الجمعة، 22 نوفمبر 2024

04:45 م

أحمد خضر
A A

نداء إلى الطفلة حبيبة.. ماما راحت عند ربنا

البقاء لله يا "حبيبة".. شدي حيلك.. ماتت أمك نجلاء بسبب المدفأة، عثروا عليها داخل غرفتها طريحة الفراش مقطوعة النفس، لا أعلم بالضبط لماذا ماتت هذه المرة رغم أن نفسها انقطع مئات ومئات المرات وهي تهرول في الشوارع للبحث عنكِ.

انقطع نفسها على كورنيش الإسكندرية وبين عربات الترام، وعند المقاهي والبقالين واللبانين والورش والمكتبات وبائعي الخضار والباعة الجائلين وسماسرة العقارات وحراسها، كانت تمر عليهم حاملة صورتك بين يديها، وفي قلبها "حبة أمل" وجبال حزن وهم، ولم تتوقف عن السؤال منذ غادرتي منزل والدك هربا من قسوة زوجته.

يقولون إنهم نادوا عليها كثيرا ولم ترد، قبل العثور عليها متوفية..!، وهل جاوبها أحد حين استغاثت من ظلم والدها لها وإجبارها على الزواج وهي طالبة في الصف الثالث الاعدادي، حين تزوجت والدك الذي يكبرها بـ10 سنوات، وبعد 9 أشهر وجدت هذه الطفلة نفسها زوجة وأم ومسؤولة عن "رجل وبنت وبيت" فماذا تفعل؟.. ظلت تحاول 3 سنوات حتى أجبرها أبوها ثانية على الطلاق من زوجها.. لم يجبها أحد حين ارتعشت من الخوف وهي تلهث وتبحث عن عمل لتسد جوعك وجوعها. 

تركوها يا حبيبة وحدها تحملك على كتفها وعمرك عامان، تتنقلان من شقة لشقة ومن عمل لعمل، لم يرد عليها أحد حين سألت: "أعمل ايه.. بنتي تعبانة وعندها جفاف ومحتاجة 800 جنيه ومش معايا غير 200؟"، خيم الصمت على الجميع، وحين ردوا قالوا لها "أبوها أولى بيها".. ويا ريتهم ما نطقوا..!

يفسرون أيضًا أنها ماتت باختناق بسبب المدفأة.. أي اختناق هذا الذي يميت نجلاء وهي التي كانت في كل مكالمة تخبر والدك وزوجته: "أنا اتخنقت وتعبت.. نفسي أشوف بنتي" تخيلي كم مرة قالت تلك الجملة طوال 10 سنوات كلما رفض والدك أن تتحدث إليكِ أو تسمع صوتك..!، اختنقت وكادت أن تشق ملابسها من الرفض والتعنت كلما طلبت  أن تراكي أو تجلس معكي أو تحتضنك ولو مرة واحدة..!، شعرت بالاختناق كثيرًا كلما حاولت الاستجداء للتقرب منكِ، اختنقت مرات ومرات ومرات حين جاء إليها والدك بعد كل هذه السنوات ليصدمها بسؤاله: "هي حبيبة جاتلك؟.. لأنها خرجت من البيت ومرجعتش تاني ومنعرفش راحت فين".

يروون أنهم حين عثروا عليها كان جسدها متجمدا بلا نقطة دم واحدة!، واين كان الدم يا حبيبة حين تخلى الأب والأخ والأم والجد، اين كان الدم حين قالوا: "ملناش دعوة"؟، أين كان الدم حين رفضوا المساندة، وتجاهلوا النداء، وتناسوا وجع الوحدة وقسوة ليالي الجوع، وألم نوبات المرض، وذل أوقات الحوجة والطلب، أين كان الدم يا حبيبة حين تركوا أمك وحدها تواجه مصير لا تعلمه، تصارع الدنيا بما فيها من أهوال ومعارك وصدمات.

انقطع نفسها واتنحل وبرها من البحث عنكِ بعد هروبك من منزل والدك في الاسكندرية، وجف حلقها من الكلام والسؤال، وتجمد دمها من الخوف عليكي وهي لا تعرف إلى أين ذهبتي، وتوقف قلبها من الحزن على فراقك طوال 10 سنوات، لكن الأكيد هذه المرة يا حبيبة أن أمك نجلاء ماتت بالفعل، ودفنوها أيضا، ولم يعلن لها جنازة أو عزاء غير بضع كلمات نشرت عنها، وحين رد شخص على هاتفها وقال "أيوة نجلاء ماتت.. وأنا أخوها"، ولم يرد ثانية.

البقاء لله يا حبيبة.. وإن صادفك هذا المقال يومًا ما، فأذهبي إلى قبر أمك، وتحدثي إليها لتطمئن، واحتضنيها بالدعاء عسى أن يجمع الله شملكما في جنة الخلد.

title

مقالات ذات صلة

ريهام سعيد ليست وحدها!

02 فبراير 2024 02:19 م

search