السبت، 05 أكتوبر 2024

11:32 ص

الزيادة السكانية.. كيف تروّض الدولة وحشها الجامح؟

الزيادة السكانية في مصر - صورة موضوعية

الزيادة السكانية في مصر - صورة موضوعية

ولاء عدلان

A A

"أخطر أزمات مصر".. هكذا وصف الرئيس عبدالفتاح السيسي أزمة الزيادة السكانية في سبتمبر الماضي خلال مؤتمر للسكان معتبرًا أن ارتفاع عدد السكان يمثل تحديًا في ظل محدودية موارد الدولة بوضعها الحالي الأمر الذي يتطلب خفضًا لمعدل الزيادة السكانية إلى 400 ألف مولود سنويًا والحفاظ على هذا المعدل لفترة قد تصل إلى 20 عامًا. ومنذ أيام قليلة بلغ عدد سكان مصر 106 ملايين نسمة بزيادة قدرها مليون طفل جديد خلال 250 يومًا فقط في الفترة من 3 يونيو 2023 إلى 8 فبراير الحالي.. كيف يرى الخبراء الأمر؟

من جانبه قال الخبير الاقتصاد مصطفى بدرة إن هذه الزيادة في أقل من عام تكشف عن حجم التحدي الذي تواجهه الدولة أمام هذا الكم الهائل من السكان الذي لا يلائم مواردها وبالتبعية يشكل عبئًا اقتصاديًا.

عائق أمام التنمية
 

وتابع بدرة أن الزيادة السكانية وحش جامح يلتهم أي زيادة في موارد الدولة نتيجة ما تفرضه من حاجة مستمرة لزيادة الإنفاق على الخدمات التعليمية والصحية وغيرها كما أنها تشكل خطرًا متصاعدًا على خطط التنمية المستدامة ومسار النمو الاقتصادي، مشيرًا إلى أن سكان مصر حاليًا يزيدون بمعدل يتجاوز 2.5 طفل للأسرة الواحدة سنويًا ما يهدد بخفض قدرة الدولة على تحقيق مستوى مقبول من الرفاهية للسكان. 
وشدد على أن مصر في حاجة لخطط واضحة وأكثر فاعلية لمواجهة أزمة التضخم السكاني للوصول بمعدلات التنمية الاقتصادية إلى المستويات المطلوبة، موضحًا أن السياسة التي اتبعتها دول مثل الصين بتحديد عدد الأطفال المسموح بإنجابهم؛ بطفل واحد لكل أسرة يصعب تطبيقها في مصر نظرًا لاختلاف الثقافة المجتمعية والدينية. 
ورأى أن توسع الدولة في منح حوافز للأسر التي تنجب طفلين فقط أمر هام لمواجهة الأزمة الحالية، مع ضرورة حرمان الأسر الأكبر عددًا من هذه المزايا ضاربًا مثالًا بخدمات مثل مجانية التعليم والدعم التمويني وغيرها، مضيفًا أن الشباب يمثلون نحو ثلثي سكان مصر إلا أن أغلب طاقاتهم مهدرة بسبب عدم قدرتهم على الحصول على الفرص الكافية من التعليم والصحة الأمر الذي يرجع إلى ارتفاع في معدلات التسرب من التعليم والبطالة.
ويعتقد بدرة أن الحكومة بحاجة إلى برامج تعليم موجهة وفق احتياجات سوق العمل بالتوازي مع تشجيع أكبر لفئة الشباب على الاستثمار في قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة لتعويض جانب من الضغط المالي الناجم عن الكثافة السكانية، عبر تقديم حوافز أكبر للشباب لتأسيس مشروعات إنتاجية وصناعية قادرة على دفع عجلة التنمية وحل أزمة البطالة.  

أكبر بلد عربي

من جانبه أوضح الخبير الاقتصادي الدكتور عادل عامر أن مصر حاليًا تعد أكبر بلد عربي من حيث التعداد السكاني، وإذا كان ذلك يشكل مزايا اقتصادية أهمها أنها واحدة من أكبر الأسواق الاستهلاكية في المنطقة، وبالتالي قدرتها على جذب استثمارات أجنبية في قطاعات مثل قطاع التجزئة والتجارة عمومًا مرتفعة إلا أن هذا التضخم السكاني يمثل خطرًا مضطردًا على معدلات التنمية كما يهدد برفع مستويات الفقر والجهل والبطالة. 
وأضاف عامر، أن التجربة الصينية في إدارة ملف السكان تعد ملهمة للغاية نظرًا لقدرة الصين منذ ستينيات القرن الماضي على وضع حد لأزمة الزيادة السكانية وتحويل كل أفراد المجتمع، البالغ تعدادهم حاليًا أكثر من مليار نسمة، إلى أفراد منتجين منتشرين في كافة أنحاء الدولة دون تمركز قوي على غرار الوضح حاليًا في مصر حيث يتركز السكان على نسبة ضئيلة من مساحة الدولة لا تتجاوز 10%. 
وتابع "ربما يصعب علينا تحديد النسل بطفل واحد للأسرة كما فعلت الصين لكن من السهل أن تستهدف الدولة، وهي بدأت بالفعل، توزيع الكثافة السكانية على رقعة أكبر من الأرض وبناء مدن صناعية وتشجيع الاستثمار المحلي في القطاعات الإنتاجية وكذلك التركيز على جذب استثمار أجنبي منتج وليس استهلاكيًا قدر الإمكان. 
وشدد عامر، على أن الاستغلال الأمثل لطاقات الشباب يبدأ بالسيطرة على معدلات الزيادة السكانية وتوفير موارد كافية لاستثماراها في دعم هذه الفئة السكانية الهامة، وبحسب تقديرات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تبلغ مستويات الإنجاب حاليًا 2.76 طفل لكل سيدة، وحال استمرار هذه المستويات سيصل عدد سكان إلى 117 مليون نسمة بحلول عام 2030.

ميدان رمسيس أحد أكثر ميادين القاهرة ازدحامًا

علاقة طردية 

ومن جانبه أشار الخبير الاقتصادي حسام عيد، إلى أن العلاقة بين أزمة الزيادة السكانية والتحديات الاقتصادية في حالة طردية، فكلما ارتفع عدد السكان زاد عمق التحديات الاقتصادية، الأمر الذي يفرض العديد من العوائق أمام التنمية المستدامة، وبالتالي من الصعب أن نتوقع معدلات نمو كبيرة وتراجعًا مستدامًا للأزمة الاقتصادية بدون وضع حلول ناجزة لهذه الأزمة.  
وأوضح عيد، أن التعداد السكاني الضخم يفرض على الدولة مستويات مرتفعة من الإنفاق على الخدمات وبرامج الدعم الاجتماعي بدلًا من الإنفاق على المشروعات القومية والصناعية الأمر الذي يترجم إلى تراجع في معدلات النمو الاقتصادي، وارتفاع في نسب الاستهلاك وفي فاتورة الاستيراد من الخارج، وزيادة في الاعتماد على الديون الخارجية لسد عجز الموازنة الذي ينشأ في الأساس من تجاوز موارد الدولة المتاحة لحجم مواردها. 

عجز الموازنة

وخلال العام المالي الحالي قدر عجز موازنة بنحو 6.9% من الناتج المحلي، نظرًا لارتفاع المصروفات إلى نحو 3 تريليونات جنيه مقابل إيرادات متوقعة بـ2.1 تريليون جنيه، وتشمل المصروفات المطلوبة لبرامج الحماية الاجتماعية والدعم قرابة 529.7 مليار جنيه، وأكثر من 139.3 مليار جنيه لشراء السلع والخدمات. 

ووصل مستوى الديون الخارجية لمصر بنهاية سبتمبر الماضي إلى 164.5 مليار دولار ووقتها كان عدد السكان يبلغ 105 ملايين نسمة، وقبل ذلك بنحو 53 عامًا كانت الديون الخارجية تقدر بقرابة 1.7 مليار دولار فقط بينما كان عدد السكان لا يتجاوز 33 مليون نسمة.

search