السبت، 11 يناير 2025

12:47 م

تسريبات واتساب.. "قصر العيني" يعيد استخدام مستلزمات طبية مستعملة

قصر العيني - أرشيفية

قصر العيني - أرشيفية

A .A

يشكو المرضى المترددون على المستشفيات الحكومية من تأخر الحصول على خدمات طبية حرجة، إلا أن الكواليس خلف هذه القرارات اليومية تبقى خلف الستار، وتترواح بين نقص حاد في المستلزمات أو ازدحام قوائم الانتظار، أو أسباب أخرى. 

مستشفى قصر العيني كان بطل واقعة تثير تساؤلات ملحة حول مدى خطورة استخدام مستلزمات طبية مستعملة، وهو ما يضع المستشفى في دائرة الاتهام بارتكاب “خطأ وإهمال طبيّ يرقى لمستوى الكارثة”.

تضرر إحدى المريضات

حصل “تليجراف مصر” على تسريبات لمحادثات عبر تطبيق "واتساب"، بين أعضاء في وحدة جراحة الأوعية الدموية بمستشفى "قصر العيني"، أظهرت إعادة استخدام الوحدة مستلزمات طبيّة سبق استعمالها في عمليات جراحية بعد تعقيمها. وتضمنت المحادثات اعترافًا بتضرر إحدى المريضات جراء هذه الممارسات.

كما حصل “تليجراف مصر” على مقطع فيديو يظهر فيه مدرس مساعد بوحدة جراحة الأوعية الدموية بالمستشفى، يوضح فيه استخدام مستلزمات معاد تعقيمها، مثل البالونات والأسلاك المرشدة، لإعادة استخدامها في عمليات جراحية لمرضى آخرين.

ووفق ما ورد في الفيديو، فإن هذا الإجراء تم بتوجيه من رئيس وحدة جراحة الأوعية الدموية بمستشفى "قصر العيني"، ما يعد مخالفة واضحة لإجراءات مكافحة العدوى ومعايير سلامة المرضى.

وتثير الواقعة مخاوف كبيرة، خاصة أن العمليات المذكورة تُجرى في "غرفة عمليات تطوير الأداء الجراحي" و"غرفة القسطرة الطرفية"، وهما من أكثر الأماكن حساسية في تقديم الرعاية الجراحية.

قسطرة مستعملة

كما تضمنت المحادثات تفاصيل استخدام قسطرة لمريض سبق استعمالها في حالة مريض آخر، ما أدى إلى قطعها داخل الشريان الأورطي للمريض الجديد أثناء محاولة استخراجها باستخدام أداة غير مخصّصة للعملية كانت بحوزة الطبيب.

الأدوات الطبية المعاد تعقيمها

وبحسب التسريبات، لجأ الطبيب المعني إلى خيارات جراحية بديلة بعد فشل محاولاته، لكنه أعرب عن قلقه البالغ إزاء استخدام الأدوات الطبية المعاد تعقيمها ومدى تأثير ذلك على سلامة المرضى.

نقص الإمكانات

وتظهر المحادثات الواردة على جروب "الواتساب" انتقادات عدة للطواقم الطبية لإقدامها على استخدام أدوات مستعملة بسبب نقص الإمكانات، ونقاش مطوّل حول الإجراء المناسب في مثل هذه الظروف.

المخاطر

وطرحت النقاشات على “واتساب”، اقتراحات بتوثيق حالات المضاعفات في قاعدة بيانات دورية لتقييم الفوائد والمخاطر بشكل موضوعي، وسط مخاوف من أن تكون هذه الممارسات في صالح التدريب الأكاديمي فقط على حساب صحة المرضى.

احتمالية انتقال العدوى

في السياق ذاته، حذرت مصادر طبية، استطلع “تليجراف مصر” رأيهم بشأن الواقعة، من المخاطر المترتبة على إعادة استخدام الأدوات الطبية، فأكدوا احتمالية انتقال العدوى للمرضى وارتفاع معدلات التجلط الدموي لديهم.

منع استقبال المرضى

وعلى الرغم من اعتراف الأطباء في نقاشاتهم على الجروب بنقص المستلزمات الطبية، فإنهم كانوا في حيرة من أمرهم أكدت واختلفوا حول إمكانية وقف إجراء العمليات الجراحية للمرضى من عدمه في مثل هذه الظروف، واقترح بعضهم الإبقاء على الحالات الخطيرة في المستشفى لحين توفر الأدوات الطبية اللازمة لإجراء جراحات لهم.

تمسك الجميع بمصلحة المريض

وخلال نقاشاتهم في الجروب، برر أطباء قسم الأوعية الدموية موقفهم من إجراء عمليات لمرضى بمستلزمات طبية مستعملة بأن ذلك في مصلحة المريض، وأن الهدف الأسمى هو حصوله على العلاج بعد تعقيم الأدوات المعاد استخدامها وهو ما يفي بالغرض.

وتعليقًا على نقص المستلزمات الطبية بمستشفى “قصر العيني”، قال مصدر من كلية الطب بجامعة القاهرة لـ“تليجراف مصر”، أطلعناه على واقعة وحدة الأوعية الدموية والقسطرة بـ"قصر العيني"، إن مستلزمات القسطرة التداخلية من البالونات والدعامات متوفرة، ولم يكن هناك نقص سوى في نوع القسطرة الذي أجريت به العملية المشار إليها، مشددًا على أنها لم تُستخدم إلا بعد إجراء تعقيم بلازما لضمان سلامة المريض.

أصل الحكاية

وتعود القصة إلى دخول مريض مصاب بانسداد حاد في شرايين القدمين ومعاناته من غرغرينا بالأصابع، إلى وحدة قسطرة الأوعية الدموية بقصر العيني في 15 مارس الماضي، ما استلزم التدخل العاجل لتوسيع الشرايين لضمان تدفق الدم إلى القدمين والأوعية الدموية الطرفية، وتجنب بتر القدمين، وفقا للمصدر.

جهاز جديد للقسطرة بتقنية الذكاء الاصطناعي

وعلى الرغم من الشكوى من نقص بعض المستلزمات الطبية، لفت المصدر ذاته إلى أنه تم توريد مستلزمات إلى مستشفى قصر العيني بقيمة 2 مليون وسبعمائة ألف جنيه، بالتزامن مع تشغيل جهاز جديد للقسطرة، يعد الأول من نوعه في الشرق الأوسط ومزود بتقنية الذكاء الاصطناعي، ويستخدم في حالات الشرايين الرئيسية مثل الشريان الأورطي والشرايين الطرفية بتكلفة 28 مليون جنيه.

مدير مكافحة العدوى بمستشفيات جامعة القاهرة

من جانبها، كشفت نائب المدير التنفيذي لشؤون البيئة والخدمات ومدير مكافحة العدوى بمستشفيات جامعة القاهرة، الدكتورة أمل سيد، أن الأدوات الطبية أحادية الاستخدام تُصمم خصيصًا لإجراء طبي واحد لمريض واحد فقط، ولا يُعاد استعمالها مجددًا إلا بموجب ترخيص من الشركة المنتجة، نظرًا لعدم تصميمها لإعادة المعالجة.

وأوضحت في تصريحات لـ"تليجراف مصر"، أن بعض الأدوات الطبية أحادية الاستخدام تكون مرتفعة التكلفة أو غير متوفرة في أوقات معينة، ما يدفع إلى التفكير في إعادة معالجتها لإعادة الاستخدام. وشددت على أن هذه الخطوة تستلزم وضع قوانين ومعايير صارمة للتحكم في عمليات إعادة المعالجة وضمان سلامتها.

تقسيم الأدوات الطبية حسب خطورتها

وأشارت الدكتورة أمل إلى أن الأدوات الطبية تُقسّم حسب مستوى خطورتها إلى ثلاث فئات:

-أدوات غير خطرة: تلامس الجلد فقط وتحتاج إلى التنظيف فقط.

-أدوات متوسطة الخطورة: تلامس الأغشية المخاطية وتتطلب تنظيفًا وتطهيرًا عالي المستوى لإزالة معظم الميكروبات.

-أدوات عالية الخطورة: تشمل تلك التي تلامس الأماكن المعقمة بطبيعتها، مثل تجاويف الجسم أو الأوعية الدموية، وتستلزم تعقيمًا شاملاً لضمان القضاء على جميع الميكروبات، بما في ذلك البكتيريا المتحوصلة والأبواغ.

وأكدت نائب المدير التنفيذي لشؤون البيئة والخدمات ومدير مكافحة العدوى بمستشفيات جامعة القاهرة، أن قرار إعادة معالجة الأدوات الطبية يجب أن يستند إلى دراسة دقيقة للتوازن بين التكلفة والفائدة (Cost/Benefit).

ضرورة التخلص من الأدوات الحادة المستعملة

وشددت على ضرورة التخلص من الأدوات الطبية الحادة المستعملة فورًا، بما يتماشى مع سياسات مكافحة العدوى القومية والمؤسسية، لافتة إلى أن إعادة معالجة الأدوات أحادية الاستخدام توفر مزايا عدة، من بينها تقليل المخلفات الطبية، وهو أمر أساسي في ظل التغيرات المناخية المتسارعة والسعي لتحقيق نظم صحية صديقة للبيئة، فضلًا عن خفض التكاليف عبر توفير بدائل فعالة للمستلزمات مرتفعة التكلفة أو غير المتوفرة.

شروط صارمة لإعادة المعالجة

وأكدت الدكتورة أمل أهمية الالتزام بشروط صارمة لإعادة معالجة المستلزمات الطبية المستعملة، تتضمن: التأكد من قابلية الجهاز لإعادة الاستخدام وفقًا لطبيعته وطريقة معالجته (تنظيف، تطهير عالي المستوى، أو تعقيم) وفق المعايير الدولية، وتحديد عدد المرات التي يمكن إعادة استخدام الجهاز فيها بشكل آمن، والتحقق من كفاءة الأداء الوظيفي للأداة بعد كل عملية إعادة معالجة.

وأشارت إلى أن العديد من الدول المتقدمة اعتمدت سياسات واضحة لإعادة معالجة الأجهزة الطبية تحت إشراف جهات تنظيمية، مؤكدة أن هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) تفرض معايير دقيقة على الجهات التي تعيد معالجة الأجهزة، سواء كانت “معالج طرف ثالث”، أو مستشفيات، أو المصنعين الأصليين.

تقليص النفايات الطبية

وأضافت نائب المدير التنفيذي لشؤون البيئة والخدمات بمستشفيات جامعة القاهرة، أن إعادة معالجة الأجهزة الطبية تسهم في تقليل استهلاك الموارد غير المتجددة، وتقليص النفايات الطبية التي تتطلب معالجة خاصة. 

وأكدت أن هذه الممارسات أصبحت جزءًا رئيسيًا من جهود المؤسسات الصحية لتحقيق التوازن بين التكلفة الاقتصادية والاستدامة البيئية.

search