الخميس، 19 سبتمبر 2024

07:46 م

الجامع الأزهر.. رمز الوحدة الإسلامية والترابط لأكثر من ألف عام

ألف عام من العطاء _الجامع الأزهر

ألف عام من العطاء _الجامع الأزهر

فادية البمبي

A A

تجاوز عمره الألف سنة، متحملًا مسؤوليته العلمية والدينية والوطنية والحضارية تجاه الشعب والأمة الإسلامية ككل، وكان دائماً رمزاً حضارياً، ومرجعاً علمياً رئيسياً، ومنبراً دعوياً صادقًا.

يعد الجامع الأزهر من أهم المساجد الجامعة في مصر وأشهرها في العالم الإسلامي، حيث استضافت أروقته الملايين من طلاب العلم ومعلميه، مما جعله قبلة العلم لكل المسلمين.

1084 عاما من العطاء 

الجامع الأزهر تم إنشاؤه على يد جوهر الصقلي قائد الخليفة الفاطمي المعز لدين الله في 24 جمادى الأولى 359هـ/ 4 أبريل 970م أي بعد عام من تأسيس مدينة القاهرة، استغرق بناؤه ما يقرب من 27 شهرًا، حيث افتُتِح للصلاة في يوم الجمعة 7 رمضان 361هـ الموافق 21 يونيه 972م. 

ثم تحول إلى جامعة علمية، وأُطلق عليه اسم الجامع الأزهر؛ نسبة إلى السيدة فاطمة الزهراء ابنة النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ وزوجة الإمام علي بن أبي طالب ــ رضي الله عنه ــ التي ينتسب إليها الفاطميون على أرجح الأقوال.

عودة المذهب السني إلي مصر

في الثالث من المحرم 567هـ/ 11 سبتمبر1171م، انتهت علاقة الجامع الأزهر بالمذهب الشيعي، بعد زوال دولة الفاطميين على يد صلاح الدين الأيوبي، أنشأ عدة مدارس سُنِيَّة لتنافسه في رسالته العلمية للقضاء على المذهب الشيعي في مصر، وعطَّل صلاة الجمعة في الجامع الأزهر، واستطاع بهذه الخطوة أن يعيد إلى مصر المذهب السُني بحيوية ونشاط. 

الزعامة الدينية والعلمية 

في ظل الحكم المملوكي، شهد الجامع الأزهر تحولًا كبيرًا، فأعيدت فيه صلاة الجمعة في عام 665ه/ 1267م، واستأثر الجامع الأزهر في هذا العصر بالزعامة الدينية والعلمية معًا، وأصبح مقصِدًا لعلماء العالم الإسلامي في مشارق الأرض ومغاربها.

احتفظ الجامع الأزهر على مدار ثلاثة قرون بقوته وتقاليده، وظل يؤدي رسالته باللغة العربية في الحَقْلًيْنِ الديني والتعليمي، وأصبح موطنًا للدراسات الدينية، وملاذًا للغة العربية، وكعبة علمية يفد إليها أعلام الفكر الإسلامي يتصدرون الحلقات الدراسية في رحابه، يتوافد عليه طلاب العلم من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، ومن أهم ما يتميز به الأزهر في ذلك العصر هو ظهور منصب شيخ الأزهر.

عمارة الجامع الأزهر على مرّ العصور

حظي الجامع الأزهر على مرّ العصور منذ نشأته وحتى وقتنا الحاضر باهتمام الخلفاء والسلاطين والأمراء والحكام بعمارته من حيث التوسعة والإنشاءات والترميم لا سيما العصر المملوكي، وكان آخرها أعمال الترميم الشاملة التي انتهت في عام 1439ه/ 2018م والتي استمرت ثلاث سنوات تقريبًا، وتبلغ مساحته 12 ألف متر مربع تقريبًا.

أقدم جامعة متكاملة الأركان في العالم

الجامع الأزهر هو أقدم جامعة متكاملة الأركان في العالم من حيث أعضاء هيئة التدريس في مختلف التخصصات والمذاهب الفقهية، وطلاب من شتى بقاع العالم، وكتب دراسية، ومكتبات عامة، ومسكن جامعي تتوفر به كافة سُبُل الإعاشة بالمجان، وهو رائد التقدم والازدهار، وعنوان قدرة الشعب المصري خاصة والشعوب العربية والإسلامية عامة على السبق الحضاري والإنجاز العلمي.

أكثر من عشرين علما 

كانت العلوم التى تُدرَّس في الجامع الأزهر تقترب من العشرين علمًا مثل: الفقه- أصول الفقه- التفسير- الحديث رواية ودراية- مصطلح الحديث- التوحيد- الحكمة الفلسفية- التصوف- النحو- الصرف- المنطق- المعاني- البيان- البديع- الحساب - الجبر والمقابلة- الفلك- اللغة- الوضع- العروض- القوافي- الهيئة، كانت الدراسة تبدأ فيه بعد صلاة الفجر حتى صلاة العشاء.

أروقة الآزهر رمزٌ للعالمية وللترابط العربي والإسلامي

لقد ظل الأزهر على مدار تاريخه ــ ولا يزال ــ يمثل القِبْلة العلمية لجميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، والنموذج الذي يُحتذَى به في الترابط العربي والإسلامي، 

ومن التقاليد الراسخة التى ظلت لصيقة بالتاريخ العلمي والاجتماعي للأزهر كجامعة أنه أفرد لكل جنسية وأهل إقليم من طلابه الذين وفدوا إليه من شتى بقاع العالم العربي والإسلامي "رِواقًا" يقيمون فيه إقامة دائمة بالمجان طوال السنوات التى كانوا يقضونها في تحصيل العلوم في رحابه. 

وهي أماكن للإعاشة الكاملة بالمجان، طعامًا وإقامة وكسوة وجرايات ومرتبات ومخصصات كثيرة، وغير ذلك من الخدمات الجليلة تكريمًا وراحةً لهؤلاء المجاورين، فتعد أروقة الأزهر رمزا تاريخيا وحضاريا يشهد بعالمية الأزهر ودوره العلمي والاجتماعي على مر العصور، وقد استمرت أروقة الجامع الأزهر عامرة بالمجاورين, تؤدي دورها العلمي والاجتماعي حتى إنشاء مدينة البعوث الإسلامية والبدء فى شغلها بالطلبة في 12 ربيع الأول 1379ه/ 15 سبتمبر 1959م.

مَنْبَع الوطنية على مرّ العصور

يزخر تاريخ الأزهر الشريف جامعًا وجامعة، ودور علمائه في مختلف نواحي الحياة المصرية بالمواقف الكثيرة الخالدة التي كان فيها الأزهر في مقدمة الأحداث، صادعًا بالحق، لم تمنعه الزعامة العلمية من الزعامة الوطنية؛ حيث كان الأزهر على مدار تاريخه يمثل المنبع الأصيل للوطنیة والقلعة الحصينة للدفاع عن القضايا العربية والقومية بل والإنسانية.

كان الجامع الأزهر، القلعة التي تحطمت على أبوابها أمال الحملة الفرنسية في البقاء في مصر ( 1798 ـــ 1801)، وقاد علماؤه البلاد في فترة الفراغ السياسي التي أعقبت خروج الفرنسيين، واختاروا محمد علي ليكون حاكمًا على البلاد عام 1220ه/ 1805م،

كما مَثَّل الجامع الأزهر حائط الصد الذي وقف في وجه حملة فريزر الإنجليزية عام 1222/ 1807م، وضرب علماؤه أروع الأمثلة في الوطنية في مساندة الثورة العُرابيَّة عام 1299ه/ 1882م والمشاركة فيها، مواصلًا دوره الوطني الباسل والراسخ الذي سجله التاريخ بمدادٍ من ذهب في أحداث ثورة عام 1338ه/ 1919م، وإبان الحرب العالمية الثانية (1939 ـــ 1945م) من عدم الزج بالبلاد في الحرب وتجنيبها ويلاتها، والدور الوطني الباسل على كافة المستويات إبان العدوان الثلاثي على مصر عام 1376ه/ 1956م.

search