الجمعة، 20 سبتمبر 2024

12:58 ص

بين الزوال والتوحش.. رحلة الدولار في السوق السوداء منذ الستينيات

عملات نقدية أمريكية ومصرية

عملات نقدية أمريكية ومصرية

مصطفي العيسوي

A A

تعد السوق السوداء لسعر الدولار ليست وليدة اللحظة، حيث شهدت مصر فترات نقص شديد بالعملة الأمريكية بدايةً من فترة الستينيات، والتي ظهر فيها أول سعر للدولار مُسجلًا 188 قرشًا، وذلك وفقًا لما أجمع عليه عدد من خبراء الاقتصاد.

وواصل سعر الدولار في السوق السوداء جنونه هذه الأيام، مسجلًا 62 جنيهًا بنسبة زيادة وصلت إلى 100% عن السعر الرسمي البالغ 31 جنيهًا، في تعاملات البنوك العاملة بالسوق المصري، بسبب شح الدولار، ولجوء عدد كبير من المواطنين والمستثمرين إلى التعامل مع السوق الموازي.

متى ظهرت السوق السوداء؟

يقول الخبير الاقتصادي، الدكتور عادل عامر، إن الاقتصاد المصري خرج بشكل قوي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، فكان الجنيه أعلى من الإسترليني مُسجلاً 3.5 دولار أمريكي، وسجل أول سعر للدولار في السوق السوداء في حقبة الستينيات، 1.80 جنيه للدولار الواحد، ثم اختفت بعد توفير كميات من النقد الأجنبي، وظهرت مرة أخرى بعد بدء تطبيق سياسة الانفتاح عام 1974 حيث وصل سعره 2.18 جنيه، ما اضطر الدولة إلى إصدار قانون بتجريم الإتجار بالعملة الأجنبية خارج نطاق البنك المركزي.

مكاتب الصرافة

يشير الخبير الاقتصادي، إلى أن الدولة أنشأت في فترة الثمانينيات، مكاتب الصرافة، خاصةً في ظل سياسة الاقتصاد الحر، ولكن ظهرت السوق السوداء بعد ذلك، ما جعلها تصدر قانون يجرم الإتجار بالعملة خارج مكاتب الصرافة، حيث إن سعر الدولار أمام الجنيه المصري سجل 4.2 جنيه، ثم قفز في التسعينيات إلى 8 جنيهات.

 تراجعت قيمة الدولار في حكومة الدكتور الراحل عاطف صدقي، بعدالقضاء نهائيًا على السوق السوداء، كما أنها تمكنت بداية عام 1996 من خفض أسعار الذهب من 44 إلى 18 جنيهًا.

وجاء في المركز الثاني حكومة كمال الجنزوري في ولايته الأولي 1997، التي قاومت هذه السوق، عن طريق الإصلاحات الاقتصادية التي نُفذت على أرض الواقع وجنبت المواطن ويلات ارتفاع الأسعار.

ويضيف عامر، أنه بدايةً من حقبة الألفينيات توحشت السوق السوداء، خاصةً بعد 2011، حيث إنه بسبب السياسات الاقتصادية الخاطئة التي تنتهجها الحكومات، حدثت أزمة دولارية في مصر لتسجل الآن 62 جنيهًا.

أزمة غير مسبوقة

من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي، رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، الدكتور رشاد عبده، إن مصر لم تشهد نشاطًا في سعر الدولار بالسوق السواء مثل الأزمة الحالية، حيث إنه كان هناك تراجعًا في قيمة الجنيه المصري أمام العملات في بعض الفترات على مدار التاريخ، من بينها فترات تجميد أرصدة العملات الأجنبية لمصر بالخارج بوقوع العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، ما أدى إلى ظهور السوق السوداء بعد حاجة الدولة لتمويل برنامجها الصناعي والزراعي، كما تكرر الأمر بعد حرب أكتوبر والانفتاح الاقتصادي، الذي أعلن عنه الرئيس الراحل محمد أنور السادات.

تدخل السادات
 

ويضيف الخبير الاقتصادي، أن بشائر ظهور السوق السوداء كانت بعد الانفتاح الاقتصادي والضغط على زيادة الطلب على العملة الأجنبية من قبل المستثمرين، لا سيما أن مصر بدأت بإعادة عجلة الاستثمار والإنتاج، للعمل و تحرير أسعار منتجات الوقود مع تبني مصر سياسة الانفتاح الاقتصادي، وتحول التوجه عالميًا لتحرير أسعار معظم المنتجات بعد عام 1977، ولكن الرئيس السادات تدارك الأمر سريعًا بخطابه الشهير الذي قال فيه “ترفعوا الأسعار ليه، من يرفع فأنا خصمه”.

 وكان خطاب السادات بداية القضاء على السوق السوداء للدولار، حيث وجه المحافظين بالتصدي بجميع الطرق لرفع الأسعار، بالإضافة إلي إصداره عددًا من القرارات بعد "انتفاضة الجياع" والتي كان أهمها صرف علاوة إضافية لجميع العاملين، وصرف 10% زيادة في المعاشات.

عاطف صدقي الأنجح 

ويشير رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، إلى أن أزمة السوق السوداء، هدأت حتى 1991 ثم ظهرت مرة أخري، خاصةً  بعد الحديث عن تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي مع كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ولكن حكومة الدكتور عاطف صدقي، التي ضمت وزير الاقتصاد الدكتور مصطفى السعيد، كانت يقظة وأوجدت حلولًا سريعة قبل الإعلان عن تنفيذ البرنامج الجديد وتحرير سعر الصرف.

 حكومة “صدقي” كونّت احتياطيًا من العملة الأجنبية، بالإضافة إلى رفع سعر الفائدة على مدخرات الجنيه بقيمة ١٩٪، الأمر الذي دعا العديد من المواطنين إلى الإدخار بالجنيه، ومن معه دولارات كان يبيعها لادخارها أو استثمارها فى البنوك، ما أدى إلى وجود كميات كبيرة من الدولار في البنوك، و استقرت أسعار الصرف حتى نهاية عصر الرئيس الراحل محمد حسني مبارك، ثم عاود نشاط السوق السوداء بداية 2011 وحتى النصف الأول لعام 2017، رغم تحرير سعر الصرف نوفمبر 2016، وذلك بسبب العملة الأجنبية في السوق.

ويوضح عبده، أن سبب ظهور السوق السوداء للدولار في أي حقبة زمنية، يتمثل في نقصه بالبنوك العاملة في السوق المصري واعتماد المستثمرين في الحصول عليه من تجار العملة، ولذلك يجب قبل أن تتم أي عملية تعويم لقيمة الجنيه، أن يكون هناك وفرة في النقد الأجنبي داخل البنوك، وهذا ما يجب على حكومة الدكتور مصطفي مدبولي القيام به.

جهود أمنية

يذكر أن جهودًا أمنية مكثفة تبذلها أجهزة وزارة الداخلية، لمحاربة السوق السوداء، ففي الشهر الماضي، ضبطت7 قضايا غسل أموال وإتجار بالعملات الأجنبية بقيمة 194 مليون جنيه.

في إحدى القضايا، اتخذت الأجهزة الأمنية الإجراءات القانونيـة تجاه شخصين “يحملان جنسية إحدى الدول”، لاتهامهما بغسـل 20 مليون جنيه، متحصلة من نشاطهما الإجرامى في مجال الإتجار غير المشروع في النقد الأجنبي.

وفي قضية أخرى، ألقت الداخلية القبض على 3 أشخاص بتهمة غسـل 30 مليون جنيه، من متحصلات نشاطهم غير المشروع في الاتجار بالنقد الأجنبي، خارج نطاق السوق المصرفية، ولا تزال هناك المزيد من الجهود المبذولة للكشف والقبض على مجرمي السوق السوداء للدولار. 

search