الإثنين، 25 نوفمبر 2024

09:29 م

محمد صالح
A A

أنا و"العبقري" محمد رحيم.. وحكاية الندم!

عرفت محمد رحيم بينما كان يبحث عن حلمه ويحاول استكشاف طريقه الذي حلم بالسير فيه، ولا يعرف غيره، في الوقت الذي كنت أنا أتممت بالكاد عامي العاشر، وأبدأ الاستكشاف والبحث عن طريقي.

أحببت القراءة منذ صغري، تعودت أن أقرأ كل ما تناله يداي، حتى أغلفة الألبومات قديمًا لم تنجُ من شغفي الأول، بمجرد تجميع مبلغ من المال من مصروفي أذهب لشراء ألبومات عمرو دياب ومحمد منير ومحمد فؤاد وسميرة سعيد، وغيرهم ممن سيطروا على الساحة وقتها.

مع الاستماع الأول للألبوم، أمارس هواياتي في قراءة الغلاف، حدث ذلك عشرات المرات، عودني ذلك على الاهتمام بخلفية الحدث، وأن أي نجاح لا يفعله الإنسان بمفرده، ونظرية One Man Show تصلح عنوانًا لعطرًا مميزًا ليس أكثر!

دققت في جميع الأسماء، شعراء وملحنين وموزعين، حتى مهندسي الصوت والمسؤولين عن المونتاج والدعايا. 

نهضة موسيقية

تلك الحُقبة، وتحديدًا السنوات الثلاث الأخيرة في القرن الماضي، شهدت حراكًا موسيقيًا لم تشهده الساحة من قبل، نوعية الموسيقى المُقدمة بدأت في التغير نسبيًا، وخروج الأغنيات المصرية والعربية خارج القُطر، وحصول مطربين على جوائز عالمية، شجع الجميع على التغيير.

كان محمد رحيم أحد الصاعدين في تلك الفترة، أعقب أولى ألحانه "وغلاوتك" بأكثر من لحن مميز، انفجرت موهبته وبدأ النجوم في الاستعانه بألحانه، محمد فؤاد، وفارس، وهشام نور، ونوال الزغبي، وهشام عباس.

مع بداية الألفية، خفُت نجم أكثر من مطرب، وصعد آخرون على الساحة، وكان رحيم أيضًا متواجدًا بألحانه، عمل مع غالبية الأسماء الجديدة، تامر حسني، وشيرين عبدالوهاب، وهيثم شاكر، وروبي، وبهاء سلطان.

استعان به أيضًا نجوم لبنان الجُدد وقتذاك، إليسا، وباسكال مشعلاني، ومايا نصري، ونورا رحال، وكارول سماحة، ورولا سعد.

رسالة

مرت السنوات، كبر محمد رحيم وكبرت أنا أيضًا، امتهنت الصحافة، ما جعلني جزءًا من الحدث وليس مجرد متابع.

مع كل عام قضيته في تلك المهنة، أؤمن بشكل أكبر أن مهنتنا تحمل رسالة في المقام الأول، وأن الأمر ليس مجرد البحث عن الانفرادات و"التريندات"، والتفتيش في عدادات القراءة. 

تابعت رحيم وتألقه، وتابعت الظلم الذي وقع عليه رويدًا رويدًا، لم يُظلم رحيم بالابتعاد عن الساحة أو عزوف النجوم عن العمل معه، لكنه لم يلقَ أبدًا الامتنان الذي يستحقه، منذ سنوات وحتى وفاته، وكان من المؤسف أن تجد تعليقات لصبية على منشورات وفاته يتساءلون، منْ هذا؟

تقدير

قبل شهور، كشفت مجلة "رولينج ستون" الأمريكية الشهيرة قائمة بأفضل 50 أغنية في القرن الـ21، ظهرت خلالها 4 أغنيات لمحمد رحيم.

في التوقيت ذاته، كان اليأس قد تسرّب إلى رحيم، وأعلن اعتزاله بشكل مؤقت ومغادرته البلاد، شعرت حينها أن القدر تدخل ليقول كلمته، سعدت بذلك ولم أكتف، جلست لأكتب عن رحيم، لا أعتاد إرساله ما أكتبه لمصدر إلا في حالة المتابعة أو ما شابه، لكني فعلت حينها. 

راسلني رحيم في وقت متأخر من الليل وطلب الحديث هاتفيًا، أتذكر حينها أوقفت سيارتي أعلى الطريق الدائري وسط محيط غير آمن، ولكن مكالمة مع شخص بقيمة رحيم تستحق.

حدثني رحيم لأكثر من 45 دقيقة عن الفن والموسيقى، شرح لي أمورًا كنت أتخيّل درايتي بها، جلست تلميذًا يستمع لأستاذه، وجدته سعيدًا بما كتبت، وبتقديره من مجلة عالمية، شرح لي أسباب سعادته وتعمّق في أمور فنية، وسعادته بتنوع الأغنيات التي اختارها متخصصون ودارسون، واختلاف الشكل الموسيقي بين "ليه بيداري" و"الليالي". 

فاجأني بأنه عائد للتو من باريس، حيث كُرم ضمن العديد من الموسيقيين من أنحاء العالم، وأصبح أصغر موسيقي يحصل على هذا التكريم، ذكر المعلومة بمنتصف الحديث واستكمل كما لو كان الأمر يحدث يوميًا، رحيم كان يثق بقدارته جيدًا، وكانت أزمته الحقيقية عدم التقدير الإعلامي والجماهيري.

أكثر ما لفت انتباهي في المكالمة، حديثه الطيب عن زملائه، وشعوره بالفخر بأن نصف قائمة المجلة الأمريكية يظهر فيها شعراء وملحنون مصريون. 

أنهينا المكالمة بميعاد للقاء قريب، دخل في أزمة صحيّة ولم نستطع أن نلتقي بعدها، قبل وفاته بأسبوعين تحدثنا وحدث اتفاق جديد، لكن القدر تدخل هذه المرة، على أمل اللقاء في مكان أفضل.

ندم

عرفت رحيم مبكرًا، ومتأخرًا، أحببت ألحانه وأغنياته في طفولتي ومراهقتي، ولم يمهلنا القدر أن نتحدّث كثيرًا سوى قبل وفاته بشهور قليلة.

ندمت على ذلك، كما ندم كثيرون بعد وفاته، مطرب شهير قال إنه نادم على خلافتهما وعدم مصالحته قبل وفاته، آخرون تحدثوا عن أمنياتهم لو يعود رحيم ليحصل على التقدير المناسب، وغيرهم.

أتمنى أن نتذكر كل المبدعين في حياتهم، لا بعد رحيلهم، نشكرهم على موهبتهم وأعمالهم، نبحث عن المختفي منهم، نغوص في تفاصيل العمل الفني ونُقدِّر من هم وراء الكاميرا أو خلف الأضواء.

search