأخرى، وهو ما جذب المشاهدين، بعدها تأتي جريمة القتل ومتابعة الجمهور لها، فقد بحثوا في كل الشخصيات عن القاتل الحقيقي، حللوا كل مشهد، وتتبعوا الأحداث وأحاديث الشخصيات لمعرفة منْ هو، لذا لا أرى أن السبب الرئيس وراء متابعتهم هذا العمل دوافع داخلية تغذي ميلهم لأعمال الجريمة".

search