الخميس، 21 نوفمبر 2024

05:56 م

طارق سعد
A A

ليلة تكبيس محمد فؤاد!

هل الصحافة مهنة شريفة؟.. سؤال قد يكون صادما للوهلة الأولى لكنه يستحق التوقف عنده كثيرا وإجابته إجابة حقيقية ستكتشف لها وجهان.

 الأول وهي الإجابة النظرية كما يقول الكتاب فالصحافة مهنة شريفة تبحث عن الحقيقة وتتقصاها لتقدمها للقارئ كاملة متكاملة بكل حيادية فهي ترصد الحدث وتجتهد للوصول إلى تفاصيله ملتزمة بالمعايير الأخلاقية بكل شرف.

أما الإجابة الواقعية فالتطور الذي واكب المهنة نتيجة التطورات المتلاحقة والمتقدمة للعصر سلب منها أعز ما تملك.. “شرفها”.. فربما كانت الصحافة الورقية تظهر بها بعض الانحرافات الشاذة وأُطلق عليها "صحافة صفرا".

لكن مع التطور وظهور الصحافة "الرقمية" تحولت الصحافة إلى "تريند" أعمى يتحكم فيها عداد المشاهدات ويسيطر على توجهاتها فلا مانع من نشر أي خبر بأي محتوى طالما سيحقق مشاهدات عالية تدر دخلًا على المؤسسة صاحبة الـ"فيوهات" حتى وإن قدمت لك ما هو عكس الحقيقة أو ما هو أبشع.. تقدم لك المحتوى يحمل تفاصيله الحقيقية ولكن بعنوان مضلل يحمل معنى عكسي يثير غضب المتابعين ويدفعهم للتناحر في التعليقات لضمان أعلى نسبة مشاهدة متناسية "شرف المهنة" لاهثة بـ"سُعار" وراء عداد المشاهدات والتعليقات على المنصات المختلفة لتتحول الصحافة في مبدأها ومضمونها برقمنتها من صحافة الحقيقة؛ إلى صحافة "التكبيس"!

لعل ما حدث في واقعة "محمد فؤاد" بمستشفى "عين شمس التخصصي" في محاولته لإنقاذ أخيه من جلطة مفاجئة فجرًا وما لاقاه من أحد الأطباء الموتورين هو من أسوأ ما يترجم عبث "التكبيس" الصحفي الذي أصبحنا نغرق في وحله.

فتجد بعض المواقع الصحفية تنشر فيديو المشاجرة التي صاحبها شهود للواقعة خرجوا ليصفوا الموقف المخزي من الطبيب بنفس الرواية بلا أي اختلاف وهو ما لن يحقق لها الـ"ريتش" المأمول لتنشر الفيديو بتفاصيله بعناوين مهينة لـ"محمد فؤاد" وموجهة الجمهور في الاتجاه الذي يحقق لها مصلحتها الرقمية فقط دون أي مراعاة إنسانية أولًا ثم شرف المهنة الذي سلبه "التكبيس" فيندفع الجمهور موجَّهًا للسب والقذف والنيل من أحد رموز الجيل المعروف بأخلاقه ووطنيته فقط لأنه يبحث عن حقه كمواطن في علاج أخيه وإنقاذه من جلطة قد تودي بحياته أو على أقل تقدير يكملها عاجزاً فلا رحمة ولا إنسانية ولا دين ولا دنيا.

فقط عظمِة "التريند" التي تلهث وراءها المواقع وتحقق لها مقصدها بالمشاهدات التي تُترجَم أموالاً ولتذهب الحقيقة للجحيم بمهنتها بناسها بقرائها!

المؤسف في هذه الواقعة ليس فقط في إدارتها إلكترونياً ولكن عندما يصدمك تعليق أحد رؤساء هذه المؤسسات الصحفية والتي تتصدر الصفوف لتجده يعيد نشر فيديو الواقعة بكلمات ساخرة من "محمد فؤاد" وملابس "محمد فؤاد" في تصرف هو الأغرب على الإطلاق.

ليتحول الأمر بكل خسة إلى سخرية تطورت إلى الـ "سفالة" و"انحطاط" في موقف غير مناسب إطلاقًا لهذا المستوى من التفاهة والهيافة التي أكلت من رصيد صاحبها المفترض أنه أحد "ملوك الشغلانة" المحترمين وكأنه من المفترض أن في هذا الموقف الذي تعرض له "فؤاد" والاستغاثة به فجرًا لإنقاذ أخيه أن ينتظر ويهندم نفسه ويضبط الـ"لوك" ويصور "سيشن" حتى يرضى عنه معدومو الضمير الذين يبحثون عن الضحكات وسط المصائب والابتلاءات.
ما حدث يدفعك لتسأل بفضول منطقي.. هل لو كنت مكان "محمد فؤاد" وقد كشف فيديو كاميرات المستشفى الذي "يخزق العين" ونشرته نفس المواقع بلطجة الطبيب الذي يجب محاسبته حتى لا تتكرر الواقعة كنت ستبقى هادئاً لطيفاً تنتظر أن يتنازل الطبيب ويلتفت إليك وأنت تحتاج إنقاذاً سريعا في حالة "حياة أو موت" وتحتفظ بابتسامتك وهـ "تكاتش كادر في الألولو" كما روجت أم أنك ستقلب الدنيا فوق رأس الطبيب والمستشفى ومديرها ووزير الصحة وتطلب من كل علاقاتك الداعمة اتخاذ موقف فوري لإنهاء هذه المهزلة وتصرح أن هذا ما يحدث مع المشاهير فما بالك بالمواطن العادي؟!

للأسف وصل بنا الحال لقاع الـ"عك" فما حدث الأيام السابقة لا يختلف كثيراً عما حدث قبلها مع نجم كبير بحجم "محمد صبحي" عندما خرج مرتزقة موجهون للنيل منه في حفل  ماجن للـ "توجيب" والإعلان عن الولاء والوفاء للطرف الآخر ضاربين بعرض الحائط كل القيم والمبادئ والأعراف مقابل "مسح الجوخ"!

الحقيقة أننا أمام نقطة تحول مرعبة في التوجه الصحفي الذي انتزع شرف مهنته رضوخاً للـ"تريند" والتباهي بمشاهدات التضليل الصحفي الذي يتم تقديمه وهي أخطر مراحل المهنة على الإطلاق عندما يتم توجيهك لترى بـ"بعين واحدة"  فما يحدث ما هو إلا تمهيد الأرض لظهور "الدجال" الذي سيندهش عندما لن يجد ما يقوم به ويكتشف أن الجميع إلا من رحم ربي يبذلون قصارى جهدهم لإراحته من أي مجهود..
فما أجمل من أن تجد الجميع يعمل من أجلك؟!

"ليلة تكبيس محمد فؤاد" ليلة قلب الحقائق.. واحدة من ليالي العار على الصحافة الرقمية.. والقادم أسوأ!  

search