الخميس، 19 سبتمبر 2024

07:32 م

"ماتش" على صينية بطاطس.. الإصابات تبدأ من "المعدة"

محمود متولي

محمود متولي

رمضان حسين_ هاني عصام

A A

بينما يوشك لاعب الأهلي، محمود متولي، على بلوغ منتصف الموسم الخامس له في القلعة الحمراء، تشير الإحصاءات إلى أنه شارك في 54 مباراة، لعب خلالها 3828 دقيقة فقط، بينما غيّبته الإصابات المتلاحقة عن 80% من المباريات طوال تلك الفترة.

لم يكن "متولي" الحالة الوحيدة التي تطاردها إصابات محل حيرة وتساؤلات دائمًا، وإن فاقت معدلاتها الجميع، ففي الأهلي تحديدًا اعتدنا على خبر بعنوان "فلان ينضم إلى مستشفى الأهلي"، والتي دائمَا ما كانت مكتظة بالنجوم.

في موسمه الأول لم يحضر الجنوب إفريقي بيرسي تاو إلا قليلًا، طالب الكثيرون برحيله، واتُهم المدرب بيتسو موسيماني وزوجته بـ"السمسرة".
 

تاو وموسيماني 


عندما عرض الأهلي تاو للبيع، كان مصمما على البقاء، وفاجأ المجلس في جلسة حول مستقبله مطلع الصيف الماضي "أريد أن أقول إنني نجحت مع الأهلي.. سأبقى وأعرف المطلوب مني، الإصابات هي من أعاقتني في الموسم المنقضي"، بعدها قلّت إصاباته، وقدّم موسمًا جعل الناقمين يتراجعون: "إنها صفقة تستحق التقدير".

ما الذي فعله "تاو"، أي تاو، ليقلل إصاباته؟ ولماذا لا تقل إصابات "متولي"؟، وما هي العوامل المتحكمة في حدوث تلك الإصابات وطرق النجاة منها؟.. تساؤلات عديدة تقف وراء إجابتها التي جمعناها من أطباء ومتخصصين في مجال الطبي الرياضي، الحقيقة الكاملة وراء ظاهرة "متولي"، وكل لاعب يكون عرضة طوال الوقت لمثل هذه الحالات.
 

محمود متولي 

“للعلم كلمة”

طبيب المنتخب الأسبق، طارق سليمان، قال لـ"تليجراف مصر" إن هناك سببا علميا يتعلق بموضوع الإصابات يتمثل في الجينات الوراثية للاعب نفسه، ولذلك تُخضع الأندية الكبيرة اللاعبين قبل التعاقد لتحليل DNA، "فهو مهم جدا، لأنه يكشف عن أهم العضلات التي تتعرض للإصابة، ونوعية الإصابات التي يتعرض لها، وهي نقطة فاصلة في ملف التعاقدات". 

يرى طبيب المنتخب السابق أن لمدرب الأحمال دورا محوريا في تجنيب اللاعب الإصابات، فلا بد أن تكون الأحمال التي يؤديها اللاعب موزونة بما يتناسب وقدراته العضلية عمومًا، وفي الوقت نفسه تتلاءم مع طبيعة الإصابات التي قد يتعرض لها، سواء قبل أو بعد الإصابة، لذلك فإن التنسيق بين الجهاز الطبي وفريق الأحمال يجب أن يكون في غاية الدقة. 

مونا نمير تُشرف على تغذية لاعبي ليفربول 

الأكل بالجرام 

في كتاب "السيد بيب"، والذي وثق مرحلة الإسباني بيب جوارديولا مع بايرن ميونخ، يقول الكاتب ماراتي بيراناو، والذي دومًا ما يصطحبه المدرب الإسباني لتوثيق رحلته "قبل 4 أيام من كلاسيكو الكرة الألمانية بين البايرن وبروسيا، صُدم جوارديولا حينما شاهد سلوكيات الغذاء التي ينتهجها لاعبوه".

حلوى، وشيكولاتة، ومشروبات غازية، كلها أشياء جمعت لاعبي الفريق بمطعم النادي قبل ساعة واحدة من مباراة ودية كان سيخوضها الفريق استعدادا لمواجهة بروسيا، وقد وجد الإسباني هنا تفسيرًا لكثرة إصابات نجمي الفريق: أريين روبين، وفرانك ريبيري.

ثمة تحول حدث بفعل هذه الواقعة، فجاء قرار استعانة البايرن بـ"مونا نيمير" أخصائية التغذية، والتي ستنضم لاحقًا إلى ليفربول لتنقذ مسيرة كلوب أيضًا، وانتهت مرحلة الشراهة والعشوائية في مطعم النادي.

 

بيب جوراديولا


يقول بيب "بعد المباريات كنت مصدومًا داخل مطعم النادي، كل لاعب يصطحب صديقته، ويتناول ما يشتهي"، لكن مرحلة ما بعد "نيمير" خلاف ما قبلها، وإن كان التضييق الذي جرى تسبب في شرخ مع بعض اللاعبين الذين يكرهون النظام.

تعكس واقعة جوارديولا الذي اصطحب فيما بعد فريقًا متخصصًا في التغذية مع فريق مانشستر سيتي، ومن بعده "كلوب" الذي أصر على ضم مونا نيمير، قيمة التغذية في تكوين اللاعبين، ومدى تحكمها في حجم الإصابات.

وهو الأمر الذي يؤكده الدكتور عبد الرحمن سعيد، الذي خاض تجربة مسؤول التغذية في الأهلي رفقة رينييه فايلر، ومن بعده موسيماني "من أكبر أزمات الأندية في مصر، سلوكيات التغذية، ما زال البعض يصرّ على التيك أوي، ومشروبات الطاقة، ويغرقون في التوابل، إنها مخاطر جسيمة تهدد أي مسيرة".

مونا نمير 


أندية الـ"لالا لاند"

يتابع سعيد "يحتاج الجسد إلى قدر محدد من الأملاح والفيتامينات، مع تقليل الدهون لأن أي زيادة فيها يمثل خطرًا كبيرًا، ويعرض اللاعب لإصابات متكررة".

منذ استقال من منصبه في الأهلي يرفض الطبيب الكشف عن أسباب رحيله لأمور تخصه. لكن بقليل من البحث تستطيع أن ترصد كثيرا من نجوم الأهلي على عربات الفول في الشارع، ومطاعم بدوية، وموائد أسماك في كبرى الأماكن، واحتفال بالولائم، تلك سلوكيات رصد آثارها، في زيادة الأوزان وبدانة البعض، وربما تجد تفسيرًا لحجم الإصابات.

يظن البعض أن دور الطبيب في النادي يقتصر على تحديد الوصفات والوجبات، لكن عند مونا نيمير في بايرن وليفربول كانت تراقب كل تفصيلة، لدرجة أنها كانت ترسل الوجبات لمنازل اللاعبين غير المتزوجين، لم تكن مجرد طبيبة أغذية.

لاعبو الأهلي بأحد المطاعم 


ما تفعله مونا نيمير لا يحدث في مصر قطعًا، هكذا يؤكده حمدي الأمين، أحد أهم الأطباء في مجال التغذية، فيكفي أن نقول أنه لا يوجد متخصص تغذية في الأندية المصرية سوى بالأهلي وبيراميدز، وحدث ذلك أخيرا، على حد قوله.

يعود طبيب المنتخب طارق سليمان لاستكمال حديثه حول سلوكيات اللاعب المصري التي تتحكم في حجم إصاباته "إلى جانب التغذية هناك عوامل أخرى تؤثر على اللاعبين المصريين، مثل معدل ساعات النوم، حينما لا تكون كافية، فالنتيجة الحتمية إصابات متكررة، هذا يحدث كثيرًا". 

عزومة تجمع بعض لاعبي الأهلي


خطوط للمنافسة

النوم، والطعام، والأحمال، يضاف إليها العامل النفسي، بحسب طبيب المنتخب السابق، يتسبب انشغال اللاعب بأزمة خارج الملعب، في إحداث خلل في التوافق بين الشق العصبي والشق العضلي، ما ينتج عنه إصابات، وهنا لا بد من رفع الوعي ومعدلات ثقافة اللاعبين في مصر، حتى يتم الفصل بين ما هو شخصي وما هو مهني، هكذا يؤمن "سليمان".

قد تبدو المساعي نحو النجاة من الإصابات أمرًا غاية التعقيد والتشابك، لكن يكفي أن نقول أن الموسم الوحيد الذي خرج فيه السيتي خاسرًا للدوري الإنجليزي أمام ليفربول، كان عدد الأيام التي غاب فيها لاعبوه موسم 2020 للإصابات، أكثر من الأيام التي غاب فيها لاعبو ليفربول للسبب ذاته، بفارق قارب مائتي يوم.

لذلك ستجد حربًا أكثر تنافسية خارج الخطوط حول استعانة كل منهما بالفرق الطبية، وفرق التغذية، ومتخصصي الأحمال، والاستعانة بأهم الأسماء العالمية التي سار التنافس عليها كما نجوم المستطيل الأخضر، وهذه قصة أخرى نعود إليها لاحقًا.

search