
الدراما التي نريد.. ؟
الواقع أن الدراما التليفزيونية على شاشاتنا الفضائية في أزمة شديدة، وتحولت من وسيلة للترويح والتعليم والتثقيف والتنوير والترويج إلى أداة للهدم وإبراز أسوأ ما في المجتمع.
نشير وقبل أن يرد علينا من يتابع ما نقول لنوضح أن الدراما قطعا ليست على الدوام هي وسيلة للترويج والتجميل والتضخيم في إيجابيات المجتمع، ولكن في الوقت ذاته لا يمكن ان نتقبل ان تقتصر كل الأعمال الدرامية على تقديم أعمال تتمحور حول الجنس والعلاقات والأنشطة الغير مشروعة واستحضار نماذج بشرية ليس لها وجود إلا في خيال الكاتب، فليس من الواقعى أبدًا أن يكون كل أبطال أي مسلسل من الخارجين على المألوف والمتقبل من عادات وتقاليد، ليس طبيعيا أبدا أن يكون غالبية الممثلات والممثلين، إما في علاقات غير شرعية مع بعضهم البعض، وإما يكونوا من ممارسي الأنشطة الإجرامية المنوعة، وليس من المنطقي كذلك أن يكون العنف المبالغ فيه هو القاسم المشترك الأعظم في التعامل في غالبية المسلسلات.
أكرر أن المجتمعات التي يقدمها مؤلفو الدراما، أو غالبيتهم، ليست واقعية وليست منطقية ولا تمثل الواقع، ولا تمثل حتى المجتمع المبالغ فيه، أي التي تبالغ الدراما في تقديمه بهدف تحذيري أو تنويري أو هدف آخر من أ هداف الدراما.
أنوه إلى أني أكتب هذه السطور، بدافع عفوي لا علاقة له بادعاء دراسة متخصصة أو فهم أكاديمي لعلوم الدراما والإنتاج التليفزيوني أو السينمائي، أؤكد أنني أكتب بصفتي مشاهد يتابع ما تبثه وسائل الإعلام المختلفة، أتابع كرب أسرة، أتابع كمصري منحاز لبلده ولمكانتها في مختلف المجالات ومنها مجال الاستخدام الأمثل للقوي الناعمة وهو القوة الأكثر وفرة وتوافر على أرض بلدنا، أتابع مقارنًا وسائل إعلامنا بمنافسيها في المنطقة العربية وخارجها، وأرتاب دوما في كل التدخلات والتداخلات المستترة في عصب بلدنا بادعاءات كاذبة مضللة.
أنوه إلى أنني أخاطب أهل بلدي، من أكبر رموزها وهو الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس هذا البلد ورمزها ومواطنها الأول، والذي تنعقد في رقبته المسئولية عن هذا البلد وكل ناسها، بما فيهم الأجيال القادمة الذين لا ينبغي أن يغيب عنا أبدا أنهم هم من سيحمل الراية في هذا البلد بعد زمن طال أو قصر، وينبغي أن نترك لهم ميراثا قويا في كافة المجالات وخاصة المجالات التي طالما تميزنا بها وتفوقنا بها على ما عدانا من بلدان عربية وغير عربية.
الحادث كذلك أهل الخير أن الأزمة الحادثة في الدراما التليفزيونية، قائمة وبذات القدر وربما أكثر وطأة وأكثر تأثيرا في مجالات كثيرة، كنا متميزين فيها في على مدي عقود وحقب زمنية طويلة.
هل يرضى أي مصري أصيل عن مستوي الإنتاج السينمائي الذي تراجع إلى الدرجة التي تولي أمر هذا الفن إخوة أشقاء، يشكروا على كل كال، احتكروا، برضا الدولة -أو بدون لا أعلم-، الإنتاج السينمائي خلال العقد الماضي وكانت غالبية الأفلام المنتجة بتم ترتيب أنتجها للعرض خلال عيدي الفطر والأضحى، وبعض المناسبات الأخرى، وتدور غالبية أحداثها في مجتمع لابد أن يكون فيه راقصة - في الغالب أجنبية- ترقص بخلاعة على صوت مغني شعبي يصرخ بقوة على مسرح رواده من السكارى والمغيبين، وغالبية أحداث تلك الأفلام تدور بها مجموعة من الخناقات تتحطم فيها بعض السيارات رخيصة الثمن وتشتعل بها النيران، وأحيانا يتم استخدام الخدع البصرية والجرافيك في تضخيم الآثار والصراعات الدرامية!
يا جماعة الخير.. هل يرضي أي صاحب ضمير أن تتوقف كاميرات السينما خلال العقدين الماضيين عن إنتاج أفلام نفخر بها ونضمها بافتخار إلى قوائم الأفلام الأفضل في تاريخ السينما المصرية التي تجاوز في عمرها عمر السينما في العديد من دول العالم المتقدم.
نحتاج إلى أن نطلق صرخة قوية التأثير وطلب العون والغوث من كل محب لهذا البلد.
هل يرضي صاحب أي ضمير أن توشك الحياة المسرحية أن تتوقف إلا من بعض محاولات لا تأثير واسع لها بين المشاهدين، .. هل يرضي صاحب ضمير أن تظلم أفيشات المسارح التي كانت الروايات التي تقدمها قبلة يرتاده المصريون والعرب بالحجز للمشاهدة والاستمتاع.
يا جماعة الخير .. الدراما التليفزيونية المفتقدة ما هي الا مؤشر واحد، رغم خطورته، من عشرات المؤشرات تنذر بأن المجتمع المصري يمر بأصعب مراحله كمجتمع وتتهدد عوامل شتي تستهدف هدمه وتقويضه على الرغم من أن المجتمع في هذه المرحلة يفترض أن يكون متماسكا يفترض ان يكون مساندا لبعضه البعض لمواجهة كل عوامل الاختراق والهدم ، المجتمع يحتاج الى وقفة جادة لاستعادة فاعلياته وبعثها من جديد، المجتمع لا يحتاج، فحسب، إلى لجنة لبحث كيفية تطوير الدراما التليفزيونية ، المجتمع يحتاج إلى من يبعث الكوامن المكبوتة لأصحاب المواهب والمبدعين، نحتاج إلى أكثر من لجنة تضع تشخيصا كاملا متكاملا لأسباب قصور وتقصير الفاعليات المختلفة في المجتمع .
نحتاج إلى أكثر من لجنة، بل نحتاج لخبراء وممارسين من كل حدب وصوب، نحتاج إلى أن نطلق صرخة قوية التأثير وطلب العون والغوث من كل محب لهذا البلد.
يا جماعة الخير.. حتما سنصل إلى الدراما التي نريد اذا ما استعدنا مجتمعنا من غيابات السلبية، وأزلنا العوائق من أمام المبدعين والمحبين لهذا البلد.

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة
الرائد عبد المسيح مرقص.. يقرأ الفاتحة
25 يناير 2024 08:30 ص
أكثر الكلمات انتشاراً