"موسيقى الروك".. رحلة على إيقاع الوهج والخفوت

تتفاوت أنواع الموسيقى في شعبيتها وانتشارها بين الجمهور، ويرتبط كل متابع بأشكال موسيقية بعينها تتناسب مع ذوقه الخاص، تفضيلاته على مستوى الكلمات، وبالتبعية ارتباطها بشكل موسيقي معين، أو ربما أيضًا ظروفه الحياتية وطريقة العيش التي تعوّد عليها.

ينتج عن ذلك انتشار أشكال موسيقية بعينها أكثر من أقرانها، سواء على الدوام أو في عصور معينة، لكن تبقى أنواع من الموسيقى تسير على نفس الخطى، تنتشر وتزداد قوة وتظل أكثر ثباتًا، فيما تنهار أشكال أخرى ولا تستطيع الثبات والحفاظ على شعبيتها.

وتأتي موسيقى "الروك" كأكثر أشكال الموسيقى على الإطلاق تأرجحًا في شعبيتها وارتباط الجمهور بها، تارة تصبح على القمة ويتصدّر نجومها كل شيء فيما يخص الموسيقى، وتارة أخرى تتراجع أمام الأنواع الأخرى، وينتقل نجومها لخانات أخرى في تفضيلات الجمهور.

كيف بدأ "الروك"؟

في بداية القرن الماضي، وتحديدًا عام 1922 غنى جون كارسون أغنيته "هيليبيلي"، وحققت نجاحًا كبيرًا، وصُنفت كبداية رسمية لانطلاق موسيقى "الكانتري"، وشهد العام ذاته مجموعة مميزة من التجارب لجيمي رودجرز، وإيك روبرتسون، وكارتر فاميلي.

وانتشرت موسيقى "الكانتري" في المجتمع الأمريكي بشكل كبير في تلك الفترات، وكونت مع موسيقى "البلوز" مرحلة موسيقية جديدة في أمريكا سرعان ما عرفت طريقها لبعض الدول الأخرى، خاصة بريطانيا".

وتنوعت تفضيلات البيض والسود في الولايات المتحدة لفترة ليست بالقصيرة بين هذين النوعين من الموسيقى، حسب الإيقاع، والكلمات، والجرأة والصراخ والسخرية. 

تجربة ألفيس بريسلي

ظل الوضع هكذا حتى تسلل أحدهم من قلب ولاية ميسيسبي ليصدر أغنية جديدة بعنوان Heartbreak Hotel في عام 1956، ثم يتكرر ظهوره في برنامج Stage Show بقناة CBS الأمريكية، كانوا يرحبون به في كل مرة.. “أهلا ألفيس بريسلي”.

تجربة بريسلي الموسيقية واحدة من أكثر التجارب المُلهمة على الإطلاق استحق معها أن يظفر بلقب "ملك الروك آند رول"، ويعتبر أحد رواد موسيقى "الروكابيلي" التي مزجت موسيقى "الكانتري" بـ"الريثم أند بلوز".

وبدأ ألفيس في تحقيق أسطورته بين عامي 1956 و1958 على الأخص، عندما صور 4 أغنيات بصور متحركة أرفقها بمقطوعات موسيقية، وهي Love me Tender 1956,Jailhouse Rock 1957,Loving you 1957, King creole 1958.

ورغم ترك ألفيس بريسلي للموسيقى لأكثر من عام ونصف العام ليخدم بالجيش الأمريكي في ألمانيا الغربية، فإن أغنياته حققت نجاحًا كبيرًا في الخارج وبيعت بأكثر من مليون نسخة.

ومع تجاوب الفنان الأمريكي الراحل مع التغييرات التي طرأت على موسيقى الروك من خلال أغنياته وأفلامه الموسيقية، إلا أنه أيضًا لم يحافظ على ارتباط الشباب الأمريكي به، إذ قل هذا الارتباط كثيرًا في نهاية حقبة الستينيات من القرن الماضي، ورغم ذلك قدّم العديد من المعزوفات المميزة حتى قبل عامين من وفاته عندما قاده الاكتئاب لتناول الأدوية الموصوفة بشكل كبير، حتى وُجد ميتًا في قصره بجريسلاند عام 1977.

هؤلاء أيضًا

ارتبط الشباب بموسيقى "الروك" التي أخرجت تجارب موسيقية مميزة في الستينيات من القرن الماضي، أشهرها على الإطلاق فريق "البيتلز" The Beatles البريطاني الذي تكون في ليفربول عام 1960، بأعضائه بول مكارتني، جون لينون، رينجو ستار، جورج هاريسون.

وحقق الفريق شعبية جارفة مع أغنية Love me do في 1962 ثم ألبوم Please Please me، ويصنفهم الكثيرون كأفضل فريق غنائي في التاريخ، بسبب أغنياتهم وشعبيتهم الكبيرة حتى انفصالهم عام 1970.

وفي أمريكا كان لا بُد أن تخرج واحدة من أبرز المساهمات الموسيقية في تاريخ الروك، فكان فريق Eagles الذي خرج من كاليفورنيا عام 1971 مستغلًا انفصال البيتلز، بأعضائه جلين فراي، ودون هينلي، وبيرني ليدن، وراندي مايسر.

الفريق حقق كل شيء في سنوات قليلة، طرحوا 61 ألبومًا وأكثر من 71 أغنية منفردة أشهرها على الإطلاق Hotel California في عام 1976، وظفروا بست جوائز جرامي في تاريخهم.

وانتشرت أيضًا فرق أخرى قدمت موسيقى الروك من بينها "كوين"، و"إيماجن دراجونس"، و"ذا دوور"، و"مون تاكسي"، والفريق التاريخي "بينك فلويد" الذي باع 250 مليون نسخة من ألبوماته حول العالم.

 وضع “الروك” عربيًا 

يمتلك العرب أكثر تجربة في موسيقى "الروك" منذ السبعينيات وحتى وقتنا هذا، قد يكون أبرزها ما قدمه الليبي حميد الشاعري خلال تواجده في مصر، وتقديمه لموسيقى الروك لكبار النجوم وقتها، أمثال عمرو دياب، وهشام عباس، وإيهاب توفيق، وغيرهم من النجوم. 

ويأتي الجزائري رشيد طه كواحدٍ من أهم صُناع موسيقى الروك العرب على الإطلاق، وقام بمزجها مع العديد من الأشكال الموسيقية العربية داخل بلاده وخارجها.

ولكن الجمهور العربي تعرّف على موسيقى الروك من مسافة أقرب وبشكل أوسع منذ الألفية الجديدة، فمع ظهور العديد من الفرق الموسيقية العربية صنعت تجارب أشبه بالتمرد، على مستوى الكلمة واللحن، استجاب لها الشباب الذي مل بعض الشيء من الموسيقى المعتادة، من أشهرها "مشروع ليلى" الذي اعتزل أعضاؤه الغناء بشكل نهائي في 2019.

عاصمة "الروك" العربي

الشباب الأردني نجح في صنع تاريخ موسيقي مميز لبلاده، بعدما ظهرت العديد من الفرق الموسيقية الأردنية التي تقدم الموسيقى بشكل مميز، خاصة موسيقى الروك، لتصبح الأردن عاصمة "الروك" العربي لأسباب ليست مفهومه.

"جدل" هو الفريق الأردني الأبرز الذي يقدم موسيقى الروك منذ مطلع الألفية الجديدة، بعدما أسس محمود ردايدة في 2003 الفريق الذي لا يزال يحقق شهرة واسعة عربيًا حتى الآن.

أما فريق "المربع" فقد اعتمد على تطوير الألحان بشكل مميز منذ ظهوره على الساحة في 2009، ويستمر حتى الآن بأعضائه الثلاثة في تقديم العديد من أغنيات الروك المميزة.

الأمر ذاته يحدث مع رصد تجربة "أوتوستراد" التي بدأت في 2007، ومزجت الموسيقى الأردنية بنظيرتها الغربية في إطار من السخرية أحيانًا.

سرًا في السعودية

في 2008 أطلقت مجموعة فتيات سعوديات ألبومًا غنائيًا بعنوان "الصورة" بشكل سري دون الكشف عن هوية صناعه، وتم إجهاض التجربة في وقت قصير بعد الهجوم الشديد الذي حدث في الأوساط السعودية تجاه تلك الموسيقى الصاخبة التي كانت دخيلة على المجتمع هناك حينها.

وبين الرفض والتمرير، ظلت موسيقى الروك تائهة داخل المملكة حتى تقبلها الجمهور مع حالة الانفتاح الثقافي التي ظهرت هناك قبل سنوات، وفي وقت سابق من 2023 احتفلة مدينة "الظهران" شرقي البلاد بموسيقى الروك عن طريق عرض معزوفات فرقة "ساند ستوك" على مدار يومين كاملين.

مصر.. مهد الفن

كان طبيعيًا أن تخرج تجارب موسيقية جديدة من داخل مصر، حدث ذلك مع بداية الألفية الجديدة بعدما أراد الشباب في مصر تغيير نوعية الموسيقى التي يستمعون إليها أو ما يُطلق عليه "ماينستريم" أي الشيء المعتاد، بالموسيقى أو غيرها.

"مسار إجباري" من أشهر الفرق الموسيقية بمصر في تقديم موسيقى الروك منذ ظهورهم في 2004 وحتى الآن بعدما مزجوه بموسيقى الجاز لتخرج عن التجربة العديد الألبومات والأغنيات المنفردة.

الفترة ذاتها أيضًا شهدت ظهور اسم "كايروكي" الذي حاول كثيرًا لإنجاح تجربته منذ عام 2003، ووصل لمبتغاه في 2011 مع ثورة يناير بفضل أغنية "صوت الحرية" التي طُرحت قبل يوم واحد من تنحي الرئيس الأسبق حسني مبارك عن الحُكم.

موجة موسيقية؟

الناقد الموسيقي محمد عاشور، يرى أن "الروك" موجة موسيقية تظهر وتختفي باختلاف الظروف، وتتحكم بها العديد من الأمور ما يجعلها غير قادرة على الاستمرار، عربيًا وعالميًا.

ويضيف في السياق ذاته: “موجة الروك تنتج في الأغلب بسبب الملل الذي يضرب محبي الموسيقى حول العالم، ولكن في النهاية يعودون للأشكال الموسيقية الأخرى مثل (البوب) على سبيل المثال”.

وأوضح أن "مصطلح (بوب) في الأساس يأتي من Popular أي الشائع، والبوب دائمًا هي الموسيقى المضمونة التي يفضلها أغلب الصناع ويذهب إليها الجمهور، ويستحيل أن تصمد أمامها أية موسيقى أخرى وليس الروك فقط".

ويعتبر عاشور أن موسيقى "الراب" أيضًا تخضع للأمر ذاته، وأن انتشارها لبعض الأوقات مجرد موضة تأخذ بعض الوقت وترحل ويقترب منها الجمهور لكونها تختلف عما تعودوا على سماعه بشكل شائع.

وتابع "إذا جلست وظهر بجانبك صوت طفيف ستعتاد عليه، ولكن مع ظهور صوت أقوى لن تستطيع سماع الصوت الأول، كذلك الموسيقى أيضًا". 

لذلك فإن موسيقى "الروك" ستبقى مجرد تجارب تُقدم وتنجح في أوقاتٍ بعينها، لكنها لن تستمر باعتبار ذلك عكس الطبيعة الموسيقية، سواء عربية أو في الخارج.