الجمعة، 22 نوفمبر 2024

06:29 ص

صراع البحر الأحمر يسحب العالم لدوامة تضخم

إحدى سفن شركة ميرسك العالمية في قناة السويس

إحدى سفن شركة ميرسك العالمية في قناة السويس

ولاء عدلان

A A

يُمثّل البحر الأحمر، حلقة الوصل البحري الأسرع والأقصر، بين الشرق والغرب، فضلا عن أنه الشريان الحيوي، الذي يمر من خلاله 10% من إمدادات النفط ما يعادل 7 ملايين برميل يوميا، وعلى المستوى نقل البضائع فإنه يستحوذ على 12 % من حجم التجارة العالمية، وعلى الرغم من التوترات التي شهدتها حركة الملاحة، بالتزامن مع العدوان الإسرائيلي علي قطاع غزة، إلا أن الأمور سارت في مجرى مختلف،مع قيام ما يسمى بـ “حارس الازدهار ” وهو التحالف الذى تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، بشن غارات جوية على مواقع تابعة لجماعة الحوثي في اليمن، لتتوعد الأخيرة برد أقوى، الأمر الذي دفع عدد كبير من شركات الشحن العالمية لتعليق مرورها بمياه البحر الأحمر في خطوة تهدد بتقويض إيرادات قناة السويس، وعلى النطاق الأوسع تهدد العالم بموجة كساد وتضخم جديدة، في حين مازال العالم يعاني من الأزمات الاقتصادية الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية 

طريق رأس الرجاء الصالح

هذه المخاوف والتحديات،تحدث عنها رئيس مركز العاصمة للدراسات والأبحاث الاقتصادية خالد الشافعي مؤكدا منذ بداية هجمات الحوثي، في مضيق باب المندب في 19 نوفمبر الماضي، لجأت العديد من السفن التجارية لتحويل مسارها من البحر الأحمر إلى طريق رأس الرجاء الصالح،وهذا الإجراء بدأ يتسع مع تحرك واشنطن وحلفائها فيما يعرف بـ"حارس الأزدهار"باستهداف الحوثيين عسكريا، كل هذه التحركات مجتمعة من شأنها أن تؤثر سلبا على إيرادات قناة السويس وعالميا قد تفضي إلى تقويض جهود خفض التضخم.

تراجع إيرادات قناة السويس

تراجع إيرادات قناة السويس، كان محور اهتمام أستاذ هندسة البترول بجامعة فاروس بالإسكندرية الدكتور رمضان أبو العلا، الذى قال إن ما نشهده من تصعيد عسكري في البحر الأحمر، نال بالفعل من إيرادات القناة، التي تراجعت بما لا يقل عن 40% منذ بداية الأزمة، ومن المتوقع أن تتراجع على نحو أكبر  في حال إطالة أمد الأزمة وتحويل مسار المزيد من السفن إلى طريق رأس الرجاء الصالح، الأمر  الذي رفع سعر التكلفة فضلا عن مضاعفة زمن الرحلات من أسواق آسيا إلى أوروبا والولايات المتحدة، مشيرا  إلى أن قناة السويس ليست المتضرر الوحيد من هذه الأزمة، ولكن هناك شركات الشحن أيضا متضررة، متوقعا عودتها للعمل مرة أخري إلى قناة السويس بمجرد انتهاء التصعيد الراهن فى محيط البحر الأحمر.

تحويل مسار السفن والحاويات 

نهاية الأسبوع الماضي، طالبت القوات الأمريكية، السفن التجارية بتجنب العبور من جنوب البحر الأحمر، وفقا لهذا الإجراء ارتفع عدد الشركات البحرية، التي علقت الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس، وهو الأمر الذي بدأ بقرارات فردية منذ نوفمبر 2023، لعدد من شركات الشحن الصغيرة ،ولكن مع تحذير واشنطن، بدأت الشركات الكبرى في تحول مسار السفن من البحر الأحمر ، إلى طريق رأس الرجاء الصالح، وهو ما ظهر في إعلان  شركة (إن وآي كيه) أكبر شركات الشحن اليابانية، التي قالت في بيان بتاريخ 16 يناير إنها تدرس تغيير مسار سفنها، بينما أقدمت 4 ناقلات نفط على تجنب العبور من البحر الأحمر خلال الفترة من 11 يناير إلى 16 يناير تزامنا مع بدء الضربات الأمريكية ضد اليمن.

خلال الفترة من 1 إلى 12 يناير 2024  تراجع عدد السفن العابرة لقناة السويس إلى 544 سفينة، من 777 سفينة قبل عام، وبحسب تصريحات سابقة لرئيس هيئة قناة السويس، الفريق أسامة ربيع، تسبب تصاعد المخاوف الأمنية في تراجع عائدات القناة خلال النصف الأول من الشهر الحالي بنحو 41% مع انخفاض في عدد السفن بـ30% مقارنة بما كانت عليه خلال الفترة المماثلة من العام الماضي.

رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع، ذكر أن فارق زمن الرحلات التجارية بين قناة السويس،وطريق رأس الرجاء الصالح، يتراوح من 10 إلي 15 يوما، وهذا الوقت يقابله زيادة في التكاليف النقل، مشددا علي أن الأزمة الراهنةلم تؤثر على قناة السويس فقط، بل تأثيرها امتد للعالم .

تقويض الجهود العالمية لكبح التضخم

نوع التأثير العالمي لما يحدث في البحر الأحمر، وصفه رئيس مركز العاصمة للدراسات والأبحاث الاقتصادية خالد الشافعي، بأنه تقويض للجهود العالمية لكبح التضخم، التي بدأت تؤتي ثمارها مع نهاية العام الماضي، مشيرا إلي أن تحويل مسار سفن الشحن إلى طريق رأس الرجاء الصالح، ترتب عليه رفع تكاليف الشحن، والتأمين على السفن الأمر الذي سوف يتحمله في النهاية المستهلكين حول العالم ، وهو ما نوهت إليه شركة هاباج لويد الألمانية للشحن، موضحة أن فارق التكلفة ما بين قناة السويس، وطريق رأس الرجاء الصالح، تصل إلي ملايين الدولارات.

الخسائر التجارية ليست قاصرة على شركات الملاحة، وإنما هناك أطراف أخري، وفقا لما ذكره أستاذ هندسة البترول بجامعة فاروس بالإسكندرية الدكتور رمضان أبو العلا، قائلا: استمرار التوتر في البحر الأحمر ، سيؤدي إلي اضطرابات واضح في سلاسل الإمداد العالمية، وبالتبعية زيادة في معدلات التضخم.
رئيس أبحاث سلاسل التوريد بمؤسسة ستاندرد آند بورز العالمية لكريس روجرز، توقع في تصريحات لشبكة بي بي سي ، أن يواجه قطاع السلع الاستهلاكية حول العالم التأثير الأكبر لأزمة البحر الأحمر، بعدما أصبح واضحا أن هناك تأخيرات  في مواعيد تسليم المنتجات التي يتم نقلها عبر السفن، التي تسلك حاليا طريق رأس الرجاء الصالح، كونه يضيف نحو 3500 ميل بحري، مشيرا إلى أن نحو 15% من البضائع الواردة إلى أوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا تشحن من آسيا عن طريق البحر الأحمر، ومضيق باب المندب وحده يستحوذ على 40% من حركة التجارة العالمية.

مخاوف إطالة عمر الأزمة الملاحية 

أصداء الأزمة بدأت تنتقل إلي سلاسل التوريد العالمية، بعدما حذرت خلال الأسابيع الماضية شركات عملاقة مثل إيكيا من تأثر إمدادات منتجاتها نتيجة للأزمة، فيما أعلنت شركات عالمية لصناعة السيارات مثل تسلا وسوزوكي موتورز وفولفو عن تعليق الإنتاج في بعض مصانعها في أوروبا وسط تأخر أو انقطاع الإمدادات من بعض الموردين تزامنا مع التصعيد الأمني في البحر الأحمر.

كبير المستشارين الاقتصاديين في شركة أليانز محمد العريان، تحدث لشبكة “بي بي سي” عن تأثير التوترات في البحر الأحمر، على الاقتصاد العالمي، واصفا الأمر بالمؤسف لكنه لن يصل إلى حجم أزمة سلاسل التوريد، التي شهدناها خلال 2021 و2022، ولكن ما حذر منه العريان، هو إطالة عمر الأزمة الأمر الذي سيترجم إلي ضغوط تضخمية.

أسعار النفط، كانت في مقدمة السلع التي شهدت ارتفاعا بسبب ما يحدث في نطاق البحر الأحمر، بحسب تقديرات وكالة فيتش، الصادرة نهاية العام الماضي، والتي ذكرت أن هذه التوترات في حال استمرارها قد تدفع سعر البرميل إلى مستويات قد تصل لـ120 دولار، في حين حذر البنك الدولي في شهر أكتوبر الماضي، من أن إمدادات النفط العالمية قد تنخفض بنحو 8 ملايين برميل يوميا، حال اتساع نطاق حرب غزة، الأمر الذي سيقفز بالأسعار إلى 150 دولارا الأمر الذي سوف ينعكس بالتبعية على سعر العديد من المنتجات.

search