السبت، 19 أبريل 2025

03:02 م

ضعف الوضع المالي الحكومي.. "فيتش" تكشف بعض التحديات أمام مصر

وكالة فيتش للتصنيف الائتماني

وكالة فيتش للتصنيف الائتماني

ثبتت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني، التصنيف طويل الأجل للعملة الأجنبية لمصر عند درجة "B" مع نظرة مستقبلية مستقرة، قائلة إن العوامل الداعمة للتصنيف تشمل الحجم الكبير نسبيًا للاقتصاد المصري، والنمو المرتفع المحتمل في الناتج المحلي الإجمالي، إلى جانب الدعم القوي من الشركاء الدوليين والثنائيين، ما ساهم في الحفاظ على التصنيف الحالي. 

تحديات هيكلية تقيد التحسن

في المقابل، لفتت الوكالة في تقرير حديث، إلى وجود تحديات هيكلية ما زالت تضغط على التصنيف الائتماني، أبرزها ضعف الوضع المالي الحكومي، لا سيما نسبة الفائدة المرتفعة إلى الإيرادات، واحتياجات التمويل الخارجي الكبيرة، بالإضافة إلى تقلب تدفقات الأموال الساخنة، وارتفاع التضخم، والمخاطر الجيوسياسية في المنطقة.

وأشارت إلى أن مصر نجحت في الحفاظ على احتياطياتها الخارجية عقب صفقة تطوير منطقة رأس الحكمة وتدفقات رؤوس الأموال الأجنبية إلى سوق الدين المحلي خلال الربع الأول من عام 2024.

وارتفعت الاحتياطيات الدولية بنحو 12.4 مليار دولار منذ بداية 2024، لتصل إلى 45.5 مليار دولار في مارس 2025، في حين تحسن صافي الأصول الأجنبية بالقطاع المصرفي من عجز بلغ 17.6 مليار دولار في يناير 2024 إلى فائض 2.8 مليار دولار في يونيو من نفس العام، قبل أن يتراجع مجددًا إلى عجز بـ1.9 مليار دولار في فبراير 2025، وتزامن التراجع مع خروج معتدل لرؤوس الأموال، ما حد من الضغوط على سعر الصرف.

عجز الحساب الجاري

توقعت "فيتش" اتساع عجز الحساب الجاري إلى 5.6% من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنة المالية 2024/2025، مقارنة بـ5.4% في العام السابق، على أن يتراجع إلى 4% في 2025/2026، بدعم من تحسن تدريجي في قطاع الطاقة نتيجة عودة استثمارات شركات الطاقة العالمية جزئيًا، وتراجع فاتورة استيراد الغاز.

وتوقعت أن ترتفع الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى 15 مليار دولار (ما يعادل 3.8% من الناتج المحلي) خلال السنة المالية 2026/2025، مدفوعة بضخ استثمارات خليجية جديدة، لا سيما في القطاع العقاري، مرجح أن تُنهي مصر العام المالي 2026 باحتياطيات أجنبية تغطي 4.2 شهر من المدفوعات الخارجية، مقارنة بـ5.1 شهر في 2024، وهو مستوى قريب من متوسط الدول الحاصلة على نفس التصنيف.

وحول قناة السويس، توقعت "فيتش" أن تتعافى الإيرادات خلال السنة المالية 2026 إلى 60% فقط من مستويات عام 2023، في ظل استمرار تداعيات الصراعات الإقليمية، بينما تبقى السياحة مرنة، إذ ارتفعت الإيرادات بنسبة 5% في السنة المالية 2024، ومن المتوقع زيادتها 9% في العام التالي، رغم المخاطر المتوسطة لتصاعد الصراع.

استقرار مشروط داخليًا

على الصعيد المحلي، حذرت "فيتش" من أن معدلات التضخم المرتفعة، وبطالة الشباب، وضعف الحوكمة، لا تزال عوامل تزيد من مخاطر عدم الاستقرار الاجتماعي، مشيرة إلى أن الدور الواسع للجهات السيادية داخل الاقتصاد يُشكل تحديًا أمام تنفيذ إصلاحات هيكلية مستدامة.

مرونة سعر الصرف

وأكدت "فيتش" أن مصر حافظت على درجة أعلى من مرونة سعر الصرف منذ خفض السعر الرسمي في مارس 2024، دون عودة لتراكم الطلبات غير المنفذة على العملات الأجنبية أو وجود فجوة ملحوظة بين السعر الرسمي وسعر السوق الموازية.

وأشارت إلى أن الإجراءات التي اتبعتها الحكومة لإدارة الطلب على العملات الأجنبية ساهمت في تقليل تذبذب سعر الصرف بشكل كبير، لكنها أوضحت أن ذلك لم يؤدِ إلى اختلال جوهري في السعر الحقيقي للجنيه المصري. 

ومع ذلك، حذرت من أن البنك المركزي المصري لا يتمتع باستقلالية كاملة، وأن البنية التحتية لنظام استهداف التضخم لا تزال غير مكتملة، ما يجعل أي صدمة خارجية كبيرة اختبارًا حقيقيًا لمدى الالتزام بسياسة مرونة سعر الصرف.

اتساع العجز المالي

وفيما يتعلق بالمالية العامة، توقعت "فيتش" أن يتسع عجز الموازنة إلى 7.4% من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2025، بزيادة 4% مقارنة بالعام السابق، نتيجة انتهاء الإيراد الاستثنائي من صفقة رأس الحكمة الذي بلغ 3.3% من الناتج المحلي في السنة المالية الماضية، إلى جانب ارتفاع تكاليف خدمة الدين.

ورغم زيادة الإيرادات الضريبية بنسبة 38% خلال أول ثمانية أشهر من السنة المالية الجارية، مدعومة بارتفاع الاستهلاك وفرض ضريبة على الأوراق المالية الحكومية وتقليص الإعفاءات الضريبية، إلا أن الوكالة لفتت إلى أن العجز لا يزال يتسع، مشيرة إلى أن الحكومة تخطط لاتخاذ إجراءات إضافية لزيادة الإيرادات بما يعادل 1% من الناتج المحلي في العام المالي 2026، مع التركيز على ضريبة القيمة المضافة، لتقليص العجز إلى 7.2%.

مخاوف الإنفاق خارج الموازنة

وأشارت "فيتش" إلى أن الإنفاق خارج الموازنة لا يزال يمثل تحديًا رئيسيًا، على الرغم من الخطوات التي اتُخذت خلال العام الماضي للحد منه، موضحة أن غياب الشفافية حول مدى التزام الحكومة بسقف التريليون جنيه المخصص للاستثمارات العامة في السنة المالية 2025 يزيد من هذه المخاطر، رغم أن بيانات الحسابات القومية تشير إلى تباطؤ ملحوظ في وتيرة الاستثمار العام.

تراجع الدين العام

وفي ما يخص الدين العام، توقعت "فيتش" أن يتراجع إلى 80.4% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية السنة المالية 2026، مقارنة بـ89.4% في 2024، ومع ذلك، أشارت إلى أن مستوى الدين لا يزال أعلى بكثير من متوسط الدول ذات التصنيف الائتماني "B"، الذي يبلغ 50.6%.

توقعات التضخم

قالت "فيتش" إن معدل التضخم السنوي في مصر واصل تراجعه ليسجل 13.6% في مارس 2025، مقارنة بـ24% في يناير و33.4% في مارس 2024، بفضل تأثيرات سنة الأساس، وهو ما جاء متماشيًا مع توقعات الوكالة، وسجل التضخم الأساسي 9.4% خلال الشهر نفسه.

وتوقعت الوكالة أن يعاود التضخم الارتفاع ليصل إلى 14% بحلول نهاية السنة المالية 2025، مدفوعًا بتقليص إضافي في دعم الوقود ضمن خطة الحكومة لتحقيق استرداد كامل للتكلفة بحلول يناير 2026، مرجحة أن يعود التضخم إلى مسار التراجع تدريجيًا ليسجل 10.5% بنهاية السنة المالية 2026، بدعم من استقرار سعر الصرف وثبات التوقعات التضخمية، رغم بقائه أعلى من متوسط دول التصنيف الائتماني "B" البالغ 4.5%.

خفض متوقع للفائدة

ورجحت "فيتش" أن يبدأ البنك المركزي في خفض سعر الفائدة الأساسي -المثبت عند 27.25% منذ مارس 2024– تدريجيًا، ليستقر عند مستوى يحقق فائدة حقيقية تقارب 4% بنهاية السنة المالية 2026، ما سيسهم في تقليص سريع لتكاليف خدمة الدين، خاصة أن متوسط أجل استحقاق الدين المحلي أقل من عامين.

وتوقعت الوكالة أن تتراجع نسبة فوائد الدين إلى الإيرادات من ذروتها البالغة 61% في السنة المالية 2026 إلى 38% بحلول عام 2029، لكنها ستظل أعلى بكثير من متوسط الدول المماثلة عند 12%.

نمو اقتصادي متسارع

فيما توقعت "فيتش" أن يشهد الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لمصر نموًا بنسبة 4% خلال السنة المالية 2025، مقارنة بـ2.4% في 2024، بدعم من تحسن الثقة الاقتصادية، على أن يرتفع إلى 4.7% في 2026 مدفوعًا بتحسن الدخل الحقيقي، رغم أن النمو سيظل دون المعدلات المحتملة.

وأكدت الوكالة التزام الحكومة المصرية القوي ببرنامج صندوق النقد الدولي، الذي يستهدف تعزيز الاستقرار الاقتصادي والمالي، لكنها أشارت إلى أن وتيرة الإصلاحات الهيكلية ما تزال معتدلة، خصوصًا في ما يتعلق بتحسين التنافسية والحد من الاختلالات الخارجية.

وأشادت "فيتش" ببعض الإصلاحات التي تحققت، ومنها تبسيط النظام الضريبي، وتقليص الإعفاءات على الكيانات الحكومية، وتحسين كفاءة الجمارك، لكنها اعتبرت أن جهود الخصخصة لا تزال متواضعة.

قطاع مصرفي قوي

وفي ما يخص القطاع المصرفي، أشارت الوكالة إلى أنه يتمتع بسيولة مرتفعة وهيكل قوي، حيث بلغت نسبة القروض إلى الودائع 62.5% بنهاية 2024، ما يمنح الحكومة مرونة في التمويل المحلي.

وتوقعت "فيتش" استمرار نمو الودائع، وتوجيه البنوك لنسبة كبيرة من السيولة نحو أدوات الدين الحكومية، في وقت يتعافى فيه معدل الشريحة الأولى من رأس المال الأساسي ليصل إلى 12.7%، مع ترجيحات بارتفاعه مدفوعًا بالأرباح الداخلية، مرجحة أن يتباطأ نمو صافي الأرباح في القطاع البنكي إلى نطاق يتراوح بين 30% و50% خلال 2025، بعدما سجل قفزة كبيرة بلغت 89% في 2024.

متى ترفع "فيتش" التصنيف الائتماني لمصر؟

حددت وكالة "فيتش" عدة عوامل رئيسية قد تؤدي إلى رفع التصنيف الائتماني لمصر، سواء بشكل فردي أو عند تحققها مجتمعة، أبرزها حدوث تحسن ملموس في أوضاع الاقتصاد الخارجي، مثل ارتفاع كبير في الاحتياطيات الدولية أو تحقيق انخفاض مستدام في عجز الحساب الجاري.

وأشارت الوكالة إلى أن تنفيذ إصلاحات هيكلية فعالة تقلل من مخاطر عودة الاختلالات الاقتصادية، مع تعزيز القدرة على الوصول إلى الأسواق الدولية، قد يدعم أيضًا تحسن التصنيف.

كما نوهت "فيتش" إلى أن تعزيز الثقة في استمرارية السياسات الاقتصادية، خاصة فيما يتعلق بمرونة سعر الصرف، إلى جانب تراجع معدلات التضخم واقترابها من مستهدفات البنك المركزي، من شأنه أن يعزز من فرص التقييم الإيجابي.

وأضافت أن انخفاض تكلفة الاقتراض، وتحقيق ضبط مالي من خلال تحسين كفاءة تحصيل الإيرادات واحتواء النفقات خارج الموازنة، يمكن أن يسهم في تقليص كبير لنسبة فوائد الدين إلى الإيرادات، فضلاً عن وضع نسبة الدين إلى الناتج المحلي على مسار هبوطي ومستدام على المدى المتوسط.

search