الجمعة، 22 نوفمبر 2024

06:17 ص

الرائد عبد المسيح مرقص.. يقرأ الفاتحة

الرائد عبد المسيح مرقص كان واحدًا من أربعة من ضباط الشرطة، شاء قدرهم أن تكون مدينة الإسماعيلية هي مكان خدمتهم في بدايات الخمسينيات من القرن الماضي، وشاء قدرهم أيضا أن تتزامن فترة عملهم بمدينة الإسماعيلية مع تصاعد الأحداث الوطنية في تلك الفترة المهمة من تاريخ مصر.

وتزايدت بشكل ملحوظ عمليات مقاومة قوات الاحتلال البريطاني في منطقة القناة، ومن بينها مدينة الإسماعيلية، بعدما أصدر رئيس الوزراء المصري آنداك مصطفى باشا النحاس، زعيم حزب الوفد، قرارا بإلغاء معاهدة سنة 1936 التي وقعت بين مصر وبريطانيا، وتعهدت فيها الأخيرة بالجلاء عن مصر، بعد احتلال دام عقودا طويلة، ولكن بريطانيا ظلّت تماطل طوال خمس عشرة سنة، إلى أن قرر النحاس باشا إلغاء المعاهدة في الثامن من أكتوبر عام 1951.
اعتبر المصريون قرار النحاس بمثابة شرارة البدء لاستئناف النضال الوطني ضد قوات الاحتلال البريطاني، الذي لم يخمد حدته طوال فترة الاحتلال البريطاني، إلا في أعقاب توقيع معاهدة 36 التي كان يفترض أن تكون نقطة فاصلة لتتحوّل مصر إلى دولة مستقلة بعد جلاء القوات البريطانية، وهو لم يحدث.
وسكن الرعب في قلوب أفراد الجيش البريطاني جرّاء العمليات الفدائية المستمرة التي كان يقوم بها الفدائيون من كل فئات الشعب المصري، سواء من أبناء مدن القناة أو من شتى ربوع الجمهورية الذين وفدوا إلى منطقة القناة.
قيادات وضباط وأفراد قوات الشرطة في مدينة الإسماعيلية خاصة، أو في منطقة قناة السويس عامة، كانوا مساندين وبشدة للنشاط الفدائي الذي كان يستهدف التواجد الإنجليزي في المنطقة بأسرها. كانت الشرطة تستقبل الفدائيين الوافدين من شتى أنحاء مصر للمشاركة في العمليات الفدائية، سرا، وتعاونهم في تدبير أماكن للإقامة والإعاشة وكانت تقدم لهم السلاح والعتاد، وكانت تمدهم بالمعلومات التي تفيد في تخطيط وتنفيذ عمليات الاستهداف التي كانت تتم ضد الجنود والضباط الإنجليز.

الأكثر من كل هذا كانت قوات الشرطة تتستر على الفدائيين المشاركين في عمليات المقاومة أو من تشتبه فيهم القوات البريطانية، وشيئا فشيئا أيقنت قيادة القوات البريطانية في منطقة القناة أن قوات الشرطة لا تقوم بتوفير الحماية اللازمة لأفراد ومعدات القوات البريطانية ومقار إقامتهم ومعسكراتهم، ليس هذا فحسب، بل تعاون العناصر المقاومة للاحتلال البريطاني.
وقررت قيادة القوات البريطانية إخراج قوات الشرطة تماما من مدينة الإسماعيلية بالقوة، وتصادف اختيار يوم الخامس والعشرين من يناير 1952 موعدا للتنفيذ.            
كان الرائد عبد المسيح مرقص وزملاؤه يقيمون بأحد الفنادق بوسط المدينة باعتبارهم من المغتربين. عند الفجر أيقظهم فرّاش الفندق البسيط الذي كانوا يقيمون فيه ليخبرهم أن قوات الاحتلال الإنجليزي حاصرت مدينة الإسماعيلية بالكامل، ومن بينها مبنى المحافظة، الذي يقيم فيه جنود الشرطة بالمدينة. 
صحا الضباط الأربعة من نومهم على عجل، كانوا يدركون أن ذلك اليوم لن يكون يوما عاديا، وكانوا يدركون أن القوات البريطانية تيقّنت أن الشرطة تدعم بكل الوسائل كافة العمليات الفدائية التي تستهدف الضباط والجنود الإنجليز فقرروا إخلاء المدينة من عناصر الشرطة بالقوة.
تدوال الضباط الأربعة سريعا في الأمر، وسرعان ما اتخذوا القرار بالتوجه إلى مكان تجمع جنود الشرطة للانضمام إلى الجنود الموجودين بمقر المحافظة والاشتراك في مواجهة قوات الاحتلال البريطاني.
ثلاثة من الضباط هم البكباشي "مقدم" حسان أبو السعود، واليوزباشي " نقيب" مصطفي رفعت، واليوزباشي مصطفى كمال عشوب، تشابكت أياديهم وقالوا لبعضهم البعض: توكلنا على الله.. نقرا الفاتحة، ففوجئوا برابعهم اليوزباشي "رائد" عبد المسيح مرقص يهرول ناحيتهم ويضع يدا فوق أياديهم. وسأله أحدهم: ها تعمل أيه يا عبد المسيح؟، قال: هاقرا الفاتحة معاكوا.
وقرأوا جميعا الفاتحة، وتوجهوا إلى حيث دارت معركة سجلها التاريخ بأحرف من نور، حيث واجهوا عشرات جنود وضباط الشرطة، بقيادة الضباط الأربعة، جحافل من القوات الإنجليزية المدعومة بالدبابات والمعدات الثقيلة، وسقط منهم أكثر من خمسين شهيدا، لتتحول تلك الأحداث إلى شرارة أشعلت حدة لتصبح ذكرى تاريخ هذه المعركة عيدًا سنويا للشرطة المصرية.

search