الخميس، 21 نوفمبر 2024

11:19 ص

طارق سعد
A A

ستة وسبعة وثمانية

كيف تقرأ الأحداث بعيداً عن ما يتم تصديره لك؟.. إجابة هذا السؤال ليست مجرد كلمات بل هي السلاح الواجب أن تتسلح به خاصة في اللحظات الدقيقة والفارقة التي أصبحنا نعيشها وتمتد معنا وتتطور وتتحور، وهدفها الرئيسي هو السيطرة على وعيك.

لم يعد خفياً أن الإعلام هو السلاح الرسمي لمعركة الوعي الذي يديرها مجلس الإدارة الصهيوني منذ عقود مستخدماً الإعلام في تزييف الحقائق وبثها بـ "عين واحدة"، وهو ما اعتمد عليه كيان العدو المحتل طوال الوقت بتصدير صورة مغايرة للحقيقة لإيهام العالم بأنه الضحية فيخلق لنفسه الذريعة في التوحش والتجبر تحت شعار "الدفاع عن النفس"، وهو ما أثبت نجاحه على مر السنين وخدمه محققاً له هدفه المنشود ما دفع مجلس الإدارة لتوسعة انتشاره واعتماده سلاحاً رئيسياً في معركته للسيطرة على الوعي التي ستمكنه من السيطرة على المنطقة بأكملها بأقل مجهود وأقل خسائر، لتبقى خسائرك أنت هي الأفدح وفي نفس الوقت لا تراها والأدهى أنك تعتبرها نصراً.. وهنا تضاء اللمبة الخضراء في هذا "المحفل" بنجاح المهمة بامتياز.

 اعتمدت الإدارة العليا سلاح الإعلام رسمياً بأول مهمة له تحديداً في أحداث "11 سبتمبر 2001" عندما أعدت وأخرجت فيلم تفجير برجي التجارة العالمي بطائرات مختطفة وأسندت تلك العملية لزعيم تنظيم القاعدة وقتها "بن لادن"، لتخلق حجتها بالعداء ضد كل ما هو إسلامي في العالم وضد المنطقة العربية بالأخص، وكان الإخراج من كل الزوايا والعرض الإعلامي المستمر توثيقاً ليظل العالم مقتنعاً بصورة دخول الطائرات في البرجين وتفجيرهما رغم ما تم إثباته بالتفجير من الداخل، حتى تم الكشف مؤخراً بعد التطور التكنولوجي الكبير الذي وصلنا إليه عن الخدعة الأكبر والأخطر بعدم وجود الحدث من الأساس واستخدام تقنية الـ"هولوجرام" لتجسيم طائرات تظهر تصطدم بالبرجين.. تلك التقنية التي كان يمتلكها أصحابها قبل السماح لها بالتواجد الرسمي مثل كل التطور التكنولوجي الذي يصلنا متأخراً ما بين 250 إلى 50 سنة بعد امتلاكهم له لتفيق على أكبر "تغفيلة" تم بها سرقة وعيك لعمر طويل بشكل مهين!

نفس الأمر تماماً تكرر في الغزو الأمريكي للعراق "مارس 2003" بتسويق إدعاء امتلاكها أسلحة نووية، وأقر بهذا الادعاء "البرادعي" الذي كان يترأس خدمتهم في وكالة الطاقة الذرية والاعتماد على الإعلام المصنوع لتسويق المبرر للغزو والمرجح في عدد كبير من الدوائر المتخصصة أن تقنية الـ"هولوجرام"، تم استخدامها في تكثيف مجسمات الدبابات الأمريكية بصورة زائفة للعين لبث الإحباط والإحساس باليأس والهزيمة كنوع من الحرب النفسية التي سهلت عمليات الاستلام وقتها واحتلال العراق بسهولة لم يتم فهما، ولكن كالعادة يحدث متأخراً بعد أن تصلنا التكنولوجيا التي يتم تطويرها في "المحفل" منذ مئات السنين.

الحقيقة أن الإعلام المصنوع بالتزييف يلعب دوراً رئيسياً في الحرب العظمى في أحداث وحوادث كبرى منذ سنوات طويلة لعبت فيها "قناة الجزيرة" دور الذراع الرئيسي في المنطقة لتزييف الحقائق وقلبها وبثها بـ"عين واحدة" لتحقيق أهدافهم الخبيثة، وهو ما تجلى ووضح صريحاً بحشد وتجييش كل أذرع سلاح الإعلام في "نكبة 2011" بعد سيطرة مواقع التواصل الاجتماعي والاطمئنان على دورها المؤثر والرئيسي التي ستقوم به بجانب شاشات الإعلام التي أصبحت بالتكامل كلها تنطق بلسان الزيف الواحد، ليتحول الإعلام وقتها إلى أداة التخريب الرسمية التي تفتح المجال لمزيد من التحركات على الأرض واستخدام "البرمجة اللغوية العصبية" بترديد الأكاذيب لتنفذ إلى اللاوعي لدى المشاهد فتتركز بداخله ويظل يعتقدها حقائق دامغة وهو ما عانت منه الأجهزة السيادية المسئولة عن حماية الدولة خاصة بعد تسخير مجموعات من الداخل لتصبح عدو ذاتي يشعل النيران من قلب الحدث لقيادة تلك المعركة ولكن.

تظل اللعبة الأحقر التي اعتمدها مديرو الحرب هي لعبة "ضرب التواريخ"، وهي الأخطر في السيطرة على الوعي وإعادة توجيهه والتي تم فيها استهداف التواريخ المرتبطة بأحداث مهمة في ذاكرة الدولة المصرية لمحاولة طمس معالمها واستبدالها بأحداث جديدة مروعة تظل عالقة بالأذهان، وبدأ ذلك بتحديد موعد التحرك في يوم عيد الشرطة المصرية "25 يناير" الذي يخلد موقعة الإسماعيلية 1952 وبطولة رجال الشرطة المصرية أمام الاحتلال الإنجليزي، واختلقوا للتاريخ خراباً للبلاد تحت مسمى "ثورة"، ليظل الحدث ملتصقاً بالتاريخ ويتوارى الحدث الأصلي خلفه ويتم التوثيق بكثافة إعلامية فضائياً وإلكترونياً وورقياً، واستمر التنفيذ مع كل تاريخ من هذه النوعية على مدار العام يتم اختلاق حادث جلل وإراقة دماء فتمر من بينها على عيد تحرير سيناء وكل الأعياد المرتبطة بالجيش وأسلحته المختلفة وأهمها "23 يوليو" عيد الثورة ومحاصرة وزارة الدفاع ومحاولة اقتحامها والاشتباك مع رجال القوات المسلحة والتحريض عليهم، واختلاق أحداث ماسبيرو في "9 أكتوبر" وأيضاً "14 أكتوبر" عيد القوات الجوية، وغيرها من التواريخ الهامة، ولكن .. لنا مع أكتوبر وقفة أهم ...

يظل تاريخ "6 أكتوبر" بل الشهر نفسه كاملاً كابوساً مؤلماً كل عام يحرم العدو من النوم ويقلب عليه وعلى رؤسائه أوجاعاً قاتلة ويسعون بكل جهدهم لمحو تاريخ "6 أكتوبر" وأيام الشهر كله من الذاكرة، ولا تكل ولا تمل محاولاتهم والتي كانوا يتخيلونها القاضية من البداية باغتيال "السادات" قائد النصر رئيس الجمهورية الأسبق في يوم الاحتفال بذكرى الانتصار وبأيادي خونة إرهابيين من داخل الجيش المصري تم تجنيدهم للقيام بالعملية التي اعتقدوا بها أنهم أجهزوا على هذا الاحتفال وجيشه للأ بد، إلا أن جبروت الشعب المصري أقوى عندما استمر في الاحتفال كل عام وهو يترحم على بطله وشهيده في نفس الوقت وظل محاوطاً لجيشه محاطاً به وللتذكرة فما تم في "28 يناير 2011" من اقتحام الأقسام ومراكز الشرطة والسجون على مستوى المحافظات، هو نفسه ما حاولوه يوم اغتيال السادات ولكن تمت السيطرة وإفشال الخطة مبكراً ليظل يوم "6 أكتوبر" أكبر احتفال رسمي شعبي سنوياً.

ولم تتوانى الآلة الإعلامية طول 51 عام من التسويق ضد الانتصار التاريخي الذي يتم تدريسه في الأكاديميات العسكرية الدولية بخرافة أنهم المنتصرون وأننا في الحقيقة تم هزيمتنا في أكتوبر بغباء منقطع النظير.. ثم يخرج علينا تقرير بخيانة "أشرف مروان" صهر "السادات"، وكذلك تقرير عن حجم خسائر وهمية للجيش في "14 أكتوبر" واستخدام الذراع الإعلامي في الترويج بكثافة وغيرها من المحاولات المستميتة لزحزحة "أكتوبر" من مكانه والنتيجة دائماً كما تعود العدو فشلاً ذريعاً، ومع ذلك فإن كل بضاعة فاسدة لها "زبونها" الذي يستهويه عروض التسويق وما تحققه من "فرقعة" إعلامية وكان أهم هؤلاء الزبائن هو الكاتب الراحل "محمد حسنين هيكل" الذي اختلق خرافته بعدم وجود ضربة جوية من الأساس، وأن الأمر كله كانت مظاهرة سماوية لإعادة الروح المعنوية للمقاتلين ليغلبه كرهه لـ"مبارك" على تاريخ وطنه الذي احترف تزييفه!

لم تنتهي اللعبة ولكنها بدأت من جديد من منطقة مختلفة ليقرر مجلس الإدارة العليا أن يدير الصراع بخيوط مختلفة تحقق أهدافاً متعددة في ضربة واحدة، فهو يملك الخيوط كلها وعرائسها ويحركها كما يريد بما يحقق أهدافه ويعرف كيف يضرب من بمن ليحدث ماذا فيتم تجهيز صراعاً جديداً هو الأعنف من نوعه في المنطقة وينطلق من الأراضي المحتلة ليختاروا له تاريخ "7 أكتوبر" وفتح الطريق لـ"ميليشيات حماس" بالهجوم على الكيان الصهيوني بتسهيلات خرجت من أجهزة استخبارات الكيان نفسه، ولأن الميليشيات لا تمتلك أسلحة متطورة فقد تقرر العمل على "شو إعلامي" لأول مرة مقاومة تسبح في السماء بـ "براشوتات ومناضيد" في أمان تام دون أن تتعرض لها ولو ذبابة لتنطلق الكتائب الإلكترونية بكثافة غير مسبوقة تروج للطوفان العظيم الذي حرر الأرض المحتلة وأعادها لأصحابها وروج لنهاية الكيان الصهيوني لمنقذهم الجديد "7 أكتوبر" وحدثه المصطنع الذي استهدف في حقيقته إعادة الصراع داخل "سيناء" بدفع الشعب المنكوب تجاهها وتهجيره إليها مستخدماً كل أسلحة الترويج من إخراج تليفزيوني وفوتوغرافي متطور وبث الحماسة والدغدغة للمشاعر وأحلام اليقظة الحالمة ونقل كل الأحداث من "المحفل" بـ "عين واحدة" فقط بعكس الواقع والعقل والمنطق الذي دفع كثير من المتابعين بعد التهاب حماسهم بشدة أن يروا آلاف الجثث قتلى وحرقى بخلاف أضعافهم تحت أنقاض مدن تم تسويتها بالأرض، انتصاراً تاريخياً لتبقى الغرف المظلمة في إدارة هذا "المحفل" تضج من التصفيق والضحكات النكراء وهم يشاهدون "روبوتاتهم" الجديدة لحم ودم تنفذ أوامرهم بعدما تم السيطرة على وعيهم والعبث به ليتحركوا لا إرادياً نحو الأهداف المحددة لهم دون وعي أو إدراك.

الحقيقة الدامغة التي فرضت نفسها أنه بالرغم من كل الحشد الذي تم القيام به لاختلاق تاريخ جديد مزيف بانتصار مزيف واستخدام كل السبل الإعلامية التقليدية والمستحدثة تكنولوجياً للترويج له ووضعه في مرمى العين والذاكرة بالصورة المعدة له مسبقاً، إلا أن الفشل طعنهم طعنة نافذة بعد قدوم شهر أكتوبر واحتفاظ يوم "6 أكتوبر" بحضوره وانتعاش ذاكرة انتصاره وطغيانه السنوي ليمر اليوم كعادته، ويحل المساء ويأتي صباح "7 أكتوبر" صامتاً حزيناً محفوراً في قلب الشعب المحتل دموياً بـ"النكبة الثانية" كما وصفوه في تعليقاتهم وتدويناتهم وإعلان قطاعات كبيرة براءتهم من هذه الميليشيات التي هي من الأساس صناعة وتمويل المختل الذي يقود حرباً من طرف واحد للإبادة وأنهت على القضية تماماً وأضاعت الأرض والشعب، رافضين ترك أرضهم ليقوم الكيان بعدها بأيام بتصفية رئيس المليشيات المعين خلفاً لسابقه المصفى أيضاً ويعلنه صدفة في نفس الوقت الذي يخرج مسئول أمريكي يحتفل بالحدث ويؤكد على إمداد الكيان بمعلومات عن مكان تواجده منذ فترة وتم تعقبه عبر جواسيسهم ورصده حتى اصطياده.

لأن نهاية كل قائد لمجموعة تتسبب في انهيارها وتنتهي إكلينيكياً ولأن الكيان لن يرضى بذلك لأنه يعني نهاية حرب الإبادة والمحاسبة، فقرر صناعة نهاية حماسية ملهبة لمشاعر المريدين لعملية التصفية لتشتعل من جديد ما يريدونها مقاومة يستمرون في التعامل معها واستكمال التوسع في المنطقة لإحكام السيطرة من الفرات للنيل عكسيا، بعدما فشلت بترتيبها في بروتوكلاتهم.

في النهاية، مرت أيام أكتوبر.. 6 و7 و8، وتنتهي أيامه ولم يتغير شيء سوى إضافة فشل جديد لمحركي العرائس في "المحفل الكبير" بالرغم من سيطرتهم الإعلامية وتصديرهم لأرقى تطويرات التكنولوجيا لدعمه، وتظل مصر على المحك.. على خط النار صامدة بدرعها الحصين.. قواتها المسلحة مع أجهزتها المعلوماتية.

معركة الوعي هي الأشرس والأخطر وإن لم نتسلح ضدها بما يناسبها ستقذف بالجميع للجحيم.. ودون تمييز.

search