الجمعة، 25 أكتوبر 2024

01:22 م

الآلاف يموتون في صمت.. سول تخصص 327 مليون دولار لمحاربة الوحدة

كوريا الجنوبية تواجه وباء الوحدة

كوريا الجنوبية تواجه وباء الوحدة

حبيبة وائل

A A

تشير الإحصائيات إلى أن آلاف الكوريين الجنوبيين، أغلبهم من الرجال في منتصف العمر، يموتون سنويًا في صمت ووحدة، بعيدًا عن أسرهم وأصدقائهم، وقد تُكتشف جثث هؤلاء الأفراد بعد أيام أو حتى أسابيع من وفاتهم.

هذه الظاهرة، المعروفة باسم "الوفيات الناجمة عن الوحدة" أو "جودوكسا"، تعكس مشكلة أعمق تتعلق بالوحدة والعزلة في المجتمع الكوري، وهي قضية دفعت الحكومة إلى اتخاذ خطوات جادة لمكافحتها. وفقًا ل"سي إن إن".  

محاربة الوحدة

في العاصمة سول، أعلنت السلطات هذا الأسبوع تخصيص 451.3 مليار وون (حوالي 327 مليون دولار) على مدى خمس سنوات لإقامة "مدينة لا يشعر فيها أحد بالوحدة".

تشمل المبادرات الجديدة توفير مستشارين متخصصين في دعم الأفراد الذين يعانون الوحدة،  من خلال خط ساخن يعمل على مدار الساعة ومنصة عبر الإنترنت لتقديم الاستشارات، كما ستتضمن الخطط زيارات شخصية ومتابعة مباشرة. 

وفي هذا السياق، صرح رئيس بلدية سول، أوه سي هون، بأن الوحدة والعزلة ليستا مشكلتين فرديتين بل تتطلبان جهودًا مجتمعية مشتركة لحلها، مضيفًا أن المدينة ستسخر جميع قدراتها لمساعدة الأفراد الوحيدين على الاندماج مرة أخرى في المجتمع. 

خدمات نفسية

تشمل الخطط أيضًا تقديم خدمات نفسية موسعة، وزيادة المساحات الخضراء، وتنظيم برامج غذائية خاصة للسكان في منتصف العمر وكبار السن، كما سيتم إنشاء نظام بحث لتحديد الأفراد المعزولين الذين يحتاجون إلى المساعدة، فضلًا عن تنظيم أنشطة لتعزيز التفاعل الاجتماعي مثل البستنة والرياضة ونوادي القراءة. 

رغم الترحيب بهذه المبادرات من قبل الخبراء، إلا أنهم يرون أن الجهود المبذولة لا تزال بحاجة إلى مزيد من التعزيز.

يعود ذلك جزئيًا إلى أن مفهوم الوحدة في الثقافة الكورية يتسم بخصوصيات ثقافية يصعب تغييرها.

يقول آن سو جونج، أستاذ علم النفس بجامعة ميونجي، إن الوحدة تمثل قضية اجتماعية مهمة تتطلب استراتيجيات معالجة فعالة، لكنه حذر من ضرورة التفكير في كيفية تنفيذ هذه التدابير بفعالية. 

ارتفاع معدلات الوفيات بسبب الوحدة 

على مدار العقد الماضي، حظيت قضية الوحدة باهتمام واسع مع تزايد أعداد الأفراد المنعزلين، بما في ذلك الشباب الذين يفضلون الانعزال عن العالم، ووفقًا لتقديرات، بلغ عدد هؤلاء المنعزلين في كوريا الجنوبية نحو 244000 شخص في عام 2022، كما شهدت البلاد ارتفاعًا في حالات الوفاة الناجمة عن الوحدة، حيث سجلت 3661 حالة وفاة العام الماضي، مقارنة بـ 3559 حالة في عام 2022. 

تجدر الإشارة إلى أن وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية قد وسعت تعريف "الموت المنعزل" ليشمل أي شخص يعيش في عزلة اجتماعية، بغض النظر عن الظروف المحيطة بالوفاة.

يأتي هذا في سياق أزمة ديموغرافية تعانيها البلاد، حيث يزداد عدد الوفيات نتيجة شيخوخة السكان وانخفاض معدلات المواليد. 

أسباب الوحدة 

رغم أن الشعور بالوحدة ليس مقتصرًا على كوريا الجنوبية، إلا أن أستاذة علم النفس آن ترى أن هناك اختلافات ثقافية تميز التجربة الكورية. في بعض الثقافات، يُنظر إلى الوحدة كنتيجة لعدم رضا العلاقات، بينما يُعبر الكوريون عن شعورهم بالوحدة عندما يفتقرون إلى الهدف أو الشعور بالجدارة. 

وقد أظهرت دراسة حديثة أن الوحدة ترتبط بفكرة "التوجه العلائقي"، حيث يُعرف الأفراد أنفسهم من خلال علاقاتهم مع الآخرين. بالتالي، قد يشعر الكوريون الجنوبيون بالوحدة الشديدة عندما يعتقدون أنهم لا يحققون تأثيرًا على المجتمع. 

تساهم عوامل متعددة، مثل الارتفاع في عدد الأسر الفردية، وانخفاض التفاعلات الاجتماعية خارج نطاق العمل والعائلة، وهيمنة وسائل التواصل الاجتماعي، في تفاقم مشاعر الوحدة. 

جهود حكومية لمواجهة الظاهرة 

هذا الاتجاه لم يقتصر على كوريا الجنوبية، إذ أطلقت اليابان في عام 2021 خطة مكثفة لمواجهة الوحدة، بينما أعربت دول أخرى مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة عن قلقها بشأن هذه الظاهرة. 

يشير العديد من الخبراء إلى أن مواجهة الوحدة تتطلب جهودًا متعددة الجوانب، وليس مجرد توسيع الاتصالات الجسدية، مؤكدين أهمية تنمية القدرة على العناية بالنفس وبالآخرين في ظل التحديات المجتمعية المعقدة.

search