ركاب توسلوا لتركهم يغرقون.. قصص تُروى لأول مرة عن عبارة السلام 98 (خاص)
"المركب بتغرق يا قبطان.. هنروح فين الوضع خطر.. أي لايف جاكت.. المركب غرقت يا قبطان".. رسائل استغاثة مفزعة سجلها الصندوق الأسود لعبارة السلام 98، تتردد في أذهان كل من رأى وعاش وسمع عن الكارثة الأسوأ في تاريخ الملاحة البحرية المصرية كل عام، إذ تمر اليوم الذكرى الـ18 لوفاة أكثر من 1000 شخص غرقًا، خلال سفرهم من ضبا بالسعودية إلى سفاجا.
عبارة السلام 98
ويروي السيد "هـ .ق"، أحد أفراد طاقم إنقاذ ركاب عبارة السلام 98 لـ"تليجراف مصر"، تفاصيل اليوم المروع الذي يجعله ينتفض حتى يومنا هذا كلما مرت ذكراه على ذهنه، واصفًا قصص مأساوية تُروى لأول مرة، عاشها حتى مع من حالفه الحظ بالحياة، قائلًا: "عشنا فيلم رعب مش هيتكرر".
في فبراير عام 2006، كان الكل يتخذ جلسته الطبيعية على متن مركب عملاقة، تدعى عبارة السلام 98، لما لها من إحساس بالدفء سيطر على ركابها، لكن سرعان ما ألقى الليل سواده على قلوب كل من بها، إذ وُرد بلاغ إلى خفر السواحل بتعرض عبارة للغرق على بعد 57 ميل من مدينة الغردقة.
وهنا انتقل طاقم الإنقاذ على الفور متجهًا إلى مكان العبارة في مركب أخرى أُعدت للإبحار في الظواهر الجوية الصعبة، حيث إن سرعة الرياح بلغت أقصاها والأمواج وصلت لـ 15 مترًا.
وصل الطاقم للعبارة المشؤومة، ليجد العديد من الجثث التي طفت على سطح المياه، وهنا لم يتوقع فرد طاقم الإنقاذ "هـ.ق" ومن معه أن الأمر بالغ الصعوبة، لكنهم فُوجئوا بأعدد مهولة فارقت الحياة وكذلك من يطلبون النجاة.
في ذلك الوقت اضطر فرد طاقم الإنقاذ ومعاونيه إلى ترك الجثث والذهاب لإنقاذ الأحياء، قائلًا: "الناس بدأت تصفر لنا وشوفنا شيء غريب، محدش فهّم الناس تلبس اللايف جاكت إزاي! في ناس كانت لابسينه بالمقلوب، وفي ناس كانوا لابسينه في رجلها، فاكرين أنهم هيقدروا يمشوا على الماية".
نشوب حريق وراء غرق العبارة
بعد إنقاذ بعض الأفراد والذين رووا ما حدث للعبارة منذ البداية، اتضح أن نشوب حريق و"سدّ التصفية" كان سببًا في امتلائها بالماء، إذ ظلت خراطيم المياه التي فُتحت لإطفاء الحريق على حالها ولم يغلقها أحد، وهو ما أدى إلى بدء عبارة السلام في الميل على أحد جوانبها.
ميل المركب الشديد، جعلها تجلب المزيد من المياه من الأمواج، من خلال فتحاتها الموجودة على جانبيها، وفورًا بدأ الركاب وطاقم العبارة يلاحظون غرقها ما أدى إلى لحظات من الهلع والصراخ بينهم، فمنهم من صعد على سطح المركب ومنهم من ألقى بنفسه في الماء بمجرد ارتدائه "لايف جاكت" وآخرون فقدوا الوعي وسقطوا في الماء دون أي كفاح ضد الموت.
الوضع سيء وكل من ينظر حوله لن يجد إلا بحرًا كبيرًا يبتلع أي شيء بأقصى سرعة، ومن يمتلك بعض الخبرة هو فقط من نجح في ارتداء سترة النجاة بشكلها الصحيح.
أم وبناتها الثلاث
صرخات وذعر يملأ الأرجاء، لكن ابتسم القدر لأم كانت عائدة من السعودية مع بناتها الثلاث، وعقب أن تمكن الفريق من إنقاذها فاجأت طاقم الإنقاذ بطلب غريب على أسماعهم، بعد أن ظلت تتوسل إليهم أن يلقوها في البحر مرة أخرى، لغرق جميع بناتها.
حاول فريق الإنقاذ تهدئتها وإدخالها للمركب لحين العثور على الفتيات الثلاث، لتجد المفاجأة الأولى وهي أن ابنتها تنتظرها في الداخل، وبجرد رؤيتها لابنتها حية احتضنتها بلهفة ودخلتا في البكاء سويًا، ثم خرجتا مجدًا إلى المركب تنظران إلى السماء وتتضرعان إلى اللَّه لإنقاذ بقية الأشقاء.
واستجاب اللَّه إلى نحيب ودعاء الأم المكلومة وابنتها، حيث تم انتشال الابنة الثانية بعد ما يزيد عن 6 ساعات من البحث، وهي لا تزال على قيد الحياة، ولم يمر وقتًا كثيرًا حتى خرجت الابنة الثالثة، وكانت العائلة كما هي لم ينقصها فرد.
18 سنة غُربة
أما المُسن الذي قضى نصف عمره في الكويت من ثم السعودية، فقد جمع المال من سنوات الغربة كي يعود إلى أبنائه، مُحققًا لهم أحلامهم، وفي ساعة الغرق لم يستغن عن المال، فقد ربطه في رباط لفّه حول خصره ومعه "لايف جاكت"، ظنًا منه أنه سيستطيع النجاة بحياته وبالمال.
ثقُل وزن المسن بسبب رباط المال، ولم يكن أمامه سوى حلًا واحدًا، وهو فك ذلك الرباط كي يستيطع الطفو على سطح الماء، وإلا نجاته مستحيلة.
وبالفعل اتخذ ذلك القرار، واستطاع الفريق إنقاذه، لكنه بمجرد خروجه والتقاط أنفاسه، أُصيب بحالة انهيار وطلب منهم إلقائه بالماء مرة أخرى، متابعًا: "قعد يصوّت ويقول أروح لعيالي بإيه مفيش فلوس نزلوني أو هاتوا فلوسي".
أما عن مُسن آخر، فبعد إنقاذه وخروجه من الماء بنجاح، نطق الشهادتين ثم فارق الحياة على مركب الإنقاذ، وعلى المقعد الآخر ظهر أب وأم والابن أحمد الذي كان يبلغ من العمر حينها 7 سنوات، وهم يتخذون القرار الأصعب في حياتهم.
3 أفراد وسترة نجاة واحدة
لم يتوفر لدى الأسرة الصغيرة سوى سترة نجاة واحدة، ومن دون تفكير جعلوا الصغير يرتديها وألقوه بأيديهما إلى البحر، طالبين من شاب وصية أخيرة: "نبوس إيدك متسبوش لحد ما يوصل لبر الأمان".
غرق الوالدين وظل الطفل أحمد مع الشاب الذي أوصوه عليه، إلى أن فقد الأخير حياته أيضًا، لكن قبل وفاته أوصى مُسن آخر على حياة الصغير، قائلًا: "أمانة وصلّ الطفل لبر الأمان"، وظل الطفل في أحضان المسن يومين كاملين بالبحر ولم يتخلى عنه.
جاءت موجة كبيرة خطفت أحمد من أحضان المسن، الذي أنقذه فريق الإنقاذ، ولكنه حين صعد على المركب دخل في نوبة بكاء وحالة هستيرية، كان فقط ينطق باسم "أحمد" ومواصفاته الشكلية، حتى أدرك أنه وصل إلى الجانب السعودي الذي أنقذه.
إنسان آلي للغوص
حينها وبعد مرور أيام على الحادث، طلب فريق الإنقاذ من مركب نيرويجية بها إنسان آلي يستطع الغوص إلى أعماق البحار استخدامه للبحث عن الجثث، وبالفعل غطس الروبوت ليكشف عن وجود أحدث السيارات كانت على متن العبارة، وكذلك لودر والكثير من الجثث التي ظلت تحت المياه حتى يومنا هذا.
خلال فترة إنقاذ الأحياء وانتشال الأموات، شاهد فريق الإنقاذ أسماك القرش وهي ترفع الجثث لأعلى ثم تنهش فيها، وعندما حاولوا مرة أخرى كانوا يخرجون فقط بذراع أو أرجل، حيث ذابت الضحايا بعد مرور أيام داخل المياه المالحة.
في فبراير من كل عام يتذكر "هـ.ق" كيف مرّ الحادث عليه وعلى زملائه، لم ينس قط مشهد الأهالي الذين انتشروا بعرض الشاطئ، متشحون بالسواد وهم ينتظرون أبنائهم أحياء أو جثث، والصراخ والعويل كان سيد المشهد.
ضحايا عبارة السلام 98
القبطان صلاح عمر كان في عداد الموتى، بينما فر آخر هاربًا بعدما احترقت السفينة، تاركًا الركاب يواجهون مصيرهم، وتوفى حوالي 1033 شخص وأصيب 377 آخرون.
أحدث الفيديوهات
أخبار ذات صلة
كواليس تورط سارة نتنياهو في قضية "الملف 1000"
02 فبراير 2025 06:39 م
وحدة الظل القسامية.. لغز شكلته الدماء
02 فبراير 2025 12:53 م
بعد حذف "60 دقيقة".. تصفية حسابات بين أصالة والعريان أم حقوق ملكية؟
02 فبراير 2025 11:58 ص
رشوان توفيق كما لم تعرفه من قبل.. مخرج ومذيع وشرير
02 فبراير 2025 11:37 ص
أكثر الكلمات انتشاراً