الخميس، 24 أكتوبر 2024

07:24 م

"بقايا شموع"هدير ناجي.. إضاءة تحسن المزاج وتذيب القيود

شموع هدير

شموع هدير

منار فؤاد

A A

 في ديسمبر 2022، كان المنزل هادئًا، وكأن الصمت نفسه يضغط على جدرانه، بعد عامين من التوقف عن العمل. الفنانة التي لا تنتمي إلا للفن بكل تفاصيله، هدير ناجي، 38 عامًا، وجدت نفسها تائهة بين مهام الحياة اليومية كأم لثلاثة أطفال وزوجة، وبين حاجة عميقة لشغل هذا الفراغ، دخلت عالم الشموع "الهاند ميد" دون تخطيط مسبق، تجربة بدأت عشوائيًا وانتهت بإبداع يلفت الأنظار.

 عندما يشتعل الإبداع من شمعة منزلية

 بدأت هدير تجربتها بتذويب بقايا الشموع من أعياد ميلاد أطفالها، تلك الشموع التي كانت تمثل لحظات سعيدة أصبحت مواد خام لأول إبداع لها، بعد أشهر من التجارب في مطبخ منزلها، كانت أول من يتذوق نجاحها هم أفراد عائلتها وأصدقاؤها المقربون، وتابعت: "كل شمعة كنت أهديها كانت تشعل في داخلي حماسًا جديدًا، ومع كل كلمة تشجيع كنت أقترب خطوة نحو الثقة بنفسي".

خامات لا تعرف الحدود رغم حماسها

 أدركت هدير أن خامات الشمع المتاحة في مصر لم تكن تضاهي تلك التي كانت تراها في الدول الخليجية والأجنبية. كانت تطمح لاستخدام شمع الصويا الطبيعي، الآمن للأطفال وغير المسبب للحساسية، ولكن هذا الشمع لم يكن متوفرًا في مصر، هنا ظهر دور زوجها، الذي كان يعمل خارج البلاد، حيث تمكّن من جلب الخامات التي تحتاجها من الخارج. واستكملت: "كان الشحن مكلفًا، ولكني كنت أعلم أن الجودة هي التي ستحدث الفرق".

 فن يجذب الحواس 

عندما بدأت هدير بعرض منتجاتها في بازارات محلية، كانت الألوان الزاهية والتصاميم المبتكرة تلفت الأنظار فورًا، العديد من الزوار كانوا يظنون أن شموعها هي كعكات حقيقية بسبب دقة تفاصيلها وبهجة ألوانها، هنا أدركت هدير أن الشموع يمكن أن تكون أكثر من مجرد وسيلة للإضاءة، بل هي فن يحمل مشاعر وأفكار، “كنت أضع لمساتي الخاصة في كل شمعة، كنت أضيف شيئًا مختلفًا في كل مرة، وعندما أرى الإعجاب في أعين الناس، كنت أشعر بأنني أضأت ليس فقط المكان، بل أرواحهم”، هكذا روت صاحبة الفن. 

شموع على شكل أطفالي

 تطوير الفكرة بأناقة

 لم تتوقف هدير عند الشموع التقليدية، بل سعت لتقديم شيء جديد، أدخلت شمع المساج المصنوع من الزيوت الطبيعية مثل زيت جوز الهند، وهو منتج لم يكن مألوفًا للكثيرين في مصر، وبدأت بطرح الفكرة كتجربة في أحد البازارات، ولاقت استحسانًا كبيرًا، وتابعت:"كنت دائمًا أبحث عن طرق لجعل شموعي تقدم أكثر من مجرد رائحة وإضاءة، أردت أن تكون جزءًا من حياة الناس، تمنحهم راحة وهدوء".

الشغف الذي ينمو بالعطاء 

هدير لم تكن فقط فنانة شموع، بل أيضًا معلمة بالروح، منذ بداياتها، تلقت مساعدة سخيّة من إحدى الفتيات التي لم تبخل عليها بأي معلومة. وبدورها، لم تتردد هدير في مساعدة الآخرين في الدخول إلى هذا العالم، وقالت: “ليس فقط عن الشموع، بل عن المشاركة والعطاء. النجاح بالنسبة لي ليس في بيع الشموع فقط، بل في مشاركة الشغف”.

شموع هدير

تحديات التسويق

الشموع ليست مجرد منتجات تضيء الغرف، بل هي تجارب مملوءة بالتحديات والابتكار. منذ أن بدأت مشروعها، واجهت هدير صعوبات متعددة، أبرزها تكلفة الشحن السريع، الذي كان يستنزف مبالغ "مهوولة" للحصول على الخامات المطلوبة، ولكن كما هو الحال مع أي شغف حقيقي، لم يكن المال هو العقبة الوحيدة. 

 رغم العقبات التي واجهتها في التسويق والإعلان عن منتجاتها، لم تتوقف هدير عن تطوير أفكارها، حيث تابعت "الإعلانات الممولة كانت جزءًا مهمًا من تعريفي للجمهور، ولكن التحدي الأكبر كان إقناع الناس بأن الشموع ليست مجرد شيء جمالي، بل هي منتج له دور في تحسين المزاج والطاقة في المنزل".

الإعلانات والبازارات.. كيف تصل فكرتك إلى الجميع؟ "التسويق هو المفتاح"، تقول هدير، ولكن الوصول إلى الجمهور لم يكن سهلًا. في البداية، كانت تعتمد على الإعلانات الممولة عبر الإنترنت، لكنها أدركت أن الصورة لا تكفي، فالناس تحتاج لرؤية الشموع ولمسها بل وحتى شم رائحتها. هنا جاءت فكرة المشاركة في البازارات، حيث أصبح التواصل المباشر مع الزبائن نقطة تحول في التعريف بمنتجها. "في البازار.

شموع أكثر تعقيدًا مما تبدو

 عندما بدأت هدير، كانت تعتقد أن صناعة الشموع مجرد إذابة الشمع وصبه في قالب، ولكن مع الوقت، اكتشفت أن لكل نوع من الشموع خصائصه وتفاصيله الخاصة، فـ هناك الشموع الطبيعية، مثل شمع الصويا المستورد، الذي كان حلمًا يصعب تحقيقه في مصر بسبب تكلفته العالية، وهناك الشموع الصناعية التي تعتمد على مستخلصات البترول. 

 تعلمت أيضًا عبر البحث والتجربة أن ثبات العطر يعتمد على درجة حرارة الشمع، وأن الفتيل يمكن أن يحرق الزيوت ويبدد رائحتها في الهواء إذا لم تُراعَ تلك التفاصيل الدقيقة.

البدائل والتعلم المستمر مع الوقت

بدأت تبحث عن بدائل مناسبة للخامات المستوردة، اكتشفت شمع النخيل، والذي رغم أنه ليس مثل الصويا الأصلي، إلا أنه يوفر خيارًا طبيعيًا وسعره معقول، "التحدي الحقيقي كان في الحصول على خامات محلية جيدة، ومقارنة بين ما هو متاح وبين الجودة التي كنت أطمح إليها"، لكن الأهم بالنسبة لها كان الالتزام بالجودة، مهما كان الثمن.

الفن لا يعرف حدودًا اليوم

 أصبحت شموع ناجي ليست فقط وسيلة للإضاءة، بل نافذة للفن والابتكار، من الشموع الزاهية ذات الروائح المميزة إلى شمع المساج الذي يجلب الراحة والهدوء، رسالتها دائمًا كانت ولا تزال أن الفن والشغف لا يقتصران على معارض أو أروقة فنية، بل يمكن أن ينبتا في أي مكان، حتى في مطبخ منزل صغير.

المستقبل والشركات الكبرى

 تقول هدير إنها تتلقى الآن طلبات من شركات كبيرة لتصميم منتجات خاصة بشهر رمضان المبارك، مما يفتح أمامها آفاقًا جديدة في رحلتها الفنية، وتؤكد أن الشمع بالنسبة لها ليس مجرد عمل تجاري بل هو شغف متأصل في فنون "الهاند ميد"، مما يجعل كل قطعة فريدة وتعبر عن جزء من شخصيتها.

 الفن لا ينتهي رغم الصعوبات والتحديات

 لم تفقد هدير حبها لفن الشموع، أسعار منتجاتها تتراوح من 35 جنيهًا حتى 380 جنيهًا، ولكنها تعتقد أن قيمة ما تصنعه لا تقدر بالمال، بل بالإبداع والشغف الذي تضعه في كل شمعة.

شمع على هيئة فستان عروسة 
شمع على هيئة بابا نويل

اليد التي أشعلت المزيد من الشموع

لم يكن دعم العائلة ماديًا فقط، بل معنويًا أيضًا. والدتها كانت إحدى أكبر المشجعين لها، حيث كانت تدعمها بكل كلمة إيجابية وكل تجربة جديدة تقدمها، بالإضافة إلى ابنها البالغ من العمر 13 عامًا شاركها في العمل عندما ازدادت الطلبات، إلى جانب الدعم الذي حصلت عليه من زوجها ووالدتها، كانت شقيقة هدير ناجي جزءًا لا يتجزأ من رحلتها في صناعة الشموع. مع تزايد الطلبات على منتجاتها، وجدت هدير نفسها بحاجة إلى مساعدة إضافية، وهنا دخلت شقيقتها على الخط لتكون اليد اليمنى التي تدعمها في أصعب الأوقات، لتتحول صناعة الشموع إلى نشاط عائلي. 

دائرة الدعم الأوسع بالإضافة إلى عائلتها

 كان لأصدقائها المقربين دور مهم في دفعها للاستمرار، في البداية، كانت تقدم لهم الشموع كهدايا لتقييم جودتها، وكان رد فعلهم هو الدافع الأساسي الذي منحها الثقة لبدء مشروعها، وأضافت:"كل مرة كان أحدهم يقول لي إن شموعي جميلة، كنت أشعر أنني أقترب أكثر من هدفي".

search