الجمعة، 22 نوفمبر 2024

10:14 ص

رأس الحكمة.. العمران للمستقبل وراؤه قصة قديمة مثيرة

مخطط مشروع رأس الحكمة

مخطط مشروع رأس الحكمة

A A

على بعد 350 كيلومترًا شمال غرب القاهرة، يمتزج سحر الرمال البيضاء مع المياه الفيروزية ليشكلان معًا لوحة خلابة تجعل تلك البقعة من الأراضي المصرية تتمتع بجاذبية خاصة دفعت في يوم من الأيام الملك فاروق، لاختيارها لبناء استراحة خاصة يهرب إليها من صخب الحياة السياسية. 

وقع اختيار الملك فاروق آخر ملوك مصر على مدينة رأس الكنائس أو “آبار الكناليس” لتصبح استراحة صيفية للأسر الحاكمة في العام 1941، بعد أن خطفت قلبه من أول نظرة أثناء مروره في أجوائها على متن طائرته الخاصة.. لكن تاريخ المدينة يعود إلى أقدم من ذلك بكثير. 

رأس الحكمة مدينة الرؤساء

ظلت المدينة حتى العام 1941 تعرف باسم “رأس الكنائس” الذي اكتسبته بفعل العثور على  آثار لعدد من الكنائس الرومانية منحوتة على تكوينات جيرية تشكل جغرافيا المدينة التي تقع على ربوة مرتفعة وتمتد على هيئة مثلث، رأسه عبارة عن لسان قاري ممتد داخل مياه البحر المتوسط.

وأطلق الملك فاروق على المدينة اسم “رأس الحكمة”، للدلالة على رمزية اختيارها مقرًا لاستراحة صيفية يلجأ إليها بغرض الاستجمام من وقت لآخر، كما يستقبل فيها بعض ضيوف الدولة الكبار، وتحولت زيارة المدينة لاحقا إلى عادة لأفراد الأسرة الحاكمة نظرًا لجوها المعتدل طوال فصول العام. 

طوال فترة حكم أسرة محمد علي كانت “رأس الحكمة” عبارة عن ميناء للسفن الكبرى نظرا لموقعها المتميز على ساحل البحر المتوسط، تحديدا بين الكيلو 170 على طريق الساحل الشمالي الغربي والكيلو 220، وفي العام 1928 زارها الملك فؤاد الأول أثناء زيارة رسمية لمحافظة مطروح ووضع حجر أساس لقصر ملكي تحوّل فيما بعد لاستراحة فاروق الشهيرة. 

خريطة جوية لرأس الحكمة


اكتسبت مصر وجها جمهوريا بعد ثورة 23 يوليو 1952 لتتحول استراحة فاروق “الملكية” إلى استراحة "رئاسية" يتردد عليها رؤساء مصر، تحديدا الرئيس الراحل محمد أنور السادات والرئيس الراحل محمد حسني مبارك، الذي اعتاد على زيارتها مرة كل عام حتى تنحيه عن الحكم في 2011.

ومن المفارقات أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وكبار قادة مجلس قيادة الثورة اختاروا “رأس الحكمة” للهروب إليها في أزمة العام 1954 التي فجرها حل جماعة الإخوان المسلمين والصدام مع الرئيس الراحل محمد نجيب ومحاولة اغتيال عبدالناصر، لتؤكد المدينة أنها “رأس الحكم والحكمة” حتى وإن اختلفت الوجوه.

الملك فاروق والرئيس مبارك خلال زيارتهما لرأس الحكمة

مشروع تطوير رأس الحكمة

لعلك تتفاجئ إذ عرفت أن أول قرر لتطوير رأس الحكمة يعود للعام 1975، ونصّ وقتها على إخلائها من سكانها (بدو مطروح)، إلا أن الخطة تعثرت لسنوات طويلة لتعود إلى الواجهة مجددًا في عام 2015 ووقتها حصرت الدولة أراضي المدينة تمهيدًا لطرحها أمام المستثمرين في قطاع السياحة.

وفي أبريل 2023، وافق مجلس الوزراء على قرار رئيس الجمهورية بشأن إعادة تخصيص بعض قطع الأراضي من المساحات المملوكة ملكية خاصة للدولة؛ لإنشاء مجتمع عمراني جديد باسم “مدينة رأس الحكمة الجديدة”، ضمن مشروعات رؤية مصر 2030، الرامية لتحفيز حركة التنمية المستدامة.

اعتبارا من 23 فبراير 2024 تحولت المدينة، التي كانت يوما ما مجرد قرية بدوية متواضعة، إلى محط اهتمام المستثمرين داخل وخارج مصر، بالتزامن مع توقيع الحكومة لصفقة تطوير مشروع “رأس الحكمة” مع شركة القابضة الإماراتية بقيمة 35 مليار دولار، وقبل يومين أعلن الجانبان عن مخطط المشروع واختيار شركة مُدن القابضة الإماراتية مطورا رئيسا له.

مراسم توقيع صفقة رأس الحكمة

ويشمل مخطط المشروع تطوير منطقة سكنية تمتد على مساحة 80 مليون متر مربع تستوعب نحو 190 ألف فيلا وشقة إلى جانب مناطق ترفيهية وتجارية وسياحية ومنطقة استثمارية ومنطقة حرة، فضلا عن 5 مراسٍ ومطار دولي ومحطة قطارات، مع تخصيص 25٪ للمساحات المفتوحة.

وفقا للمعلن، من المتوقع أن يدرّ المشروع سنويا للاقتصاد المصري قرابة 25 مليار دولار، وتشير التقديرات الأولية إلى أن إجمالي الاستثمار التراكمي للمشروع سيصل إلى 110 مليارات دولار بحلول العام 2045، كما سيوفر نحو 750 ألف فرصة عمل بشكل مباشر وغير مباشر.

search