الجمعة، 22 نوفمبر 2024

11:14 م

"الغاية لا تبرّر الوسيلة" عند الأزهر

الدكتور محمد الضويني

الدكتور محمد الضويني

فادية البمبي

A A

قال وكيل الأزهر، الدكتور محمد الضويني، إننا أمام فرصة للمثاقفة حول كثير من المفاهيم التي تتفاوت فهمًا وممارسة، والتي تحتاج إلى توضيح وجهات النظر حولها، فما زال كثير منها مجالًا للأخذ والرد، والقبول والرفض، حتى أن الأفراد بل المجتمعات أصبحت عرضة للتصنيف والتمييز بسبب هذه المفاهيم وجودًا وعدمًا، مبينًا أن الممارسة المغلوطة لا تهدر القيمة الصحيحة، وأن القيمة الصحيحة لا تصوِّب الممارسة المغلوطة، والواقع يعلن وجود بعد بين النظرية والتطبيق، أو بين القيم والسلوك.

الإسلام والفهم الميكافيلي

 الضويني، أوضح خلال كلمته في مؤتمر مركز الأزهر لتعليم اللغة الفرنسية بالتعاون مع جامعة لومير، تحت عنوان "التفاعل بين القيم وأثره على الهوية: الانفتاح على الحداثة أم الانسحاب إلى الذات"، أنه ليس عندنا في الإسلام الفهم الميكافيلي الذي يقضي بأن صاحب الغاية له أن يستعمل ما يشاء في سبيل تحقيق غايته، فيما اشتُهِر بقاعدة “الغاية تبرر الوسيلة”، وطبقا لهذه القاعدة المغلوطة فإنه لا جريمة في قتل شعب وتبديد مقدراته ونهب أراضيه من أجل غاية مُدّعاة، ولا جرم في إهدار أطنان الموارد مع حاجة الجوعى والمحرومين لها من أجل المحافظة على استقرار الأسعار، إلى آخر الأمثلة الواقعية التي يمكن أن نسوقها دليلًا على فساد هذه القاعدة.

مفاهيم الحرية

وشدّد وكيل الأزهر على أن الدعوة إلى التفريق بين القيمة والممارسة الناشئة عنها، بحيث يمكن أن تكون القيمة صحيحة والممارسة مغلوطة خديعة كبرى، ومحاولة لتهوين الجريمة، ولصرف الأذهان عن أفعال شنيعة، وتمريرها باعتبارها ثمرة قيمة لا خلاف في صحتها وقبولها.

وأضاف “أظن أن بعض ما يدور حوله مؤتمرنا اليوم مفاهيم الحرية وحقوق الإنسان، وهي مفاهيم لا يختلف فيها العقلاء، ولكن بدعوى هذه العناوين أُقِرت المِثلية، وأُقِر الإلحاد، واعتبر حقًا من حقوق الإنسان وحرية شخصية، رغم خروج ذلك على الفطرة، ومعارضته للعقائد والأديان، وباسم هذه الحرية دُمِرت مجتمعات ونُهِبت ثرواتها، وبزعم تعليمها الديمقراطية ما زالت بعض المجتمعات تعيش في فوضى”.

وتابع "هناك تساؤل أحب أن نطرحه فيما بيننا بحسباننا مفكرين وعلماء: إذا كانت الحرية المطلوب الأعلى للناس في كل المجتمعات، خاصة المجتمعات التي تحب أن تصف نفسها بمجتمعات الحرية، وإذا كانت هذه المجتمعات باسم الحرية تقر المثلية الجنسية والإلحاد بل تدعو إليهما بصورة رسمية، فلماذا لا تباح هذه الحرية، أو شيء منها لمجتمعات الشرق ليقرروا بإرادتهم واختيارهم عقيدتهم، ولماذا لا تترك لها الحرية في أن تحافظ على هويتها، لتحل ما أحل الله، وتحرّم ما حرم الله؟ ولماذا ينظر إلى المجتمعات الشرقية على أنها يجب أن تنصاع لما يراه غيرها؟ ولماذا لا ينصاع غيرها لما تحمله هوية هذه المجتمعات؟ وأظن أن من الموضوعية الكاملة في هذا المؤتمر الفكري أن نسأل، وأن نتشارك التفكير في إجابات هذه الأسئلة.

آفة العالم الآن

وأضاف وكيل الأزهر أن آفة العالم الآن أن تظن جماعة أو مجتمع أو شعب أنه يملك الحق والصواب وحده، وأن الباطل والخطأ من نصيب غيره، ولذا تأتي هذه اللقاءات الحوارية التي تتيح لكل طرف أن يقرأ عقل غيره، ويفهم مبرراته، وإن الحوار هو السبيل الأوحد لإذابة جليد المنافرة الواقعة بين بعض المجتمعات، ومما يؤكد ضرورة الحوار وأهميته أن الله –عز وجل- جعل تنوعنا آية من آياته الباهرة، واختلاف الألسنة ينصرف إلى اختلاف الثقافات والحضارات، واختلاف الألوان ينصرف إلى اختلاف القوميات، ولكن هذا التنوع له غاية أعلنها الله، وهي التعارف، والتعارف يقتضي حوارًا يجمع ولا يفرق، ويبني ولا يهدم.

search