أرباح تتخطى "المخدرات".. مافيا السجائر تسرق 120 مليار جنيه

في أحد شوارع منطقة المعادي بالقاهرة، يقف “أحمد” ليشتري علبتي سجائر ماركة "كليوباترا بوكس" استهلاكه اليومي، بسعر 50 جنيهاً للواحدة، متجاهلا الفارق بين ما دفعه وبين السعر الحقيقي، أو ربما مجبر على الشراء، كونه السعر المتوفر في السوق.

أحمد يدفع شهرياً 700 جنيه فارق السعر الرسمي لعلبة السجائر التي يدخنها، 27 جنيهًا،  والسعر الموجود في السوق، للعلبة الواحدة، لكنه في وضع أحسن نسبيا من “محمود”، مهندس ديكور ويُدخن سجائر ماركة "L.M" وسعرها الرسمي 60 جنيهًا، لكنه يشتريها بسعر يتراوح بين 80 إلى 90 جنيهًا، متحملا من 900 إلى 1000 جنيه فارق سعر السوقين، الرسمي المعلن، والفعلي المتوفر. 

أمام أحد أكشاك منطقة المعادي، يقف صاحبه هشام سيد، يمتلك إجابة واحدة لمن يسأل عن السجاشر، “غير موجودة”، وسأله "تليجراف مصر" عن السبب، ليقول “مفيش سجاير في السوق، بنشتري الخرطوشة (عبوة بها 10 علب) من كليوباترا بسعر 450 جنيه”، يلتقط منه الحديث أحد أصدقائه قائلاً “علبة السجاير مالبورو ارتفعت امبارح 10 جنيه، التاجر بيقول عاجبك اشتري، لو مش عاجبك شوف غيري". 

بائع الكشك يضيف، "بقعد بالأسبوع مش ببيعش سجاير لأنها مش موجودة، الشركة المُنتجة سواء الشرقية للدخان الحكومية أو الشركات الأجنبية بتعطي حصص قليلة للوكلاء، وبعض الوكلاء، وكل واحد بيحط السعر اللي يريحه عبر حلقة تداول، حتى تصل لنا في الكشك، بيكسبوا أكتر من المخدرات" . 

يستهلك 18% من المصريين 5 مليارات علبة سجائر في السنة، أي نحو 100 مليار سيجارة، تنتج منها الشركة الشرقية للدخان، صاحبة الحصة السوقية الأكبر في السوق، والتي استحوذت على حصة منها شركة إماراتية، 70 مليار سيجارة، وفقًا لتصريحات رئيس الشركة، المهندس هاني أمان، فيما تستحوذ الشركات الأجنبية الأخرى على 30% المتبقية من حصة السوق.

أكثر من 100 مليار جنيه سنوياً أموال ضائعة من جيوب 19 مليون مدخن مصري، وفقًا لإحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة، لصالح تجار الدخان، بعيداً عن الرقابة بسبب منظومة التوزيع.

120 مليار جنيه مسروقة من المواطنين والدولة 

بحث فريق " تليجراف مصر" في منظومة توزيع السجائر، ليكشف أباطرة عمليات التوزيع التي تسرق من المواطنين 103 مليارات جنيه سنوياً (تمثل الفروق بين السعر الرسمي والسوق السوداء)، خلافاً لـ17 مليار جنيه من الدولة تمثل ضريبة القيمة المضافة على المبيعات، بينما تحاول الدولة بشتى الطرق الرقابة على سوق السجائر بعدة طرق سواء على مستوي الجهات الرقابية. 

في 19 نوفمبر 2023، تمكنت قوات الأمن العام من ضبط مالك محل سجائر بحوزته عبوات سجائر عددها 8058 علبة، اعترف خلال التحقيقات الأولية بحوزته لها بهدف الإتجار بها في السوق السوداء، والعديد يتزايد خلال كتابة تلك السطور، بينما يقول أحد الباعة في منطقة باب البحر "المنطقة الأشهر لتجارة وبيع السجائر في مصر"، مباحث التموين تقوم بجولات تفتيش على الأكشاك المعروفة والأماكن المسجلة لديها، والتجار عارفين مواعيد نزول مباحث التموين والجهات الرقابية.

المتهم .. حلقات وسيطة 

في خلفية منظومة بيع السجائر في مصر، 3 حلقات وسيطة أو 4 حلقات على الأقل، فتجار الجملة الرسمين عددهم لا يتجاوز أصابع اليد يبيعون جميع أنواع السجائر بفارق بسيط عن الأسعار الرسمية، بينما هناك مئات من المستغلين من تجار باب البحر في منطقة رمسيس، هنا المنبع الأول للتجار، يقف محمود سيد على فرش بسيط عليه 10 كراتين كبيرة بها "خراطيش سجائر"، يقول “أنا ببيع السجاير بفارق 10 جنيه فقط عن السعر الرسمي، بشتريها من الموزع بفارق 5 جنيهات لأن الشركات مبتوزعش من أول السنة، بتدي حصص صغيرة بس متكفيش يومين وبنشتري من التاجر”.

بدأت أزمة السجائر مع نقص المعروض في الأسواق نتيجة تخزين التجار لكميات ضخمة انتظاراً للزيادة الحكومية التي كانت مرتقبة وقتها مع بداية يونيو الماضي (أقرتها الحكومة، وأعلنت عنها الشركات قبل أيام)، ورغم إقرار الزيادة، إلا أن السوق لا يزال يشهد نقصًا في المعروض.

في نفس الشارع، يقف 3 شباب على باب أحد المحلات الشهيرة تحت يافطة "الإمبراطور"، يقول محمود سيد، واحد منهم، "هنا إمبراطور السجائر، الأكشاك كلها والتجار في القاهرة يعرفونه، لو عايز من باكو إلى 10000 هتلاقيهم بسعر واحد، لكن في توقيتات معينة ومحددة". 

يضيف زميله بالمحل، “الشرقية للدخان والشركات مبتكفيش شغل، أنا عايز 10 آلاف كرتونة في اليوم لو عندك، بجيب بطرق أخرى بعيداً عن مندوب الشركة”. 

بعض التجار يحددون من 100 إلى 200 جنيه فوق السعر الرسمي على “خرطوشة السجائر الواحدة”، وهو ما تبين لفريق "تليجراف مصر" خلال جولته في  منطقة باب البحر، لكن على الجانب الآخر هناك بعض الوكلاء يبيعون حصصهم بسعرها الرسمي، لكن البحث عنهم كأنك تبحث عن إبرة في كومة من القش، هناك على بعد 300 متر من “الإمبراطور”، مح مُغلق بعد الانتهاء من حصته المحددة “الكوتة”.

ضريبة وصفقة قد تساهم في الحل 

في 6 نوفمبر الماضي، أعلنت الحكومة رسمياً أسعار السجائر الجديدة وفقًا لتعديلات قانون ضريبة القيمة المضافة على منتجات التبيغ، بما يسمح بزيادة قيمتها 50 قرشا في أسعار منتجات التبغ بمختلف أنواعها، بما يدير عائد على الدولة بقيمة 8 مليارات جنيه، وفقا للدكتور فخري الفقي، رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب. 

تزامن ذلك مع تنفيذ صفقة استحواذ شركة جلوبال للاستثمارات القابضة المحدودة الإماراتية على 30% من أسهم الشركة الشرقية للدخان والتي جرى تنفيذها في الأسبوع الثالث من نوفمبر 2023، وبموجب الصفقة التي تجلب لمصر 625 مليون دولار، إذ يلتزم المشتري بتوفير 150 مليون دولار لمواد التبغ، ليساهم في حل أزمة نقص المخزون من مستلزمات الإنتاج بسبب شح الدولار  

3 عوامل لحل الأزمة 

لا حل للأزمة إلا من خلال عدد من المحاور، يقول إبراهيم إمبابي، رئيس شعبة الدخان بالاتحاد العام للصناعات المصرية، الأول، هو التعديل الضريبي والذي حدث بالفعل رغم التأخر 3 أشهر، موضحاً أنه من المتوقع أن يسهم بشكل كبير في استقرار السوق ومنع احتجاز وتخزين السجائر، خاصة أن السوق عاني من نقص المعروض بسبب قيام كبار التجار باحتجاز وتحزين السجائر. 

ارتفعت أسعار السجائر في مصر خلال العام الماضي مرتين، في مارس، وأبريل، خلافاً للزيادة الأخيرة التي أعلنتها الشركات في أعقاب قانون زيادة ضريبة القيمة المضافة بواقع 50 قرشًا، ما دفع الشركات العاملة في السوق للإعلان عن الأسعار الرسمية في 8 نوفمبر 2023.

يضيف إمبابي، أن المحور الثاني والمهم هو قيام الشركة الشرقية للدخان بالتوزيع على على الأكشاك والمحلات التجارية مباشرة، متخطية دائرة التوزيع المعتمدة على وكلاء يعتمدون في تجارتهم على الاستغلال وتعطيش السوق وضخ نصف الكميات بهدف التربح.

المحور الأخير من وجهة نظر إمبابي، هو إعادة توزيع وطرح كميات السجائر المضبوطة في جرائم التجارة غير المشروعة، والتي يتم مصادرتها من جهات التحقيق، على منافذ بيع  تابعة لمحطات الوقود التي لا تتلاعب في أسعار. 

أكد أن الكميات المضبوطة في السوق والمصادرة من جهات التحقيق توازي إنتاج الشركة الشرقية للدخان خلال شهر كامل.

وخلال شهر سبتمبر 2023، تم ضبط أحد تجار السجائر في السوق السوداء بعدد 30 ألف عبوة سجائر، وفقا لبيانات مباحث مكافحة التهريب.