الأحد، 07 يوليو 2024

05:29 ص

سنوات عجاف.. "حرب غزة" تضغط على اقتصاد لبنان "الهش"

سيدة لبنانية تحمل علم بلادها أمام حطام مرفأ بيروت

سيدة لبنانية تحمل علم بلادها أمام حطام مرفأ بيروت

ولاء عدلان

A A
سفاح التجمع

حذّرت وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني، قبل أيام، من أن اقتصاد لبنان المأزوم يواجه تحديات جديدة بفعل استمرار تداعيات حرب غزة، ما يعزّز مخاطر وقوع أزمة اقتصادية واجتماعية طويلة الأمد، لا سيما في ظل الفراغ الرئاسي المستمر في البلاد منذ نوفمبر 2022.
منذ خريف 2019، يرزح لبنان تحت وطأة أسوأ أزمة مالية في تاريخية منذ الحرب الأهلية، والأسوأ عالميًا منذ عام 1850، وسط ركود قاسٍ وانهيار لقيمة الليرة بأكثر من 98% وتضخم تجاوز 221% خلال العام الماضي، وحكومة تصريف أعمال مكبلة الأيادي منذ مايو 2022 بفعل الخلافات السياسية التي باتت جزءًا من الهوية اللبنانية.

تلاشي الآمال

في العام الماضي، اقترب لبنان للمرة الأولى منذ 2018 من الخروج من دائرة الانكماش الاقتصادي وتحقيق نمو ضئيل بنحو 0.2%، إلا أن اندلاع حرب غزة في أكتوبر 2023، دفع البنك الدولي نهاية ديسمبر الماضي، للتحذير من أن الاقتصاد الهش في لبنان سيعود للركود مجددًا نتيجة لدخول “حزب الله” من جنوب البلاد على خط المواجهة مع إسرائيل.
وأوضح البنك في تقريره أن تداعيات الحرب من المتوقع أن تنال من النمو الذي سجله قطاع السياحة وكذلك تحويلات المغتربين بالخارج خلال العام الماضي، مشيرا إلى تراجع الرحلات الجوية المجدولة إلى لبنان في مطلع نوفمبر الماضي (أي بعد مرور شهر على حرب غزة) إلى 63.3% مقارنة بـ98.8% قبل شهر. 
وحذّر البنك الدولي من أن الاقتصاد في ضوء استمرار حرب غزة لفترة أطول سيكون عُرضة لانكماش بين 0.6% و0.9% خلال العام الحالي، لافتًا إلى أن لبنان لا يزال يعاني أزمة مالية واقتصادية كبرى، ويحتاج للتعافي منها ما بين 12 إلى 19 عامًا. 
وفي يونيو الماضي، قال صندوق النقد الدولي، إن الاقتصاد اللبناني يواجه أزمة مصرفية غير مسبوقة مستمرة منذ أكثر من ثلاثة أعوام، ما دفعه للانكماش بـ40% منذ بداية الأزمة في خريف 2019.

جانب من تظاهرات اللبنانين في عام 2020

بداية الأزمة

عندما قرّرت الحكومة اللبنانية برئاسة السياسي الشهير سعد الحريري في أكتوبر 2019 فرض رسوم على الاتصالات المجانية عبر التطبيقات الإلكترونية مثل “واتساب”، لم تكن تعلم أنها تكتب نهايتها وتفتح الباب على مصراعيه لأزمة تاريخية، لأن القرار غذى تظاهرات غاضبة في شوارع لبنان تطالب ليس فقط باستقالة الحكومة بل أيضًا بالإطاحة بكامل الطبقة السياسية التي وُصِفت وقتها بـ"الفاسدة"، وقد تراجعت الحكومة عن قرارها لكن التظاهرات استمرت وبدأت الأزمة.
وفي نوفمبر 2019، بدأت البنوك اللبنانية فرض قيود صارمة على عمليات السحب والتحويلات المالية للخارج، وفي موازاة ذلك، بدأ سعر الدولار في السوق السوداء رحلة صعود بلا رجعة، إذ قفز بحلول 2020 إلى سعر 2300 ليرة للدولار الواحد، مقابل سعره الرسمي البالغ 1500 ليرة للدولار، ثم سجّل مستويات 60 ألف ليرة للدولار مطلع العام الماضي، ما استدعى مصرف لبنان (البنك المركزي) لتحريك سعر صرف الليرة (خفضها) مقابل الدولار في فبراير من نفس العام دفعة واحدة إلى مستويات 15 ألف ليرة للدولار من 1500 ليرة فقط.
لكن هذا لم يحد من صعود الدولار الذي يتداول اليوم عند 89.7 ألف ليرة في السوق الموازية وعبر منصة صيرفة التي أطلقها المركزي في مايو 2021 في محاولة لتعزيز استقرار الليرة.

محاولات من اللبنانيين لاقتحام أحد البنوك لاستعادة ودائعهم

نقطة حاسمة

بفعل تداعيات جائحة كورونا وانفجار مرفأ بيروت في أغسطس 2020، تفاقمت أزمة الشُح الدولاري في لبنان، الذي كان ذات يوم يُوصف بـ"سويسرا الشرق"، وكان واحدًا من أهم المراكز المالية عالميًا في سبيعينيات القرن الماضي، فانفجار المرفأ وحده قدّر البنك الدولي خسائره الاقتصادية بقرابة 15 مليار دولار.
ووصلت الأزمة اللبنانية إلى نقطة حاسمة عندما أعلنت الحكومة في مارس 2020 تخلف البلاد رسميًا عن سداد ديون خارجية بـ1.2 مليار دولار، ووقتها كان إجمالي الديون الخارجية نحو 90 مليار دولار، أما الآن فيتجاوز 102 مليار دولار، وفي المقابل يقدّر احتياطي النقد الأجنبي حاليًا بـ8.5 مليار دولار، وفق أحدث بيانات صادرة عن مصرف لبنان، وذلك انخفاضًا من مستوى 36.4 مليار دولار المسجّل بنهاية يونيو 2019.

محاولات إنقاذ

انخرطت الحكومة اللبنانية في أبريل 2020 في محادثات مع صندوق النقد للاتفاق على خطة إنقاذ بـ10 مليارات دولار، إلا أن المحادثات تعثرت وقتها بفعل خلافات بين الحكومة ومصرف لبنان على تقدير حجم خسائر النظام المصرفي الذي كان أحد شروط الصندوق، ولا تزال المحادثات معلّقة حتى اليوم نتيجة للسبب نفسه، إضافة إلى عدم نجاح المجلس النيابي في انتخاب رئيس للدولة أو تشكيل حكومة منذ 2022.
وحتى اللحظة لا تزال مصارف لبنان تفرض قيودًا على عمليات السحب، ولا تسمح بصرف أكثر من 150 دولارًا شهريًا للعميل الواحد، وبالنسبة إلى سعر صرف سحب الدولار من البنوك فلا يزال محل خلاف ويتطلب إصدار قانون من البرلمان لتحديده إما بسعره الرسمي أو الموازي.
في خضم هذه الأزمة يعاني اللبنانيون ارتفاعًا شرسًا في الأسعار، فخلال ديسمبر الماضي وحده قفزت تكاليف التعليم بـ595% على أساس سنوي ليرتفع المعدل السنوي للتضخم إلى 192%، مقابل تضخم بـ2.9% في 2019 وبـ84.95% خلال 2020.

search