الخميس، 21 نوفمبر 2024

04:36 م

التضخم يفرغ جيوب المصريين.. هل تجرع الاقتصاد المزيج المسموم؟

مواطن أمام إحدى شركات الصرافة

مواطن أمام إحدى شركات الصرافة

A A

سلسلة من زيادات الأسعار طالت غالبية الخدمات منذ مطلع العام لتضرب جيوب المصريين وتحدّ من قدرتهم الشرائية بشكل متفاوت، الأمر الذي خلق “مزيجًا مسمومًا” يهدد الاقتصاد بالسقوط في دائرة الركود التضخمي، بل يعتقد البعض أنه سقط بالفعل. 

رأى الخبير المصرفي محمد بدرة أن معدلات التضخم مرشحة للارتفاع على نحو ملحوظ خلال الفترة المقبلة في ضوء الزيادة الأخيرة التي جرى إقرارها على أسعار البنزين والسولار، وهذا الأمر سيضغط على القوة الشرائية للمواطنين التي تضررت بالفعل منذ بداية العام. 

تضخم عنيد 

وأضاف بدرة لـ"تليجراف مصر"، أن توقعات صندوق النقد الدولي تبدو منطقية فيما يتعلق بارتفاع متوسط التضخم خلال هذا العام إلى 33.3%، ومن غير الواضح متى يمكن أن يتخذ التضخم منحى نزوليًا، إذ من المتوقع أن تقدم الحكومة على تمرير حزمة حماية اجتماعية جديدة تتضمن رفعًا للأجور والمعاشات، الأمر الذي سيدفع التضخم لمزيد من الصعود. 

وتسارع التضخم خلال سبتمبر الماضي للشهر الثاني على التوالي ليصل إلى 26.4% في أول قراءة عقب قرار زيادة أسعار الكهرباء للمرة الثانية.

وفي أحدث تقرير لصندوق النقد توقع أن يصل متوسط معدل التضخم خلال العام الحالي إلى 33.3% ارتفاعًا من تقديراته السابقة البالغة 32.5%، على أن يتراجع بنهاية العام المالي في يونيو 2025 إلى 21.1%، فيما أبقى الصندوق على توقعاته لمعدل النمو لهذا العام عند 4.1% مقارنة بـ2.4% في العام المالي السابق. 

وأوضح بدرة أن ارتفاع التضخم مع تراجع القوة الشرائية وتباطؤ النمو الاقتصادي وضع تشهده مصر منذ فترة وهو ما يعرف بالركود التضخمي، ومن المتوقع أن يستمر هذا الوضع لفترة من الوقت، نظرًا لعوامل عدة، أبرزها استمرار الضغوط الخارجية، فعلى سبيل المثال حال رأينا أي تصعيد في الشرق الأوسط فقد يرتفع النفط إلى 100 دولار للبرميل وربما أكثر، وهذا قد يدفع الحكومة لزيادة أسعار المنتجات البترولية قبل مدة الـ6 أشهر المعلنة من  وزارة البترول، لاستيعاب تكلفة استيراد هذه المنتجات. 

الخبير المصرفي د.محمد بدرة 

وتابع بدرة أن من بين العوامل التي ترجح استمرار حالة الركود التضخمي ارتفاع معدلات الفائدة الذي من غير المتوقع أن نشاهد المركزي يتراجع عنه قريبًا نتيجة للحاجة إلى فترة للتأكد من تمرير الضغوط التضخمية تحديدًا تلك الناجمة عن زيادة المحروقات، مشيرًا إلى أنه قبل الزيادة الأخيرة لأسعار الطاقة (بنزين وكهرباء) كان السيناريو الأساسي لخفض الفائدة خلال الربع الأول من 2025، أما الآن فمن غير الواضح متى سيتخذ المركزي هذه الخطوة؟. 

ومن المعروف أن خفض الفائدة يدعم النمو لكنه في الوقت نفسه قد يدفع التضخم المرتفع بالأساس للارتفاع أكثر، لذا أبقى البنك المركزي في اجتماعه السادس الذي عقد خلال الشهر الحالي على معدلات الفائدة الحالية دون تغيير، وأشار في حيثيات القرار إلى وجود مخاطر صعودية تحيط بمعدلات التضخم، وفي الوقت نفسه أقدمت وزارة البترول على رفع أسعار الوقود بنسبة تتراوح بين 10.9% و17.4%، مع تحديد مهلة 6 أشهر قبل الزيادة المقبلة. 

ركود عالمي 

قال الخبير الاقتصادي بلال شعيب إن الركود التضخمي هو عبارة عن وضع اقتصادي يجتمع فيه 3 عوامل مهمة هي ارتفاع ملحوظ في الأسعار (تضخم) مع ارتفاع للبطالة وتباطؤ في النمو الاقتصادي، ومن جهة أخرى يؤدي تدخل صناع السياسات النقدية والمالية لكبح واحد من هذه العوامل لارتفاع الآخر، لذا يعد سيناريو الركود التضخمي صعبًا، وهذا ما يعانيه الاقتصاد العالمي حاليًا.

وأضاف أن سيناريو الركود التضخمي أصبح واقعًا في الكثير من الدول بما فيها مصر، وسط استمرار ارتفاع أسعار السلع الأساسية وكذلك تكاليف الشحن عالميًا واستمرار سياسات التشديد النقدي رغم بدء دورات خفض الفائدة إلا أن الأخيرة ما زالت مرتفعة في كثير من البلدان بما فيها مصر، وهذا يضغط على النمو. 

وتابع أن أسعار المحروقات ارتفعت في مصر بواقع 3 مرات خلال 2024 ليتجاوز إجمالي الزيادة عتبة الـ100% في آخر 3 سنوات ونصف، هذا بالطبع نال من القوة الشرائية للمواطن ورفع أسعار السلع والخدمات، مشيرًا إلى أن الحكومة اضطرت لرفع الأسعار رغم أنها زادت فاتورة دعم المواد البترولية بواقع 29% خلال العام المالي الحالي، إلا أن انخفاض قيمة الجنيه بواقع 60% خلق فرقًا بين هذه الزيادة وتراجع الجنيه بواقع 30% وعند البحث عن مصدر لتمويل هذا الفرق كان تحريك الأسعار هو الأنسب. 

ركود السلع الفاخرة

وتوقع شعيب أن يواصل التضخم صعوده خلال ما تبقى من العام بنسبة 1% ليصل إلى 27% على أقل تقدير، قبل أن يميل للاستقرار خلال الربع الأول من 2025 ثم يتخذ مسارًا نزوليًا، مشيرا إلى أن من العوامل التي قد تحد من تداعيات الركود التضخمي التوجه لزيادة الإنتاج وموارد الدولة بالتركيز على قطاعات الصناعة والسياحة والصادرات. 

الخبير المصرفي د.هاني العراقي

يخالف هذا الرأي الخبير المصرفي هاني العراقي، موضحًا أن مصر لم تدخل بعد في دائرة الركود التضخمي، إذ إنه رغم زيادة الأسعار فإن  القوة الشرائية للمواطنين لا تزال عند مستويات مرتفعة نسبيًا نتيجة للكثافة السكانية المرتفعة، التي استوعبت أثر الزيادات التي شهدناها منذ مطلع العام، دون الوصول إلى ركود مكتمل. 

وأضاف أن الركود قد يصيب فعلًا بعض القطاعات كالسلع الفاخرة وسلع الرفاهية، مع حقيقة وصول أسعارها إلى مستويات غير مبررة والأهم إمكانية التوقف عن شرائها على العكس من السلع الأساسية. 

search