الخميس، 19 سبتمبر 2024

06:32 ص

رغم شُح الدولار.. خبراء اقتصاد يستبعدون "تعويمًا وشيكًا"

مواطن أمام إحدى شركات الصرافة - أرشيفية

مواطن أمام إحدى شركات الصرافة - أرشيفية

ولاء عدلان

A A

تشهد القاهرة مناقشات حثيثة بين بعثة صندوق النقد الدولي ومسؤولي الحكومة، وسط رغبة متبادلة في إتمام مراجعات برنامج القرض الممنوح لمصر البالغة قيمته 3 مليارات دولار بأسرع وقت ممكن، ما خفّض الرهانات على تحريك جديد لسعر الصرف الذي يعتبره البعض مسارًا إجباريًا لعبور الأزمة الاقتصادية الراهنة.. فهل من حلول بديلة؟
رئيس وحدة الاقتصاد ودراسات الطاقة بمركز الحبتور للأبحاث الباحث الاقتصادي، محمد شادي، يتوقع أن المفاوضات بين الحكومة وصندوق النقد وصلت إلى محطتها الأخيرة وقريبًا سنشهد الإعلان عن إتمام المراجعتين الأولى والثانية، وكذا رفع قيمة القرض لتتراوح بين 5 و7 مليارات دولار.

ووصف رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، الأحد الماضي، الأزمة الاقتصادية في مصر بـ"الخانقة"، قائلًا إن الاضطرابات الإقليمية تضيف المزيد من الأعباء.

التعويم غير مطروح

وأوضح شادي أن صندوق النقد حاليًا يهتم بكبح التضخم في مصر وليس بمرونة سعر الصرف، كما كان يطالب دائمًا، وهذا التحول يعني أننا لن نرى على المدى القريب خفضًا جديدًا لقيمة الجنيه (تحريك سعر الصرف) على عكس ما تتوقعه السوق المصرية.
ويضيف أن الصندوق يسعى إلى دعم الاقتصاد المصري في ظل التحديات الراهنة، وأبرزها تداعيات حرب غزة سواء على إيرادات قناة السويس أو حركة السياحة. وبحسب تصريحات من مسؤولي الصندوق فإن الحرب تزيد التحديدات وتتطلب تمويلًا إضافيًا، بالتالي من المتوقع على نحو كبير زيادة قيمة القرض من دون ارتباطه بشرط التعويم.
فيما يرى عضو الهيئة الاقتصادية الاستشارية لمركز مصر للدراسات، الخبير المصرفي، أحمد شوقي، أنه في ظل التحديات الراهنة إقليميًا وعالميًا والتي تخفِّض مرونة الاقتصاد المصري، أي تحريك لسعر الصرف من شأنه أن يعقد المشهد أكثر، لا سيما أنه سيترجم مباشرة إلى زيادة في التضخم، وبالتبعية رفع لأسعار الفائدة بما يرفع تكلفة الإقراض أكثر وينعكس سلبًا على وتيرة النمو الاقتصادي.
على الصعيد الرسمي، وصف المتحدث باسم رئاسة مجلس الوزراء، محمد الحمصاني، خلال تصريحات تلفزيونية بتاريخ 20 يناير، الحديث عن قرار قريب بشأن خفض السعر الرسمي للجنيه مقابل الدولار بالتزامن مع زيارة بعثة الصندوق للقاهرة بـ"التكهنات"، مشيرًا إلى أن الحكومة ستعلن نتائج المفاوضات فور التوصل إلى اتفاق جديد.

لقاء سابق يجمع مديرة صندوق النقد ووزير المالية ومحافظ المركزي

المسارات البديلة

منذ عامين، تواجه مصر ضغوطًا بالمالية العامة ناجمة عن تراجع احتياطي النقد الأجنبي، ليسجل في نهاية ديسمبر الماضي 35.2 مليار دولار مقابل 40.9 مليار دولار بنهاية 2021، بينما تصل التزاماتها الخارجية مستحقة السداد هذا العام إلى 42.5 مليار دولار، في وقت سجل سعر الدولار في السوق الموازية مستوى 62 جنيهًا مقابل السعر الرسمي البالغ 30.8 جنيه.

ويرى الخبير المصرفي، محمد بدرة، أنه حتى حال قرر البنك المركزي مواجهة أزمة السوق الموازية بتحريك سعر الصرف إلى مستوى 60 جنيهًا للدولار دفعة واحدة لامتصاص الدولارات من السوق وتشجيع الاستثمار الأجنبي، ستظهر أمامه معضلة وهي ضرورة أن تتواجد بخزائنه حصيلة دولارية لا تقل عن 6 مليارات دولار تمكنه من ضخ الدولارات في السوق حال استمرار المضاربات الراهنة على سعر الدولار.

ويعتقد بدرة أن السيطرة على أزمة نقص الدولار تبدأ من خفض الاعتماد قدر الإمكان على الاستيراد، فضلًا عن دعم قطاع السياحة باعتباره وسيلة سهلة لإنعاش حصيلة الدولة من العملة الصعبة حال تذليل كامل العقبات أمامه والترويج له كما ينبغي، خصوصًا في ظل تنوع المقاصد والأغراض السياحية في مصر.
من جانبه، يلخص الخبير الاقتصادي، عادل عامر، الخطوات التي يجب أن تنتهجها الحكومة لتعزيز حصيلتها الدولارية فيما يلي: ترشيد الإنفاق الحكومي، وتخفيض فاتورة الاستيراد، وتسريع وتيرة تنفيذ برنامج الطروحات الحكومية، وربط الجنيه بسلة من العملات ليتحرر من الاعتماد على الدولار تدريجيًا، فضلًا عن التوسع في اتفاقيات مبادلة العملات مع الشركاء التجاريين.

الصادرات أولًا

ويوضح عامر أن السوق المصرية تعتمد على الاستيراد بنسبة 75%، وخفض هذا الرقم إلى 50% جنبًا إلى جنب مع دعم الصادرات من شأنه أن يحسّن المالية العام للدولة تدريجيًا، مشيرًا إلى أهمية عضوية مصر في مجموعة “البريكس” اعتبارًًا من بداية هذا العام، خصوصًا أنها تضم أكبر شريك تجاري لنا "الصين" بحجم تبادل يصل إلى 11 مليار دولار.
ويضيف أن وجود مصر داخل تجمع البريكس يسمح لها بإتمام تعاملاتها التجارية مع دول المجموعة البالغة نحو 31.2 مليار دولار بالعملات المحلية، ما يخفف الحاجة إلى توفير المزيد من الدولارات ويسمح بتنويع سلة مصر من العملات الأجنبية.
يتفق معه الباحث الاقتصادي، محمد شادي، مشيرًا إلى أن الصادرات تعد محطة مهمة في خطط الحكومة لتعزيز الحصيلة الدولارية، مع حقيقة مساهمتها بأكثر من 42% من إجمالي احتياطي النقد الأجنبي متفوقة على تحويلات المصريين بالخارج والسياحة.
ويتوقع أن تواصل الصادرات نموها بوتيرة غير مسبوقة خلال الفترة المقبلة مدعومة بتراجع قيمة الجنيه، الأمر الذي يعزز تنافسيتها عالميًا.

يُشار إلى أن الصادارات المصرية سجلت رقمًا قياسيًا خلال 2022 عندما بلغت نحو 52.1 مليار دولار، إلا أن هذا الرقم قابلته واردات بـ96.2 مليار دولار، ما يعكس الحاجة إلى مواصلة الجهود لمعالجة فجوة بـ44.1 مليار دولار.

الصناعة ركيزة أساسية

من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي، خالد الشافعي، أن تنمية الصادرات في الوقت الحالي باتت ضرورة ملحة لسد الفجوة التمويلية للموازنة وحل أزمة نقص الدولار، موضحًا أنه لا يمكن تعزيز الصادرات من دون دعم الصناعة ورفع مساهمتها في الاقتصاد إلى 30% من 12% حاليًا لتصبح قادرة على تغطية احتياجات السوق المحلية من السلع وتحقيق فائض يسمح بخفض فاتورة الاستيراد وتعزيز الصادرات. 
يوافقه الرأي الخبير الاقتصادي، أحمد شوقي، مشددًا على أن دعم قطاع الصناعة يعد ضرورة قصوى لزيادة الإنتاج المحلي وخفض الاعتماد على الاستيراد بما يقلّل الضغط على احتياطي النقد الأجنبي، ويسهم أيضًا في تراجع أزمة ارتفاع التضخم أعلى مستويات الـ30%.

برنامج الطروحات 

ويعد برنامج الطروحات أحد أدوات الحكومة للحد من أزمة نقص الدولار، ومن المتوقع أن يشهد العام الحالي تنفيذًا للبرنامج بوتيرة أعلى مع رفع عدد الشركات المشمولة بالبرنامج إلى 60 شركة، بحسب محمد شادي.
ويضيف أن حالة الرواج التي تشهدها البورصة خلال هذه الفترة ستدفع باتجاه تسريع وتيرة تنفيذ البرنامج وبيع الحصص المطروحة من الشركات بتقييمات جيدة.
يتفق معه عادل عامر، موضحًا أن تنفيذ برنامج الطروحات سيسهم في تخفيف الأزمة كونه يشترط تسديد قيمة الحصص المطروحة من الشركات التي قررت الحكومة التخارج منها لصالح القطاع الخاص، بدولار يتم توفيره من خارج البلاد.
وبحسب بيانات وزارة المالية نجحت الحكومة في التخارج من عدد من الأنشطة الاقتصادية عبر برنامج الطروحات بقيمة 3.5 مليار دولار، وخلال العامين المقبلين تعوّل عليه لتعزيز قدرتها على سد الاحتياجات التمويلية.

الحكومة تعلن تطورات برنامج الطروحات (ديسمبر 2023)

تمويل صندوق النقد

ويتوقع محمد بدرة، أن تتراجع أزمة نقص الدولار تدريجيًا مع بدء استلام باقي شرائح قرض الصندوق وإتمام المراجعات المعلقة منذ أن حصلت القاهرة على الدفعة الأولى من قرض الثلاثة مليارات دولار في ديسمبر 2022 والبالغة 347 مليون دولار، الأمر الذي سينعكس إيجابيًا على التصنيف الائتماني للدولة وقدرتها على الحصول على مزيد من التمويلات عبر إصدار سندات طويلة الأجل.
ويشير بدرة إلى أن زيادة التمويل المقدم من الصندوق إلى جانب وفاء الاتحاد الأوروبي بتعهداته السابقة الخاصة بضخ استثمارات بـ10 مليارات دولار، جميعها أمور حال حدوثها ستسهم في الحد من الأزمة خلال الفترة المقبلة.
وفي دلالة على إيجابية المباحثات بين بعثة الصندوق والحكومة، قالت المتحدثة باسم الصندوق، جولي كوزاك، في 11 يناير الجاري، إن التمويل الإضافي المحتمل للقاهرة قيد المناقشة حاليًا، واصفة إياه بـ"الحاسم" لضمان نجاح تنفيذ برنامج الإصلاح.

search