الخميس، 21 نوفمبر 2024

10:23 م

قصة "خانٍ" و"يونُسُه".. فلسطين تبدأ من القاهرة

القبة الضريحية للأمير يونس الدوادار

القبة الضريحية للأمير يونس الدوادار

أحمد عادل

A A

ما من يوم يمر على قطاع غزة حتى تواصل الآلة العسكرية الهمجية للاحتلال الإسرائيلي قصفها على مدن القطاع المُحاصر لتوقع عشرات الشهداء والجرحى، مدن وأحياء بالكامل نُسفت وسُويت بالتراب، لم يبق منها سوى اسمها الذي كُتب بأحرف من نور في دفتر النضال للشعب الفلسطيني.

ومن بين تلك المدن، تقف مدينة خان يونس، جنوب قطاع غزة، عصية في وجه الاحتلال، لقد خلت المدينة من أهلها فيما لا تزال المقاومة تستبسل وتوقع بجنود الاحتلال من المسافة صفر، فما قصة خان يونس؟، ومن هو يونس الذي تُنسب المدينة إليه؟

زيارة إلى القاهرة المملوكية

الإجابة على هذا السؤال، تقتضي منا زيارة إلى القاهرة المملوكية، فبين خرائبها وأطلال مقابرها التي يتزاحم الأحياء فيها والأموات على سكناها، وبالتحديد في قرافة باب الوزير حيث منطقة الحطابة، في شارع باب الوداع سيقابلك سُلمًا سيقودك إلى المقابر، حينها ستبرز لك قبة ضريحية تقف وحيدة فريدة بين المقابر تطاول عنان السماء لأكثر من 600 عام بطرازها المُميز في البناء.. إنها قبة الأمير المملوكي يونس الدوادار، التي بناها لتحتضن جثمانه بعد وفاته، لكن الحروب الدائرة بين المماليك كانت تسمح لقلة منهم أن يموتوا على فراشهم لتحتضنهم قبورهم الخاصة، ليذهب يونس صريعًا لإحدى تلك الحروب المستعرة في الشام، ويظل القبر خاليًا من صاحبه.

ضريح لم يستقبل جثمان صاحبه

كان الأمير يونس الدوادار واحدًا من أصدقاء السلطان الظاهر برقوق خلال فترة سلطنته الأولى (784 ـ 791هـ/ 1382 ـ 1391م)، وكان يشغل منصب "الدوادار"، وهو من المناصب العُليا في عصر سلاطين المماليك، حيث كان صاحبها مسئولاً عن المكاتبات السلطانية للملوك والعمال، وبالتالي فهي وظيفة مرموقة تجعل لصاحبها شأن كبير فى السلطنة ومنزلة مُقربة من السلطان، حيث كان حاملاً لدواة السلطان وختمه.

استفاض شيخ المؤرخين تقي الدين المقريزى (ت 845هـ/ 1442م) في مآثر وصفات الأمير يونس الدودار، فذكر أنه كان محباً لأهل العلم، ميالاً لفعل الخير، ناسكاً مُتعبداً، كما تعود تسمية خان يونس بفلسطين لهذا الرجل، فيما قال الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852هـ/1449م) أنه عمّر الخان الكبير الذى بعد غزة فى طريق مصر؛ فعظّم النفع به وله آثار حسنة.

قبة الأمير يونس الدوادار 

الخان في عُرف الاثرين والمؤرخين، هي نُزل أو فنادق للتجار المسافرين بقوافلهم التجارية عبر البلاد، ويحتوي الخان على منازل لسكن المسافرين، والعديد من الحوانيت التجارية أو القيساريات التي تشبه المولات التجارية في عصرنا الحديث.

وتعتبر قبة الأمير يونس الدوادار من أقدم آثار دولة المماليك الجراكسة، حيث أُنشئت عام 782هـ/1381م، فيما جاء طراز القبة على نمط القباب السمرقندية التي تعلو قلة من المساجد والأضرحة المملوكية، مثل قبة خوند أردوكين وجامع صرغتمش.

لكن العلاقة الوثيقة بين الأمير والسلطان دجعلت برقوق يطلب منه أن يدفن جثمان والده أنس أو "أنص" عند وفاته، ولا يزال يوجد هناك نص تأسيسي أعلى إحدى نوافذ القبة، تشير إلى وفاة أنس والد برقوق عام 783هـ/1382م، لكن السلطان برقوق عاد ونقل جثمان والده عندما قام ببناء قبته بشارع المعز.

عاش الأمير يونس الدوادار في فترة حرجة ووسيطة بين انتقال مصر من عصر سلاطين المماليك البحرية وعصر سلاطين المماليك الجراكسة وانتهاء حكم آل قلاوون الذي استمر لأكثر من 100 عام، كان الصراع بين المماليك على أشده، وشاءت الأقدار أن يُقتل يونس الدوادار أثناء المعارك الدائرة بين السطان برقوق ويلبغا الناصرى، نائب حلب، ولم يُعثر على جثته، ليظل القبر خاليًا.

ومن المفارقات أيضًا أن يقتل مع يونس الدوادار صاحب خان يونس، صديقه المقرب جهاركس الخليلي صاحب الخان الأشهر في القاهرة "خان الخليلي".

قُتل يونس الدودار وبقيت قبته الفريدة خالية من جثمانه تواجه توالي السنوات في القاهرة، مثلما تكافح مدينته في غزة لتبقى صامدة أمام الآلة العسكرية الهمجية لجيش الاحتلال الإسرائيلي.

search