"داخلة على 100 سنة ".. حكاية عجوز حدائق القبة من المطر إلى التريند

الحاجة انشراح المعروفة بسيدة المطر
اتكأت على عكازها الخشبي، وأمسكت بيدها الثانية “صندوق كرتون صغير”، ووضعت بداخله عبوات المناديل، وافترشت طريق أحد شوارع حدائق القبة، وبدأت رحلتها الشاقة اليومية: "مناديل يا بيه.. مناديل يا هانم".
عباءة سوداء رثة، حالها كحال السيدة العجوز، وكأن الزمن رسم تجاعيده عليهما، وجه شاحب وعينان منكسرتان من قسوة الظروف، الفقر المدقع كان عنوان مظهرها.
سيدة المطر في معركة مع الطبيعة
"ناس رايحة وناس جاية".. لا أحد يبالي بنداءات الست، بينما تستمر هي في السؤال: "مناديل يا بيه.. مناديل يا هانم"، أملًا في أن يَمُنَّ عليها أحدهم بحفنة جنيهات لسد جوع بطون ذويها.
السماء ملبدة بالغيوم، وعيون السحب بدأت تذرف دموعها حزنًا على حال السيدة، وفجأة تحولت الشوارع إلى أنهار من المطر، والسيول اجتاحت الدكاكين، واغتسلت ملابس المارة ووجوههم بحبات البرد، وامتزج التراب بالماء وأصبحا لوحة طينية بائسة .
مناديل تحت الأقدام
تناثرت البضاعة الرخيصة للسيدة العجوز تحت أقدام المارة المهرولين، وبدت وكأنها فقدت كل شيء، تجلس على الرصيف المبتل، وعيناها تدمعان، وهي تردد: "البضاعة يا رب.. هجيب أكل العيال منين.. رحمتك يا رب".
وفي لحظة، حنّت السماء عليها واستجابت لدعائها، ودبت المروءة والشهامة في عروق عدد من الشباب، وانطلقوا نحوها.
مهام موزعة، فبينما يحاول أحدهم لَمْلَمة ما تبقى من البضاعة، خلّع آخر جاكيته ووضعه على رأسها لحمايتها من المطر، فيما تبرع آخرون بتوصيلها وبضاعتها إلى بيتها.
وثق أحد المارة مقطع فيديو لهذه اللحظة المؤثرة، وسرعان ما انتشر على وسائل التواصل، وأصبح حديث الساعة.
حكاية سيدة المطر
تروي "سيدة المطر" حكايتها لـ"تليجراف مصر"، قائلة: "اسمي انشراح أحمد، وعندي 96 سنة".
وتضيف: "مسؤولة عن 8 أشخاص، الولد قاعد عشان أبوه عنده جلطة، القرش اللي بعمله بقول له خده شوفوا هتاكلوا إيه أو محتاجين إيه، ولظروفه الصحية بضطر أجيب له بامبرز، بس ربنا موقف له ولاد الحلال بيجيبوا له البامبرز والعلاج".
"بنات ولدي جم، خدوا رزق يومي كله، اللي لميته علشان دروسهم"، قالت بصوت يملؤه الأسى، ثم أكملت: "قولت له كفاية تعليم، خليهم يشتغلوا، قالي يا أمي، ولاد خالاتهم وعماتهم، وجاب لي العيلة من أولها لآخرها، كلهم متعلمين، طيار ودكتور، لازم أعلمهم كويس".
رحلة تعليمية شاقة
وافقت السيدة انشراح مضطرة، لكنها كانت تعلم أن حالهم لا يسمح بكل هذا الترف، بحد وصفها، فحفيدتها لابنها حصلت على مجموع صغير، وقُبلت في أحد المعاهد الخاصة، لكن مصاريفه تجاوزت الـ 6 آلاف جنيه، كان الابن يأتي إليها بكل ما يرزقه الله، وهي تدبر أمور البيت، بحسب روايتها.
"مسؤولة عن مريض، أرميه ولا أعمل إيه؟" تساءلت انشراح بحيرة، لكنها عادت لتؤكد أن ابنتها عرضت عليها أن تعيش معها، بالرغم من أن ابنتها أم لأربعة أطفال، قائلة: "بكل صراحة لما ربنا بيرزق ولادي بيدوني فلوس.. اللي بيديني 100 واللي بيديني 150".
مرت سبع سنوات على السيدة انشراح على هذا الحال، منذ مرض زوجها، واستكملت حديثها قائلة: "قبل كده كنت بجيب مصاريفي من الشغل، كان عندي فرختين مربياهم، طلعت أبيعهم واحدة شافتني خدتني وراحت بيّا على سوق المطرية، شيلتني 18 قفص من السوق للطريق، وفضلت على الحال ده 3 سنين لحد لما اتهمتني بالسرقة".
كوب شاي وكومة غسيل
وتابعت: "بعدها اشتغلت أغسل غسيل مقابل 15 جنيه في المرة، كنت ببدأ من أول أذان الفجر لغاية أذان العشاء على كوباية شاي أشربها"، فيما كانت صاحبة البيت تعاملها بقسوة، وتعيد لها الملابس إذا لم يعجبها غسيلها.
"كان صعب عليّ، بس أعمل إيه؟ أدي الله وأدي حكمته"، قالت وهي تتنهد.
واستكملت روايتها قائلة: "بدفع لحفيدتي 40 جنيه في حصتين، و20 جنيه للحفيدة التانية، بس كان المدرس بيرأف بحالي".
وخلال رحلتها في تعليم أحفادها، تروي انشراح: "روحت لدكاترة المعهد عشان بنت ابني فقالوا لي: يا حاجة، مين هيتبرع لك بالمصاريف دي؟ دي مدرسة خاصة، روحي يا حاجة، قد العلام علمي، مش قد العلام خليها تشتغل".
أمنيات مؤجلة لسيدة المطر
كان أكثر ما يضايق الست انشراح هم العاملون في محل "التوحيد والنور"، الذين كانوا يطلبون منها أن تبتعد عن المكان، لأن الكاميرات تصورها.
واختتمت حديثها قائلة: "نفسي في الستر بتاع ربنا، وأسترهم وأعلمهم ويبقى معاهم شهادات، وبعد كده أدخل البنت بيتها لأن سترة البنات كبيرة أوي ومحدش هيقف جنبهم، وربنا هيقف جنبي لحد ما اللي أنا طلبته ينولهولي".

أخبار ذات صلة
تشبه بوكيمون تشاريزارد.. قطعة شيتوس تباع بسعر ضخم في مزاد بأمريكا
09 مارس 2025 12:32 ص
إعلان جهينة الجديد في رمضان.. هل تنمر بالمصريين؟
08 مارس 2025 11:04 م
3 حلول ممكنة.. دراسة تحذر من ارتفاع منسوب مياه البحر في الإسكندرية
09 مارس 2025 02:04 ص
في يومها العالمي.. هل نجحت دراما رمضان 2025 في تجسيد مشاكل المرأة؟
09 مارس 2025 12:25 ص
أكثر الكلمات انتشاراً