الجمعة، 22 نوفمبر 2024

11:13 ص

“إسكان الغلابة” في خطر.. هل تشهد مصر فقاعة عقارية؟

مشروع عقاري قيد التطوير

مشروع عقاري قيد التطوير

ولاء عدلان

A A

سجلت شركات التطوير العقاري الكبرى خلال العام الماضي، طفرة في مبيعاتها بنمو أكثر من 100% على أساس سنوي، مدفوعة بشهية مرتفعة من المصريين للاستثمار في العقار كمخزن هام لقيمة مدخراتهم.
هذه الشهية لم ينل منها الارتفاع الحاد للأسعار الذي تراوح بين 60 و130% مقارنةً بما كانت عليه خلال 2022، إلا أن استمرار ارتفاع أسعار المواد الرئيسية لصناعة العقار كالحديد والأسمنت خلال العام الحالي يهدد الأداء الإيجابي للقطاع العقاري ككل.. فهل تقترب السوق من سيناريو الفقاعة العقارية؟

يقول الخبير العقاري المهندس عبدالمجيد جادو، إن أسعار المعروض العقاري حاليًا مبالغ فيها وغير مبررة وتتطلب إعادة النظر في صناعة العقار، لتصبح أكثر تكيفًا مع مستويات التضخم المرتفعة، وفي الوقت نفسه توفر وحدات سكنية بأسعار عادلة.

أزمة الدولار

يوضح “جادو” أن القطاع العقاري تأثر خلال 2023 باستمرار أزمة نقص الدولار بشكل واضح، لاسيما مع وجود سعرين للدولار، رسمي وآخر موازي، وسط حاجة القطاع المستمرة للدولار لاستيراد غالبية مواد البناء، وهذا ما دفع أسعار الوحدات المعروضة للارتفاع.
تأثير هذا الارتفاع يبدو واضحًا في الإسكان الاقتصادي، ووحدات محدودي الدخل، وذلك لأسباب عدة أبرزها ارتفاع نسبة مساهمة الخرسانة في إجمالي تكلفة الوحدة بهذه الشرائح وتأثرها بارتفاع أسعار مواد البناء، وتحديدًا الحديد والأسمنت، وفق الخبير العقاري.
يوضح رئيس شعبة مواد البناء باتحاد الغرف التجارية، أحمد الزيني، أن أسعار الحديد قفزت خلال الأيام القليلة الماضية إلى مستويات غير مسبوقة عند 50 ألف جنيه للطن الواحد، تزامنًا مع ارتفاع سعر الدولار في السوق الموازية إلى مستوى تاريخي يتجاوز الـ65 جنيهًا، مشيرًا هنا إلى اعتماد صناعة الحديد والصلب على الاستيراد، الأمر الذي يجعلها أكثر تأثرًا بتقلبات الدولار وسط استمرار عدم قدرة البنوك على توفير العملة الصعبة اللازمة لعمليات الاستيراد.

أسعار الحديد والأسمنت

من جانبه، يرى عضو مجلس إدارة الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء المهندس ممدوح المرشدي، أن صناعة العقار شأنها أي صناعة أخرى تأثرت خلال العامين الماضيين بأزمة التضخم التي تسببت في رفع أسعار جميع مدخلات الصناعة، مستشهدًا هنا بارتفاع أسعار الحديد بقرابة 83.4% مقارنةً بمستوياتها قبل عام،  مشيرًا إلى أن أسعار الحديد قفزت منذ 2022 حتى اللحظة بنحو 175.6%.

ويضيف أنه زادت أسعار الأسمنت إلى أكثر من ألفي جنيه للطن خلال الفترة الأخيرة، حيث سجل سعره ارتفاعًا بقرابة 94%.
يتابع أن هذه الزيادة تمثل تحديًا هامًا خاصةً بالنسبة للمطورين العقاريين الصغار وشركات المقاولات لاسيما المتعاقدة على مشروعات حكومية، أما بالنسبة للشركات الكبرى فيمكنها التكيف مع التضخم وتعويض الخسائر الناجمة عن زيادات الأسعار وتكاليف التشغيل من خلال رفع أسعار المبيعات الجديدة، وبالتالي تمرير الزيادات إلى متلقي الخدمة “المستهلك”.
خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي، حققت أكبر 10 شركات للتطوير العقاري مبيعات بقرابة 330 مليار جنيه بنمو قدره 101% مقارنةً بالفترة المماثلة من العام 2022، وفق تقرير لشركة ذي بورد كونسلتنج، وتصدرت القائمة مجموعة طلعت مصطفى مسجلة مبيعات بأكثر من 85 مليار جنيه، وبلغ صافي أرباحها عن الفترة المشار إليها نحو 2.7 مليار جنيه بنمو قدره 37%.

نمو مبيعات أكبر 10 شركات للتطوير العقاري خلال يناير-سبتمبر 2023، تقرير ذي بورد كونسلتنج


فروق الأسعار

إلى جانب ارتفاع الأسعار وأزمة نقص الدولار، تواجه شركات المقاولات تحديدًا تلك المتعاقدة مع الدولة أزمة تأخر صرف فروق الأسعار أو التعويضات المستحقة، التي تصرفها الحكومة لتعويض المقاولين عن الخسائر الناجمة عن ارتفاع الأسعار بعد بدء تنفيذ المشروعات مقارنةً بالأسعار التي جرى التعاقد عليها مع الحكومة، يوضح المرشدي.
ويضيف عضو مجلس إدارة الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء، أن فروق الأسعار تصرف كل 3 أشهر وتتطلب موافقة رئيس الوزراء، وبالتالي تستغرق وقتًا طويلًا للوصول إلى المقاولين، في وقت يشهد فيه سعر الدولار ارتفاعًا كل يوم، وبالتالي تفقد هذه الآلية أهميتها في دعم المقاولين خاصةً أنها تعوض جزء من الخسائر فقط، ما يضغط على قدرة الشركات على الاستمرار بذات القوة المطلوبة لمتابعة دورها في الاقتصاد الوطني.


إضرار بالاقتصاد

يشدد “المرشدي” على ضرورة دعم الدولة للقطاع العقاري، باعتباره قاطرة للاقتصاد حيث لا تقل نسبة العاملين فيه عن 50% من إجمالي حجم العمالة النشطة، نظرًا لارتباطه بنحو 113 صناعة أخرى، وبالتالي تركه فريسة للتحديات قد يضر على المدى المتوسط والبعيد بالاقتصاد عمومًا. 
ويتابع: من الطبيعي أن يتبع فترات التضخم القوي تباطؤ في النشاط الاقتصادي، وهذا ينطبق على القطاع العقاري بعد الزخم الذي شهده خلال العامين الماضين، وحقيقة وجود فائض في المعروض وارتفاع الأسعار إلى مستويات غير مبررة، إلا أن هذا التباطؤ لن يصل إلى مرحلة انفجار ما يشبه الفقاعة العقارية أو الركود القوي. 
ويلخص أسباب استبعاد سيناريو الفقاعة العقارية، إلى عدة أسباب أهمها الزيادة المستمرة في تعداد السكان التي تؤمن جزء من طلب مستدام على المنتج العقاري، هذا فضلًا عن قناعة المصريين بقيمة العقار كملاذ آمن قادر على حفظ قيمة مدخراتهم من الكاش. 
ينضم إليه المهندس عبدالمجيد جادو، لكنه يتوقع أن تشهد السوق بنهاية العام ركودًا وسط استمرار ارتفاع الأسعار وتراجع القيمة الشرائية للجنيه. 
 

إحدى وحدات سكن لكل المصريين

كبح الركود

ويعتقد الخبير العقاري المهندس عبدالمجيد جادو، أن الركود المحتمل في القطاع العقاري من الممكن تقليل حدته حال العمل على عدة مسارات، أهمها خفض الدولة لأسعار الأراضي المخصصة للإسكان الاقتصادي كون قيمة الأرض تستحوذ على قرابة 40% من تكلفة الوحدات، هذا فضلا عن اعتماد حلول الهندسة القيمية لتحسين قيمة المنتج العقاري وخفض تكلفته وتقليل نسبة الهالك. 
ويضيف أنه من المهم أن تدعم الدولة شركات القطاع لتوفير عدد أكبر من وحدات الإسكان الاقتصادي ومحدود الدخل بأسعار تلائم مستويات التضخم الحالية، مضيفًا أن القطاع يكتسب أهميته من حقيقة أن المنتج العقاري يعد من أهم الاحتياجات الإنسانية، وبالتالي يمكننا القول أن هذا القطاع الحيوي يمرض ولا يموت. 
يرى “المرشدي” أن الشركات العاملة في القطاع بحاجة إلى دعم الحكومة لها، فيما يتعلق بإعادة النظر في آلية صرف فروق الأسعار، إلى جانب تذليل العقبات التشريعية أمام هذه الشركات، والتوسع في تصدير المنتج العقاري للخارج أي بيع الوحدات الموجودة في السوق لمستثمرين من الخارج بالعملة الأجنبية. 
 

search