الخميس، 19 سبتمبر 2024

04:57 ص

الملاذ الآمن في خطر.. هل ينصهر الذهب داخل فقاعة اقتصادية جديدة؟

الذهب

الذهب

حسن راشد

A A

يواجه العالم احتمالات حدوث فقاعة اقتصادية جديدة، هذه المرة قد تضرب الذهب، الذي يعتبر ملاذًا آمنًا في أوقات الأزمات والحروب.

ثقة المستثمرين

منذ اكتشافه، لم يفقد الذهب بريقه كمعدن ثمين، ويحظى بثقة الأفراد والدول على حد سواء. ومع تزايد القلق العالمي بشأن الاستقرار الاقتصادي والتضخم، ارتفعت أسعار الذهب بشكل لافت، ما دفع العديد من المستثمرين إلى الإقبال عليه باعتباره الحصن الأخير أمام التقلبات المالية.

شهدت أسواق الذهب إقبالًا ملحوظًا في الفترة الأخيرة، ما جذب لاعبين ومتداولين جددًا إلى هذه السوق المعروفة بمكاسبها الضخمة، ليسجل المعدن النفيس مكاسب بنحو 476 جنيها منذ بداية 2024، ما يعادل 23.27%، محققًا 2045 دولارًا للأوقية، حتى وقت كتابة التقرير.

مخاوف من الفقاعة

ومع ذلك، فإن الزيادة الملحوظة والسريعة في أسعار المعدن الأصفر تثير تساؤلات حول قدرة هذا الزخم على الاستمرار، خصوصًا مع ظهور دلائل على تضخم الأسعار بشكل غير معتاد. هذه الحالة تشبه ما يُعرف بـ"فقاعة السوق"، حيث تُدفع أسعار الذهب إلى مستويات قد تكون غير قابلة للاستدامة.

رجح الخبير الاقتصادي، أحمد معطي، استمرار صعود الذهب في البورصة العالمية، مشيرًا إلى زيادة التوقعات بتيسير السياسة النقدية للفيدرالي الأمريكي، مستشهدًا بخطاب رئيس الفيدرالي، جيروم باول، الذي أشار في مطلع الأسبوع الماضي إلى أنه "حان الوقت لخفض الفائدة"، بالإضافة إلى استمرار التوترات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط.

وفي تصريحه لـ"تليجراف مصر"، توقع معطي أن يؤدي خفض أسعار الفائدة الأمريكية إلى ارتفاع سعر الأوقية ليصل إلى 2600 دولار مع نهاية 2024، في ظل توجه المستثمرين نحو المعدن النفيس كوسيلة للتحوط من تقلبات سوق الأسهم والتضخم.

ومع ذلك، حذر معطي من أن القيم الاسمية المرتفعة للذهب قد تكون مضللة، لافتًا إلى أن سعر الأوقية في بداية عام 1980 كان 850 دولارًا، ما يعادل اليوم ثلاثة آلاف دولار، لكنه استبعد إمكانية الوصول إلى تلك المستويات التاريخية مرة أخرى.

البنوك المركزية واحتياطيات الذهب

وتابع الخبير الاقتصادي، أن ارتفاع أسعار الذهب عالميًا يعود إلى زيادة الطلب من البنوك المركزية والأفراد، متوقعًا حدوث تصحيح سعري على المدى القصير والمتوسط، مع استمرار الاتجاه الإيجابي على المدى الطويل، مدعومًا بتراجع سعر الفائدة.

وذكر أن البنوك المركزية ستستمر في شراء الذهب بدلًا من بيع احتياطياتها، حيث تمثل 19% من الطلب العالمي على الذهب، لافتًا إلى أن بنك اليابان المركزي توقف عن بيع الذهب، بينما تقود البنوك المركزية في الدول الناشئة موجة شراء المعدن الأصفر، مبينًا أن تداول الذهب عالميًا يصل إلى 145 مليار دولار يوميًا.

في الربع الأول من 2024، حققت مشتريات البنوك المركزية من الذهب مستويات قياسية بلغت 289.7 طن، حيث تصدرت كانت تركيا في المقدمة تليها الصين كأكبر مشترٍ في تلك الفترة. كما ارتفعت حيازات روسيا من الذهب بمقدار 3.110 طن في مارس 2024، وفقًا لصندوق النقد الدولي.

تعتبر الصين حاليًا أكبر مستهلك للذهب في العالم، وتحتل المرتبة السابعة في قائمة الدول الأكثر حيازة للذهب، حيث تمتلك نحو 2264 طنًا، وهو ما يمثل 4.9% من إجمالي احتياطياتها بنهاية أبريل الماضي، حيث قادت خلال العامين الماضيين موجة من المشتريات من قبل البنوك المركزية العالمية، لتجاوزت مشترياتها في عامي 2022 و2023 حاجز 1000 طن.

تحولات في سوق الذهب

في هذا السياق، أشار محللو مجلس الذهب العالمي إلى حدوث تحولات كبيرة في السوق، حيث انتقل التحكم في الذهب من الغرب إلى الشرق، ورغم خروج ما يعادل 244 طنًا من الذهب من صناديق الاستثمار المتداولة خلال عام 2023، إلا أن إجمالي الطلب على الذهب بلغ مستويات شبه قياسية، قريبة من مستويات 2018.

وأفاد تقرير المجلس لعام 2023، بأن مشتريات المصريين من المجوهرات الذهبية كانت الأعلى في الشرق الأوسط، حيث بلغت 30 طنًا، ما جعلها رابع أكبر عملية شراء على مستوى العالم، بسبب انخفاض العملة المحلية وتوترات المنطقة.

عوامل مؤثرة

وفقًا لكبير استراتيجيي السوق لمنطقة أوروبا وآسيا في "مجلس الذهب العالمي"، جون ريد، فإن إجمالي قيمة الذهب المتواجد فوق سطح الأرض بنهاية عام 2022 بلغ 12 تريليون دولار.

وخلال مؤتمر عُقد في القاهرة، أوضح ريد أن هناك عدة عوامل تؤثر في أسعار الذهب بشكل عام. وأشار إلى أن 37% من إجمالي الطلب يأتي من المستهلكين الذين يشترون المجوهرات أو المشغولات الذهبية، بينما يمثل الطلب الاستثماري، الذي يتضمن السبائك والعملات المعدنية، 38%.

وبذلك، يشكل هذان النوعان حوالي ثلاثة أرباع الطلب، في حين تمثل مشتريات البنوك المركزية 18% والطلب الصناعي 7%. وأكد ريد أن عام 2023 شهد نموًا في الطلب من جميع فئات المشترين، باستثناء صناديق المؤشرات والطلب الصناعي الذي شهد تراجعًا طفيفًا.

مبيعات الذهب

قال خبير المشغولات الذهبية، أمير رزق، إن تأثير الغرب على أسعار الذهب عالميًا قد تراجع، حيث أصبح هذا التأثير أكثر وضوحًا في الدول الناشئة وآسيا، بسبب الزيادة الملحوظة في مشتريات البنوك المركزية من الذهب، خصوصًا من الصين وروسيا، اللتين تسعيان لتنويع احتياطاتهما بعيدًا عن الدولار.

ويظهر ترتيب أكبر الدول المشترية للذهب أن الأسواق الناشئة تهيمن تمامًا على القائمة، بينما برزت ألمانيا كأكبر بائع للذهب العام الماضي، ما أدى إلى فقدان السوق لعلاقته التاريخية بين العائد على الدولار وسعر المعدن الأصفر، وفقًا لمجلس الذهب العالمي.

وأضاف رزق لـ"تليجراف مصر"، أن الاقتصاد العالمي يواجه حاليًا ثلاثة سيناريوهات سيكون لها تأثير على سوق الذهب. وأحد أسوأ هذه السيناريوهات هو عدم بدء مجلس الاحتياطي الفيدرالي في خفض أسعار الفائدة.

وفي جميع الأحوال، من المتوقع أن يشهد السوق ارتفاعًا أو هبوطًا هادئًا عن المستويات الحالية. وأوضح أنه إذا دخل الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود، فإن ذلك سيكون له تأثير قوي جدًا على أسعار الذهب، التي ستستمر في الارتفاع، بحسب رزق.

التوقعات المستقبلية

شهد سعر الذهب تضاعفًا خلال السنوات الخمس الماضية، حيث ارتفع من 1290 دولارًا في عام 2019 إلى أعلى مستوياته في 14 أبريل الجاري، قبل أن ينخفض مرة أخرى إلى حوالي 2525 دولارًا منتصف الأسبوع الماضي.

وتوقع بنك "سيتي غروب" أن تستمر أسعار الذهب في الصعود، مستهدفًا مستوى 3000 دولار للأوقية بحلول يونيو 2025. فيما أشار "جولدمان ساكس" إلى أن سعر الذهب قد يصل بنهاية العام الحالي إلى مستوى يتراوح بين 2700 و3000 دولار للأوقية، مدعومًا بزيادة الطلب العالمي وتوجه البنوك المركزية الكبرى نحو خفض أسعار الفائدة.

search