الثلاثاء، 03 ديسمبر 2024

12:46 ص

دراسة وعمل ونوم ساعتين.. عبدالرحمن يحمي "حلم والده" من قنا إلى إيطاليا

داليا أشرف

A A

في الجهة الأخرى من البحر المتوسط، لم تكن الحياة وردية كما رسمها الشاب عبد الرحمن في طفولته، فبمجرد ملامسة قدماه أرض إيطاليا كان مجبرا على التوفيق بين دراسته التي كان إليها شد رحاله وتكاليف معيشته هناك، وأسرته في قنا، بعد أن توفي والده قبل تحقيق حلمه بأربعة أيام فقط.

عبد الرحمن محمد الصعيدي، روى قصته إلى "تليجراف مصر" من قلب إيطاليا، والتي وصل إليها بعد تعرضه للتنمر والتقليل من شأنه في محافظة قنا، وتحمل عبارات مثل "فاشل مش غاوي علام"، لكن والده كان يصدقه ويؤمن أن ابنه يملك قدرات مختلفة تؤله للنجاح، ربما مكانها معهد “الدون بسكو" الإيطالي.

مدرسة الدون بسكو

بعد أن انتهى عبد الرحمن من المرحلة الإعدادية، طلب من والده أن يلتحق بأي معهد بسيط حتى يتخرج منه سريعا ليساعده فورًا في تحمل مسؤولية البيت، لذلك رأى والده أنه يملك فرصة في مدرسة “الدون بسكو” الإيطالية بمحافظة الإسكندرية، والتي ستؤهله إلى السفر للخارج.

عبد الرحمن ووالده

تلقى عبد الرحمن أولًا دروسا في اللغة الإيطالية واستطاع أن ينجح بامتحان القدرات والتحق بالمدرسة بالفعل، وبدأ مرحلة جديدة من حياته، وهناك أثبت ما آمن به والده، وكان أول فرقته في العامين الأول والثاني، والثالث كان بمجموع 100%.

كبر عبد الرحمن وبين ضلوعه حلم طفولته وآمال والده بالسفر إلى إيطاليا، وبدأ بالفعل في مراسلة معاهد هناك ليكمل دراسته، إلى أن اختاره أحدها بعدما تأكدوا من تفوقه بالدراسة.

الشاب عبد الرحمن

فرحة والد عبد الرحمن بابنه الذي كان يلقبونه بالفاشل ولكنه الآن سيحلّق بعيدًا لتكملة دراسته لم تسع غرفة البيت الصغير بـ قنا، وعلى الفور بدأ في تحضير أوراقه التي استغرقت حوالي 5 أشهر، كان فقط ينتظر التأشيرة كخطوة أخيرة لتلك الرحلة.

انتهى الأب من تحضير أوراق ابنه الذي كان معه لحظة بلحظة، وقبل الوداع الأخير لبدء حياة جديدة في إيطاليا، ودّع الأب نجله وتوفي قبل سفره بأيام.

الشاب عبد الرحمن

 "وفاة والدي كانت أكبر صدمة في حياتي..كان المفروض انا اللي هودعه عشان مسافر.زفجأة لقيت الناس بتعزيني"..بهذه العبارة شرح عبد الرحمن كيف انقلبت حياته رأسًا على عقب بين يوم وليلة بفقدانه لوالده محمد، لكن قرر أن يكمل طريقه لتنفيذ وصية والده.

كان والد عبد الرحمن دائمًا ما يقول له، "أنت الحاجة الوحيدة الصح اللي عملتها في حياتي.. متخذلنيش ولا توطي راسي".. حمل الشاب تلك العبارة معه خلال السفر كما حمل أمتعته تمامًا، ولم يفكر أبدًا بشيء قدر تفكيره في نجاحه بالدراسة التي قطع لها أميالًا.

الشاب عبد الرحمن

إلى جانب الحزن الذي أثقل قلب عبد الرحمن خلال رحلة السفر، لمست قدماه أرض إيطاليا وهو لا يملك سوى 300 يورو، وليس لديه لا مال ولا مكان ليسكن فيه، حتى أن ماله لا يساعده على البقاء 10 أيام في إحدى فنادق إيطاليا، ورغم ذلك قال في نفسه إنه على استعداد للنوم بالشارع ولا أن يعود إلى بلدته دون أن يحقق حلم والده.

يقول عبد الرحمن، "مفيش حاجة في مرة سبتها على الله إلا وربنا وقف جنبي وحلها".. وتوفر السكن من خلال صديق بعيد كان يعرفه والده، ولم يتقاض منه المال، وحتى الأوراق التي كان من المفترض أن ينهيها الشاب كان هو من يقوم بذلك مجانًا بدلًا عنه.

الشاب عبد الرحمن

بدأ عبد الرحمن رحلته في البحث عن عمل إلى جانب الدراسة، وكان يستطع الإنفاق على نفسه بجانب دراسته بعد وفاة والده، ووجد وظائف عدة لمن في عمره في المطاعم والحانات، إلا أنها رفضها بوازع ديني، "كل الشغل في توزيع بيرة وكحول وأنا رفضت قولت لو هموت لازم أكل بالحلال زي ما علمني والدي".

يعمل عبد الرحمن حاليًا في متجر ورود من الساعة السادسة مساءًا وحتى السابعة صباحًا، ثم يذهب إلى معهده ويعود للمنزل ليغفو فقط ساعتين حتى يأتي موعد العمل، وهكذا يوميًا حتى يستطيع أن يتكيف مع ظروف المعيشة في إيطاليا حتى يعود إلى قنا مرة أخرى محققًا حلم والديه وأشقائه الخمسة.

search