الجمعة، 22 نوفمبر 2024

02:31 م

اخترن التخفي.. "المنتقبات" تبحثن عن الذات في مصر المدنية

النساء المنتقبات

النساء المنتقبات

منى الصاوي

A A

سيدة منتقبة وجدت نفسها في مواجهة غير متوقعة مع موظفي البنك الأهلي المصري، بعدما طلب منها موظفو المؤسسة المالية خلع نقابها وكشف وجهها أمام الملأ، بحجة التأكد من هويتها، بمنطقة زهراء عين شمس، وتركت روايتها جدلاً واسعاً. 

اللحظة التي وصفتها السيدة بـ"المهينة"، فتحت الباب واسعاً أمام تساؤلات حول حدود الخصوصية وتطبيق الإجراءات الأمنية، وحق المرأة في اختيار زيها خصوصا “النقاب” منه.

كشف المستور

أستاذ الفقه بكلية الشريعة بجامعة الأزهر، الدكتور خالد إبراهيم الجبوري، أجاز أحقية موظف البنك في رؤية وجه السيدة المنتقبة إذا تطلبت مهام عمله ذلك، معتبراً ما حدث تصرفاً جائزاً لا غبار عليه شرعاً.

يقول الجبوري لـ"تليجراف مصر"، إن شهادة المرأة المنتقبة لا تقبل إلا إذا كشفت وجهها، معتبراً هذا حقاً أصيلاً للقضاة، مستنداً إلى قاعدة "الضرورات تبيح المحظورات".

بيّن أستاذ الفقه اختلاف الفقهاء في تحديد حكم النقاب، فبينما يراه البعض واجباً شرعياً استناداً إلى بعض التفاسير القرآنية والأحاديث النبوية، يعتبره آخرون مستحباً وليس فرضاً، ويؤكدون على حرية المرأة في اختيار ارتدائه من عدمه.

يفصلـ أنه على الرغم من الاختلاف الفقهي حول النقاب، فإن هناك إجماعاً على ضرورة مراعاة بعض الضوابط عند ارتدائه في أماكن العمل العامة، ومنها:

 طبيعة العمل

يجب أن يكون ارتداء النقاب متوافقاً مع متطلبات العمل، فلا يعيق أداء المهام الوظيفية أو يتسبب في إرباك للزملاء أو العملاء.

التحقق من الهوية 

يجوز للمؤسسات والجهات الرسمية طلب كشف الوجه للتأكد من الهوية في الحالات الضرورية التي تتطلب ذلك، كالتعاملات البنكية أو الإجراءات الأمنية، مع مراعاة توفير أماكن خاصة للنساء وعدم إحراج المنتقبات.

احترام خصوصية المرأة

يجب التعامل مع المرأة المنتقبة وغير المنتقبة باحترام وتقدير، وتجنب أي تصرفات مسيئة أو مهينة.

أكد الجهوري ضرورة إيجاد التوازن بين حرية المرأة في اختيار زيها وبين المصلحة العامة، إذ يتطلب ذلك وعياً مجتمعياً وثقافةً تحترم الاختلاف، فبينما يحق للمرأة أن ترتدي ما تشاء وفقاً لقناعاتها الدينية، يجب عليها أيضاً أن تراعي طبيعة العمل والظروف المحيطة بها.

معاناة طبيبة منتقبة

تواجه الدكتورة سارة، طبيبة الامتياز في مستشفى إمبابة العام، تحديات يومية بسبب ارتدائها النقاب، على الرغم من تفوقها الأكاديمي ومهاراتها الطبية المتميزة، فإنها تواجه صعوبات في التواصل الفعال مع بعض المرضى وزملائها.

تقول سارة لـ"تليجراف مصر"، إن النقاب يمثل عائقًا في بعض الأحيان، خصوصا عند التعامل مع الحالات الحرجة التي تتطلب سرعة التواصل وفهم تعابير الوجه، كما يواجه بعض المرضى صعوبة في بناء الثقة مع طبيبة لا يمكنهم رؤية ملامح وجهها.

تعترف سارة بصعوبة هذه التحديات، لكنها تؤكد على تمسكها بحقها في ارتداء النقاب كجزء من معتقداتها الدينية، وتحاول جاهدة التغلب على هذه العقبات من خلال التواصل اللفظي الواضح، واستخدام لغة الجسد وتعابير العين للتعبير عن مشاعرها وتعزيز الثقة مع مرضاها.

تشير سارة إلى أن التحديات التي تواجهها ليست فريدة من نوعها، فالعديد من النساء العاملات اللاتي يرتدين النقاب يواجهن صعوبات مماثلة في مختلف المجالات.

تدعو إلى مزيد من التفهم والقبول للخيارات الشخصية، وإلى إيجاد حلول عملية تراعي حقوق الجميع.

ستار لارتكاب الصغائر

ردًا على القصة التي روتها الدكتورة سارة، تؤكد أستاذة الفقه المقارن بجامعة الأزهر، سعاد صالح، إن النقاب ليس فرضًا ولا واجبًا ولا حتى سنة، بل هو مجرد عادة وتقليد، يكون في بعض الأحيان ستارًا لارتكاب بعض الصغائر.

أكدت صالح عدم وجود نص صريح في القرآن الكريم أو السنة النبوية يوجب على المرأة تغطية وجهها بالكامل، وبالتالي، فإن النقاب لا يعتبر عبادة بل هو خيار شخصي للمرأة.

تقول إن من حق ولي الأمر أو صاحب العمل التأكد من هوية أي امرأة منتقبة، خصوصا في الحالات التي تتطلب ذلك، مثل إثبات الشخصية أو الإدلاء بالشهادة أمام القضاء.

ذهبت بعض المحاكم إلى حد عدم قبول شهادة المرأة المنتقبة إلا بعد كشف وجهها للتأكد من هويتها، وذلك لضمان سلامة الإجراءات القانونية ومنع أي تلاعب أو انتحال شخصية، بحسب ما أكدته الدكتورة سعاد صالح.

فريضة أم سنة؟

بدورها، نفت دار الإفتاء بشكل قاطع وجوب ارتداء النقاب في الإسلام. وأكدت الدار في بيان لها أن النقاب ليس فرضاً دينياً، بل هو مجرد عادة اجتماعية، وأن وجه المرأة لا يعد جزءاً من العورة التي يجب سترها شرعاً.

شددت دار الإفتاء على أن الزي الشرعي للمرأة المسلمة هو أي زي يستر جسدها بالكامل عدا الوجه والكفين، ولا يصف ولا يشف، مؤكدة حرية المرأة في اختيار ارتداء النقاب من عدمه.

أوضحت أن جمهور الأمة الإسلامية من علماء وفقهاء قد أجمعوا على أن النقاب ليس واجباً على المرأة المسلمة، بل يجوز لها شرعاً كشف وجهها وكفيها، واستندت الدار في ذلك إلى تفسير جمهور العلماء لقوله تعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [النور: 31]، حيث اعتبروا أن "الزينة الظاهرة" تشمل الوجه والكفين. 

استشهدت الدار بقوله تعالى ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ [النور: 31]، والذي يشير إلى تغطية الصدر والرقبة وليس الوجه.

النقاب في القانون 

يوضح عضو لجنة العفو الرئاسي، المحامي طارق العوضي، أنه لا يوجد في مصر قانون يحظر ارتداء النقاب بشكل شامل في الأماكن العامة، ومع ذلك، فإن بعض المؤسسات الحكومية والجامعات تفرض قيوداً على ارتدائه في بعض الحالات، خصصوا تلك التي تتطلب التحقق من الهوية أو ضمان الأمن.

يقول العوضي لـ"تليجراف مصر"، إنه ربما تطلب بعض المؤسسات الحكومية من المنتقبات كشف وجوههن للتحقق من هوياتهن عند الضرورة، كإجراءات استخراج الأوراق الرسمية أو التعاملات البنكية، كما تفرض بعض الأماكن الأمنية، كالمطارات والموانئ، قيوداً على ارتداء النقاب لأسباب أمنية.

أضاف أن مسألة ارتداء النقاب في مصر تتعلق بالتوازن بين الحق في الحرية الشخصية ومقتضيات الأمن والنظام العام، فبينما يحق للمرأة أن ترتدي ما تشاء وفقاً لقناعاتها الدينية، يجب عليها أيضاً أن تراعي القوانين واللوائح المعمول بها في الأماكن العامة ومؤسسات الدولة.

تشريعات وقوانين 

شدد العوضي على ضرورة وجود تشريعات واضحة تنظم مسألة ارتداء النقاب في مصر، بما يضمن احترام حرية المرأة في اختيار زيها ويحدد بوضوح الحالات التي يجوز فيها طلب كشف الوجه، وذلك لتجنب أي تعسف أو انتهاك للخصوصية.

أكدت أن طلب موظف البنك الأهلي من السيدة المنتقبة الكشف عن وجهها للتحقق من هويتها يعد إجراءً قانونياً لا يعاقب عليه الموظف، بل قد يتعرض للمساءلة في حال تساهله في هذا الأمر. 

أشار إلى أن هذا الإجراء يهدف إلى ضمان سلامة التعاملات المالية ومنع عمليات الاحتيال وغسيل الأموال.

في الوقت نفسه، شددت على أن القانون يمنع تفتيش الأنثى إلا بواسطة سيدة أخرى، وفي مكان بعيد عن الرجال، حفاظاً على كرامتها وخصوصيتها.

أوضح أن طلب الكشف عن الوجه لا يعد تفتيشاً بالمعنى القانوني، وإنما هو إجراء ضروري للتحقق من الهوية في بعض الحالات الاستثنائية، كالتعاملات المالية الحساسة أو الإجراءات الأمنية المشددة.

حرية العقيدة

ومن جهتها، أكدت أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، الدكتورة عزة فتحي، أن حرية الملبس تعد حقًا أساسيًا مكفولًا للجميع في الدول المدنية التي لا تخضع للحكم الديني، ومع ذلك، أشارت إلى أن هذه الحرية ليست مطلقة، بل تخضع لمعايير وضوابط محددة تهدف إلى الحفاظ على النظام العام وعدم انتهاك القوانين والقواعد الاجتماعية.

أوضحت فتحي أن حرية الملبس لا تعني الحق في ارتداء أي زي في أي مكان وزمان، بل يجب أن تراعي طبيعة المكان والظروف المحيطة، وأن تتجنب الإساءة إلى الآخرين أو إثارة الفتنة والاضطراب.

شددت على أن المجتمعات المدنية تسعى إلى تحقيق التوازن بين الحق في التعبير عن الذات من خلال الملبس وبين الحفاظ على النظام العام والقيم المجتمعية.

الوعي المجتمعي

أضافت أن هذا التوازن يتطلب وعياً مجتمعياً وثقافةً تحترم الاختلاف وتقبل التنوع، مع التأكيد على أهمية الحوار البناء لتحديد الضوابط والمعايير التي تضمن ممارسة حرية الملبس بشكل مسؤول.

أشارت إلى أن تعامل موظفي البنك الأهلي مع السيدة المنتقبة لم يكن احترافيًا، مؤكدة أنه كان من الممكن حل المشكلة بطريقة أكثر مرونة واحتراماً لخصوصية المرأة.

اقترحت أن يستعين البنك بموظفة للتأكد من هوية المنتقبات عمومًا بعيداً عن أعين المتواجدين، وذلك حفاظاً على كرامتها وتجنباً لإحراجها.

أكدت أهمية تدريب موظفي البنوك والشركات على التعامل مع مختلف شرائح العملاء، بمن فيهن المنتقبات، بطريقة تحترم خصوصياتهم ومعتقداتهم الدينية.

دعت فتحي إلى نشر ثقافة التسامح والقبول في المجتمع، وتجنب التعامل مع المنتقبات بشكل يثير الريبة أو الشكوك.

على الرغم من أن النقاب ليس فرضًا أو فضيلة، فإن البعض يتعامل معه كعقيدة راسخة، بحسب ما أكدته أستاذة علم الاجتماع.

search