الجمعة، 20 سبتمبر 2024

12:51 ص

سامح مبروك

سامح مبروك

A A

خارج حدود الأدب | رجّع الصفقات يا خطيب

"يوم القيامة"

كتب مؤرخ عصره عبد الرحمن الجبرتي في كتابه "عجائب الآثار في التراجم والأخبار" عن حادثة عجيبة حدثت في الثلاثاء الموافق 25 ذو الحجة من عام 1147 هجرية والموافق 17 من مايو 1735 ميلادية، تفيد بأنه قد أشيع في عموم ربوع مصر أن القيامة قائمة بعد يومين، وتحديدًا في الجمعة القادمة.
وانتاب الناس قاطبة مزيج من الهلع والخوف والترقب، وسلّم الكثير منهم بالأمر، وأن القيامة واقعة لا محالة، حتى أنهم استنكروا من كان يشكك في مصداقية ذلك الخبر، فأقبل الناس على شراء المصاحف فارتفعت أسعارها بجنون، واعتكف الكثير منهم بالمساجد يبتهلون، وعلا الحزن والفزع الوجوه، وترى الناس في الشوارع هائمين، ثم أتى صباح الجمعة المرتقبة، والناس تترقب بوجل، ومرّ النهار ثقيلًا جدًا، وتبعه الليل يتهادى ببطء، ولم تقم القيامة.. 
وفي صباح السبت قال قائل في عموم الناس إن سيدي أحمد البدوي والدسوقي والشافعي تشفعوا في ذلك وقبِل الله شفاعتهم، فردّد الناس ذلك وزادوا بالدعاء للأولياء: "اللهم انفعنا بهم".

“سيفون سبورت”

وفي عام 2009، في أثناء التصفيات الأفريقية المؤهلة لنهائيات كأس العالم 2010، وإثر تنافس منتخبي مصر والجزائر على بطاقة التأهل، نشر أحد مستخدمي المنتديات الإلكترونية المصرية خبرًا بأن الرئيس الفرنسي في ذلك الوقت نيكولا ساركوزي صرح "أنه يصلي كل يوم حتى لا يتأهل المنتخب الجزائري للمونديال، لكي يحافظ على نظافة شوارع باريس من الفوضى التي قد تخلّفها الجالية الجزائرية"، وكتب أن مصدر هذا الخبر صحيفة "سيفون سبورت".

وسرعان ما تناقلت الصحف والمواقع العربية والعالمية ذلك الخبر، لدرجة أنه أثار حالة من التوتر الدبلوماسي بين الجزائر وفرنسا، أدت الي مطالبة السفير الفرنسي بالجزائر إلى طلب تحقيق رسمي حول الواقعة.

ولو أنهم فقط يعلمون معنى كلمة "سيفون" في العامية المصرية، لما هاجت الدنيا وماجت لهكذا تصريح، الذي تحول فيما بعد ليصبح فضيحة إعلامية سميت بـ"فضيحة سيفون سبورت"، بسبب عدم الدقة والمهنية الصحفية في نقل الأخبار.

“كاميرا وباقة”

يبدو أنه مع ذلك التطور المرعب في وسائل التواصل الاجتماعي أن "السيفون" قد أصبح أسلوب حياة، فبكاميرا الهاتف وباقة الإنترنت أصبح بمقدور كل من هبّ ودبّ أن ينشر ما يشاء دون رقيب على فضاء وسائل التواصل الاجتماعي المتعددة، حتى أصبحت كالمراحيض العامة، يقضي فيها هؤلاء، ممن يسمون "يوتيوبرز" أو "منتجي المحتوى"، حاجاتهم بلا خجل.

لعل كرة القدم بذلك الشغف وتلك اللهفة التي يتلقى بها عشاقها - وما أكثرهم- أخبارها، أصبحت متنفسا لهؤلاء لنشر أكاذيبهم، وجني الأرباح من ورائها، فيخرج كل منهم في اليوم مرات عدة من على كنبته الوثيرة، وإلى جوار مروحته المزعجة، ليفتتح أكاذيبه بالصلاة والسلام على رسول الله، ثم الدعاء والكثير من الابتهالات والتواشيح، التي تكاد من المبالغة تعتقد أنك ستسمع لحديث ديني شيق يخلج القلوب، وسريعًا ما تحتد نبرته يأمر متابعيه بـ "اللايك والشير والسبسكرايب وتفعيل الجرس"، وكأنها الصلوات والقرابين التي ستدخلك جنته المزعومة، ومن ثم يبدأ في نفث إفكه.

“سوق الرقيق”

ويتحدث العلامة الفهامة، وحيد عصره، والعالِم ببواطن الأمور عن اللاعبين وكأنه في سوق الرقيق، يبيع هذا ويشتري ذاك، ويتكلم عن ملايين الدولارات كأنها حفنة من الجنيهات يخلو منها بالتأكيد جيبه المفلس أكثر من عقله، فترى ناديا، مثل النادي الأهلي، وهو الأعرق والأكثر نجاحًا في أفريقيا، يتهاوى وقد باع كل لاعبيه مجانًا، وأن إدارته الفاشلة بالتأكيد - كما يزعم ذلك الفذ- قد عجزت عن دفع فقط أربعة أو خمسة ملايين من الدولارات في هذا المدافع أو ذاك المهاجم، وكأنه ينفق ويتبرع بتلك الدولارات من حر ماله - لا داعي لاستدعاء مزحة الفنان محمد هنيدي الآن- وينطلق في تأكيد التعاقد مع هذا التونسي وابتعاد هذا المغربي والمفاوضات الساخنة مع هذا الأفريقي، والمصدر الوحيد وراء كل هذا الهراء بالتأكيد هو "سيفون سبورت".

في الكواليس، ليس بعيدًا عن الأعين، بل على نفس صفحات التواصل التي يحتلونها، تجد أحدهم لخلاف ما قد فضح الآخر، بالتورط في عمولات وسمسرة غير شريفة، والزج ببضعة أسماء للتربح من ورائها، والضغط على الإدارات من أجل عمولة منشودة أو تسويق لاعب لصالح وكيل ما وجني السمسرة.

ولكن - وكما حكى الجبرتي في قصته- يصدّق الناس تلك الشائعات، بل يروجونها، لتصبح واحدة من أنجح الإدارات الرياضية في العالم العربي "فاشلة ومقصرة وبخيلة"، لينادي الناس على صفحات التواصل "رجّع الصفقات يا خطيب"، في حالة بلا شك قد صارت خارج حدود الأدب.

search