"ماتت أم كلثوم!".. سنين ومرت في حب "كوكب الشرق"
أم كلثوم
بمنديل ونظارة سوداء عاصرت العديد من حكام مصر، كان لها بصمة مميزة في عصور مصر الملكية والجمهورية، وهبت عمرها وصحتها وموهبتها للطرب الأصيل، لتكون أيقونة لن تتكرر حتى بعد وفاتها بـ 50 عامًا، هي كوكب الشرق أم كلثوم، التي تركت فراغًا هائلًا في عالم الموسيقى العربية.
بثت الإذاعة المصرية، بيانا رسميا لمجلس الوزراء، يوم 3 فبراير 1975، "ماتت أم كلثوم"، كانت الكلمات أقسى من أن تنزل على قلب عشاق "سيرة الحب" مخلفة إرثًا فنيا يُخلّد ذكراها للأبد.
كان يعتبرها الرؤساء واحدة من أهم المشاريع القومية المصرية، فقد خرجت جنازتها من مسجد عمر مكرم من منطقة التحرير، في مشهد مهيب، وصل عدد المشيعين لنحو 4 آلاف شخص شاركوا في وداعها.
من هي أم كلثوم؟
فاطمة إبراهيم السيد البلتاجي، ابنة الشيخ المؤذن إبراهيم السيد، وشهرتها أم كلثوم، وُلدت في ريف مصر بطماي الزهايرة، مركز السنبلاوين بمحافظة الدقهلية، في 31 ديسمبر 1898.
عاشت مع أسرتها المتواضعة، كان والدها الشيخ إبراهيم إمامًا ومؤذنًا لمسجد في القرية، كما كان يعمل منشدًا في حفلات القرية والقرى المجاورة، أما والدتها، فاطمة المليجي، فكانت ربة منزل، وكان لها أخت متزوجة تُدعى رقية، وأخ يُدعى خالد.
تلقت فاطمة تعليمها في كُتّاب القرية، ورغم ضيق الحال، حرص والداها على عدم إظهار هذا الضيق والفقر إلا بالهمسات بعد صلاة الفجر في خلوة الدعاء، فلم تكن فاطمة الصغيرة تعرف كيف تساعد والدها سوى بالدعاء له.
بداية انطلاق كوكب الشرق
بدأ مشوار أم كلثوم الفني حينما كان والدها يُحفظ أخيها بعض الأناشيد، ومع التكرار، حفظتها أم كلثوم وبدأت في تقليد والدها، لينبهر بها ويعلمها دروس الإنشاد.
مكتشف أم كلثوم
"شعرت أن في بيتنا أجمل أحلامي.. وأحسست بضربات قلبي وأنا أسمع صوته.. كنت أسمع قيثارة أجمل من الفونوغراف فقد كان الشيخ أبو العلا أعظم مغنٍ سمعته في حياتي".. بهذه الكلمات تحدثت كوكب الشرق أم كلثوم عن لقاء جمعها بـ الشيخ أبو العلا محمد خلال بداياتها في عالم الغناء، بحسب ما ورد في مقتطفات من مذكراتها أوردها الكاتب محمود عوض في كتاب له بعنوان "أم كلثوم التي لا يعرفها أحد".
ويعد الشيخ أبو العلا محمد واحدًا من أهم الملحنين في الربع الأول من القرن العشرين، وذاعت شهرته بين مشاهير الطرب في عصره كما لحن مجموعة من القصائد الشعرية الدينية لكبار الشعراء، وهو أيضًا أول من التفت لصوت أم كلثوم.
أجر أم كلثوم في أول حفلة لها
أحيت أول حفل لها بحضور 15 شخصًا فقط، حيث غنّت وصفّق لها الجمهور، وكانت مكافأتها الأولى طبقًا من المهلبية.
وارتفع أجر حفلاتها تدريجيًا، فبلغ ربع جنيه، ثم جنيهًا واحدًا، ثم جنيهًا ونصف، حتى أصبحوا قادرين على الذهاب إلى القرى المجاورة، حيث تركت في كل قرية عددًا من المعجبين بصوتها.
أول أسطوانة لأم كلثوم
انقلبت الموازين في عام 1924، لتغني صاحبة الصوت العربي الأصيل وخلفها أوركسترا من الرجال، وتصدر أول أسطوانة لأم كلثوم، وكانت بقصيدة "وحقك أنت المنى والطلب" من تلحين الشيخ أبو العلا محمد، وبيع منها ثمانية عشر ألف أسطوانة.
أهم أعمال أم كلثوم
منذ بداية مشوارها وحتى عام 1975، قدّمت أم كلثوم العديد من الأغاني، متعاونة مع أهم شعراء وملحني عصرها. ومن بين أشهر أغنياتها:
-"أراك عصي الدمع" (1926).
-"افرح يا قلبي" (1937).
-"حأقابله بكرة" (1946).
-"مصر تتحدث عن نفسها" (1951).
-"هو صحيح الهوى غلاب" (1960).
-"فات الميعاد" (1967).
-"اسأل روحك" (1970).
-"ليلة حب" (1973).
آخر أغاني أم كلثوم
وفي عام 1973، غنّت أم كلثوم آخر أغنياتها "حكم علينا الهوى"، من تلحين بليغ حمدي، لكنها أذيعت بعد وفاتها.
من الحياة الريفية للعيش وسط الملوك
ارتبطت أم كلثوم بالقصر الملكي في مصر، عندما أراد شريف باشا صبري، خال الملك فاروق، خطبتها، وبالرغم من رفض فاروق تحت ضغوط من العائلة المالكة هذه الزيجة، إلا أنه قرّب أم كلثوم منه بسبب حب الشعب لصوتها، مما دفعه لحضور حفل النادي الأهلي بمناسبة عيد الفطر، والذي كانت تحييه أم كلثوم، ليفاجئ الحضور بسيارة ملكية يقودها الملك فاروق بنفسه.
علاقة أم كلثوم بالرئيس الراحل جمال عبدالناصر
لكن دائمًا كانت علاقة أم كلثوم بالرئيس الراحل جمال عبدالناصر، فريدة من نوعها تحمل في طياتها العديد من الذكريات التي كان شاهدًا عليها التاريخ.
حكت كوكب الشرق عن قصة أول مرة تعرفت فيها على الزعيم، وذلك خلال مقال صحفي نُشر في مجلة الهلال بعد وفاته بعام تقريبًا، بعنوان "كيف عرفت عبد الناصر؟"، قالت إن أول لقاء كان عام 1948، وتحديدًا وقت مأساة فلسطين.
"كنت أتتبع أنباء إخوتي وأبنائي أبطال الفالوجا يومًا بيوم، وبعد عودتهم استقبلتهم بدموع المصرية الفخورة بأبناء مصر، وجلست بينهم وأنا أشعر أنهم أسرتي، صميم أسرتي، إخوتي وأبنائي، وهناك قدم لي المرحوم القائد السيد طه ضباطه وجنوده، وحدثني عن أصحاب البطولات الكبيرة منهم، وكان في مقدمة أصحاب هذه البطولات الضابط الشاب جمال عبدالناصر".
وأشارت بعض التقارير الصحفية إلى أن أم كلثوم أُصيبت بصدمة كبيرة يوم عرفت بخبر وفاته، حتى إنها حبست نفسها في منزلها وقررت اعتزال الفن نهائياً، لكنها وفي الوقت عينه قررت تقديم قصيدة لرثاء الزعيم الراحل، فكانت قصيدة "رسالة إلى الزعيم"، وبعد انتهائها من تسجيل القصيدة، أُصيبت بانهيار عصبي تم نقلها على إثره إلى منزلها، وارتدت الأسود معلنة عن نيتها اعتزال الغناء.
وعندما وصل الخبر إلى زوجة عبد الناصر اتصلت بها، وقالت: "إننا خسرنا جمال عبد الناصر ولا نريد خسارتك أنتِ أيضاً، إذا كنتِ تحبين جمال فأخرجي من حبسك وغني لأنه كان معجبًا بصوتك".
الزعيم سبب في خروج أنت عمري
وحسب الروايات المتداولة، فإن عبد الناصر كان السبب الأساسي لخروج أغنية "أنت عمري" للنور، والتي شهدت اللقاء الأول بين أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب كملحن.
فكانت ترددت أنباء في الوسط الفني في ذلك الوقت حول رفض أم كلثوم التعاون مع عبد الوهاب في أغنية من تلحينه، ووصلت تلك الأنباء إلى مجلس قيادة الثورة، والذي شعر أعضاؤه حينها بتسرب روح "العداء الفني" بين عبد الوهاب وأم كلثوم للجمهور، من خلال الصحافة التي أخذت تكتب عن رفض كوكب الشرق الغناء بتلحين موسيقار الأجيال، وكلاهما يمتلك قاعدة جماهيرية ليس من مصلحة أحد تفتيتها.
وعقب انتهاء الحفل السنوي بمناسبة ثورة 23 يوليو عام 1963، التقى الرئيس جمال عبد الناصر بأم كلثوم والموسيقار عبد الوهاب، في حضور المشير عبد الحكيم عامر، حيث قال ناصر لهما: “ﻟﻥ ﺃﻏﻔﺭ ﻟﻜﻤﺎ ﻋﺩﻡ اشتراككما ﻓﻲ ﻋﻤل ﻓﻨﻲ واحد”.
ثم وجه كلامه لعبد الوهاب: "أين رواية ﻤﺠﻨﻭﻥ ﻟﻴﻠﻰ ﺍﻟﺘﻲ سمعت ﺃنك ﻟﺤﻨﺘﻬﺎ"، وهنا تدخل عبد الحكيم عامر في الحوار قائلًا: "المهم أي عمل يشتركان فيه"، وجاء الرد على الفور من الاثنين، فقال موسيقار الأجيال: "لا مانع"، وقالت أم كلثوم: "أنا أتمنى ذلك"، ليبدأ التجهيز لواحدة من أروع الأغنيات في مشوار كلاهما.
مرض ووفاة أم كلثوم
في عام 1954، خفضت أم كلثوم جدول حفلاتها الموسيقية بسبب المشاكل الصحية التي كانت تعاني منها، وارتدت نظارة سوداء باستمرار، بسبب إصابتها بمرض "جريفز" (فرط نشاط الغدة الدرقية)، الذي أدى إلى جحوظ عينيها. وكان هذا أيضًا سببًا لإيقاف نشاطها التمثيلي، الذي اقتصر على ستة أفلام فقط.
وفي 3 فبراير 1975، توفيت أم كلثوم في القاهرة بعد معاناة مع المرض.
أحدث الفيديوهات
أخبار ذات صلة
نيمار.. مسيرة متألقة تشوبها الإصابات والغيابات المتكررة
05 فبراير 2025 10:36 م
الجيش المصري يقلق إسرائيل.. والقاهرة: أي مساس بالسيادة يواجه برد قاسٍ
05 فبراير 2025 12:12 م
من متسول لأسطورة.. كيف ساهمت فتاة في تغيير حياة كريستيانو رونالدو؟
05 فبراير 2025 12:39 م
تكتيك المراوغة وضم الأراضي.. هل أصبحت "إسرائيل الكبرى" أمرًا واقعًا؟
04 فبراير 2025 08:30 م
"كاملات عقل ودين".. عناوين إصدارات "تبرجل المخ" بمعرض الكتاب
04 فبراير 2025 01:03 م
تامر إبراهيم يكتب: الدموي مهندس التسليح.. قراءة في عقل رئيس الأركان الجديد للجيش الإسرائيلي
04 فبراير 2025 12:02 ص
كسر أبواب بيت الأمة وهروب يمامة.. ليلة عاصفة داخل حزب الوفد
03 فبراير 2025 11:27 م
في رحلتها لأمريكا.. كيف تجنبت طائرة نتنياهو الرادار ومذكرات الاعتقال؟
03 فبراير 2025 07:35 م
أكثر الكلمات انتشاراً