الخميس، 21 نوفمبر 2024

09:37 م

حرب الفيدرالي الأمريكي والتضخم.. 30 شهرًا من التشديد النقدي

الفيدرالي الأمريكي - أرشيفية

الفيدرالي الأمريكي - أرشيفية

حسن راشد

A A

للمرة الأولى منذ 4 سنوات خفّض مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) أسعار الفائدة، خلال اجتماعه الذي امتد على مدار يومي الثلاثاء والأربعاء، بقيمة 0.50%، لتصل إلى  4.5% و4.75% للإيداع والإقراض، على التوالي 

شهدت الولايات المتحدة عامين ونصف العام من التشديد النقدي، الذي بدأ في مارس 2022، لمواجهة أزمة التضخم الأعنف في تاريخ البلاد، لتصل إلى أعلى مستوياتها منذ 2001، عند 5.25% و5.5%، صعودًا من (صفر - 0.25%) في فبراير 2022.

في الثمانينيات، رفع الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة بتسارع غير مسبوق، للسيطرة على التضخم الذي تخطى 10%، وهو رقم نادر الحدوث في الولايات المتحدة. وظهرت بوادر الأزمة مرة أخرى في 2022، ما دفع الفيدرالي لإعلان الحرب لكبح جماح التضخم.

جموح التضخم

مع نهاية الربع الأول من 2021، شهدت الولايات المتحدة زيادة ملحوظة في معدلات التضخم، تزامنًا مع عودة الحياة الطبيعية بعد أزمة “كوفيد-19” واستئناف النشاط الاقتصادي وارتفاع الطلب الاستهلاكي.

وفي مارس 2021، وصل معدل التضخم إلى 2.6%، مقارنة بـ1.4% في يناير من العام ذاته، وواصل الارتفاع ليصل إلى أكثر من 6.5% بنهاية ديسمبر.

أسباب جموح التضخم ترجع إلى أزمة سلاسل الإمداد، في ظل الطلب المتزايد على السلع، ما دفع المصانع للعمل بكامل طاقتها، رغم نقص العمالة. ومع ذلك، كان الفيدرالي يؤكد في 2021 أن هذه الزيادة مؤقتة، وأن التضخم سيعود إلى مستوياته الطبيعية قبل منتصف 2022.

لكن في فبراير 2022، تفاقمت أزمة التضخم لتؤثر في معظم دول العالم نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، التي أدت إلى ارتفاع أسعار الشحن والطاقة والغاز الطبيعي. وبحلول مارس 2022، سجّل التضخم الأمريكي 6.2%، مقارنة بـ 2.6% في الشهر ذاته من العام السابق، ما دفع الفيدرالي إلى اتخاذ خطوات نقدية أكثر تشددًا.

رحلة الفائدة الأمريكية

في تلك الفترة، وتحديدًا في 16 مارس 2022، أعلن المركزي الأمريكي أول زيادة في أسعار الفائدة منذ ديسمبر 2018، حيث تم رفعها بقيمة 25 نقطة أساس لتصل إلى 0.25-0.50%، قارعًا طبول الحرب لمواجهة التضخم بسلاح التشديد النقدي.

تلك الخطوة تبعها تشديد إضافي في السياسة النقدية بقيمة 50 نقطة أساس في مايو 2022، لتصل الفائدة إلى 0.75-1%. بعد ذلك، جرى رفعها مرة أخرى بمقدار 75 نقطة أساس في يونيو، لتبلغ 1.5-1.75%.

على الرغم من هذه الإجراءات، لم تفلح السياسة النقدية المتشددة في كبح التضخم، الذي تجاوز 8.3% في مايو 2022، واستمر في الارتفاع ليصل إلى أعلى مستوى له منذ الربع الأخير من عام 1981، ليبلغ 9.1% في يونيو. نتيجة لذلك، قرّر البنك رفع الفائدة مجددًا بقيمة 75 نقطة أساس، إلى 2.25-2.5%.

ومع يوليو 2022، بدأ التضخم الأمريكي في التراجع، لكن الاحتياطي الفيدرالي استمر في نهج التشديد النقدي لمواجهة التضخم، حيث رفع الفائدة ثلاث مرات إضافية في سبتمبر ونوفمبر وديسمبر من العام نفسه، لتستقر عند 4.25-4.5%.

مواصلة التشديد النقدي

وفي أول اجتماعات عام 2023، تحديدًا في فبراير، رفع الفيدرالي أسعار الفائدة بقيمة 25 نقطة أساس، إلى 4.5-4.75%. وتبع ذلك ثلاث زيادات إضافية في مارس ومايو ويوليو، بـ25 نقطة أساس في كل مرة، ما دفع الفائدة للاستقرار عند 5.25-5.5%، وهو أعلى مستوى منذ 2001.

وبحلول يوليو 2023، سجل التضخم الأمريكي مستوى أقل من 3.8%، لكنه ظل بعيدًا عن هدف الفيدرالي البالغ 2%، لتستمر أسعار الفائدة عند مستويات مرتفعة 5.25-5.5%، مقارنة بمستوياتها السابقة التي كانت تتراوح بين 0 و0.25% قبل بدء التشديد النقدي.

وفي فبراير الماضي، بلغ التضخم 3.2%، مرتفعًا من 3.1% في الشهر السابق، ما شكّل صدمة للاحتياطي الفيدرالي الذي كان يأمل في بدء سياسة التيسير النقدي مبكرًا، من خلال خفض أسعار الفائدة اعتبارًا من النصف الثاني من عام 2024.

على مدار العام الجاري، شهدت البيانات الشهرية سجالًا بين الفيدرالي والتضخم، الذي عاند بشدة الوصول للمستويات المستهدفة، قبل أن يتراجع التضخم السنوي خلال أغسطس إلى 2.5% من 2.9% في يوليو مسجلًا أدنى وتيرة منذ فبراير 2021، ما يعني أنه يسير نحو المستهدف، وهذا يوجب على المركزي خفض الفائدة لتجنب دخول الاقتصاد في مرحلة ركود، وسط ضعف سوق العمل.

search