السبت، 06 يوليو 2024

07:26 م

ساحة حرب مفتوحة ومسار هدم دول.. سلاح "السوشيال ميديا" الفتاك

سلاح فتاك......ارشيفية

سلاح فتاك......ارشيفية

تامر إبراهيم

A A
سفاح التجمع

تشير بيانات الاتحاد الدولي للاتصالات لعام 2023 إلى أن 5.4 مليار شخص حول العالم موصولون بالإنترنت، أي ما يعادل 67% من سكان العالم، وبحسب دراسة لموقع "statista" للتحليلات السوقية، فإن 5.04 مليار إنسان من مستخدمي الشبكة العنكبوتية، أي ما يقارب من 63% من سكان العالم، يمتلكون حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي.

بحسب ذات الموقع، فإن فيسبوك تصدر قائمة أكثر وسائل التواصل الاجتماعي استخدامًا بواقع 2958 مليون مستخدم شهريًا، ثم يوتيوب بـ2514 مليون مستخدم شهريًا، ثم واتساب بـ2000 مليون مستخدم شهريًا، وبعدهم إنستجرام بالرقم نفسه، ثم يأتي في قائمة أكثر 10 مواقع استخدامًا كل من "وي شات، وتيك توك، وماسنجر، وتليجرام، وسناب شات، وبنترست”.

مليارات المنشورات والمعلومات اليومية

مليارات المنشورات والمحادثات والبيانات والمعلومات يوميًا، يبثوا عبر وسائل التواصل الاجتماعي من كل بقاع الأرض، في الوقت الذي ينمو فيه الحديث عن "السوشيال ميديا" باعتبارها ليست وسائل للتواصل بين الناس، بل سلاح فتاك في أيدي قوى سياسية واقتصادية وعسكرية، بإمكانه هدم مجتمعات ومؤسسات والتأثير في صناع القرار، وبث الفتن بين أركان المجتمع الواحد، ووسيلة عسكرية غير تقليدية في بعض الأوقات.

يرى مانويل كاستلز، أستاذ جامعي، ورئيس “واليس أننبرج” لتكنولوجيا الاتصالات والمجتمع بجامعة جنوب كاليفورنيا في لوس أنجلوس، أن التواصل هو مسألة تسيطر عليها شركات الاتصالات الكبرى باعتبارها مالكة ومسيطرة على منصات التواصل الاجتماعي، إذ تتيح للناس التواصل فيما بينهم بالقدر الذي يرغبون فيه ووفقًا لما تتيحه هذه المؤسسات.


المعلومات المضللة وجماعات التأثير والتغيير

لفت كاستلز إلى أن هناك بثًا للمعلومات المضللة والزائفة يهدف الوصول إلى حقبة اللا حقيقة، لنعيش واقعًا تتحول فيه الحقائق بشكل كامل، مؤكدًا أن الشركات المالكة لمنصات وسائل التواصل الاجتماعي تقوم على نموذج تجاري يهدف في المقام الأول إلى زيادة التفاعلات، مشيرًا إلى أنه كلما تنامى ذلك زاد الكره بين الناس، وباتوا أكثر نشاطًا في عملية التفاعل بشأن هذه المعلومات.

وأشار إلى أن تلك العمليات من التواصل تجعل الأمور “مٌشخصنة” وبالتالي تتحول إلى سحابة غير مفهومة، لافتًا إلى ثمة إطار استقطابي سياسي وثقافي، يجعل أي محاولة للتصدي للمعلومات المضللة والزائفة تضيع بسبب كثرة المعلومات الخاطئة، ويضيع أي صوت يتمسك بالحقيقة في خضم هذا الشكل من البروباجندا.

ويرى كاستلز أن هناك من يدعمون ماليًا عمليات الاستقطاب على شبكات التواصل الاجتماعي،  ليست المسألة فقط أن نرى شبكات التواصل الاجتماعي تبدأ بسحر ساحر العمل على الاستقطاب، بل هناك من يدعمها ماليًّا.


أهداف خفية واستعمارية

يري أستاذ نظم المعلومات والتحول الرقمي الدكتور عصام الجوهري، أن “السوشيال ميديا” ظاهرة معقدة ذات أبعاد متعددة، تخطت كونها مجرد أداة للتواصل والتفاعل الاجتماعي، إذ تشير بعض النظريات إلى وجود أهداف خفية وراءها تتجاوز مجرد الربح التجاري.

ذكر الجوهري في تصريحات لـ"تليجراف مصر"، العديد من الأهداف وراء وسائل التواصل الاجتماعي، مبينًا أن التحكم في المعلومات والتأثير في الرأي العام من بين تلك الأهداف، فضلًا عن انتشار ظاهرة “فقاعات المعلومات”

يتعرض المستخدمون للمعلومات التي تتوافق مع آرائهم فقط، ما يُعيق التفكير النقدي ويُعزز الاستقطاب.

أيضًا من الأهداف الواضحة عمليات المراقبة الجماعية عبر إتاحة كميات هائلة من البيانات الشخصية عن المستخدمين، والتي تستخدم في أغراض سياسية وتجارية، والتحكم في السلوك باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، التي تستهدف المستخدمين للتأثير في قراراتهم واختياراتهم، والتغيير والتحكم الاجتماعي، بهدف تغيير قيم ومعتقدات المجتمع، ومراقبة سلوك المستخدمين وممارسة ضغوط اجتماعية عليهم، وتقييد حريتهم في التعبير.

أضاف الجوهري أن العديد من الدراسات أظهرت دور “السوشيال ميديا” في تحركات سياسية، مثل الربيع العربي، وحركات الاحتجاج ضد الأنظمة السياسية المختلفة، فضلًا عن دورها العسكري كونها تستخدم في عمليات تجنيد المقاتلين ونشر المعلومات المضللة والدعاية بجميع أشكالها.

أشار إلى أن بعض النقاد يرون “السوشيال ميديا” كأداة استعمارية حديثة، إذ تُساهم في نشر ثقافة غربية مُهيمنة، وتُقوض الثقافات المحلية، وتتحكم في عقول الشعوب، والدليل على ذلك هيمنة الشركات الأمريكية على سوق “السوشيال ميديا”، ما يُعزز نفوذها الثقافي والاقتصادي، كما تستخدم للتحكم في الرأي العام  وفرض سياسات تخدم مصالح الدول الاستعمارية.

لفت الجوهري إلى دراسة أجريت في جامعة الزيتونة، استهدفت طلاب قسم علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية،  وأظهرت أن وسائل التواصل الاجتماعي تساهم في انتشار العنف والجريمة، وتفكك العديد من الأسر العربية، وتغيير فكر الشباب العربي، ودراسة أخرى أجريت في جامعة المجتمع العربي، أظهرت أن وسائل التواصل الاجتماعي تستخدم أساليب جذب لا حصر لها، وتؤثر في سلوكيات الأفراد والمجتمعات بشكل كبير.


مصر تتعرض لحروب الهجين

في مصر -أكبر الدول العربية- هناك حوالي 86 مليون مستخدم للإنترنت عام 2023، بحسب بيانات وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وأكثر من89% من الشباب يستخدمون الإنترنت.

الحديث عن استخدامات وسائل التواصل الاجتماعي في العمليات السياسية والعسكرية، شهد نموًا كبيرًا إبان حرب إسرائيل على قطاع غزة، وطال مصر مئات المعلومات المضللة والزائفة والشائعات التي تندرج تحت بند «حرب المعلومات» أو «الحرب النفسية».

يقول اللواء نصر سالم، المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية ورئيس جهاز الاستطلاع الأسبق، إننا نعيش في زمن «الحروب الهجين»، والتي يتم فيها استخدام كل أشكال الحروب ومن بينها الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، من خلال شن هجمات معلوماتية وسيل من الشائعات.

وبين في تصريحات لـ"تليجراف مصر"، أن أي قرار يتخذه صانع القرار يُبنى على معلومات، ولخداع العدو يتم تسويق معلومات خاطئة باستخدام “السوشيال ميديا” بهدف الضغط والتضليل.

لفت إلى أن ما ظهر من الحروب السيبرانية أقل بكثير مما يخفى، وهي شكل خطير من الحروب يستهدف التأثير في المجتمع يحارب نفسه بنفسه ويدمر نفسه بنفسه دون الحاجة إلى الشكل العسكري التقليدي في الحروب.

شدد سالم على أن مصر تتعرض لـ"حروب الهجين"، إذ يصدر ضدها عدد مهول من المعلومات المضللة وإحداث فتن بين أبناء الشعب الواحد، من أجل تفتيت القدرات المصرية وشق صف الأمة الواحد، مشيرًا إلى ضرورة مواجهة ما يتم على وسائل التواصل الاجتماعي في هذا الصدد، ومواجهة المعلومات بالمعلومات وتعزيز قوة الجهات الرسمية لإعلان الحقائق.


تحرك لتغليظ العقوبات

بحسب المادة 188 من قانون العقوبات، يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن 5000 جنيه ولا تزيد على 20 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من نشر بسوء قصد بإحدى الطرق المتقدم ذكرها أخبارًا أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو أوراقًا مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذبًا إلى الغير، إذا كان من شأن ذلك تكدير السلم العام أو إثارة الفزع بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة.

 ونصت المادة 80 د من القانون على المعاقبة بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تزيد على 5 سنوات وبغرامة لا تقل عن 100 جنيه ولا تجاوز 500 جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل مصرى أذاع عمدًا فى الخارج أخبارًا أو بيانات أو إشاعات كاذبة حول الأوضاع الداخلية للبلاد، وكان من شأن ذلك إضعاف الثقة المالية بالدولة أو هيبتها واعتبارها أو باشر بأية طريقة كانت نشاطًا من شأنه الإضرار بالمصالح القومية للبلاد.

رئيس لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب، النائب أحمد بدوي، قال إن اللجنة ستناقش تغليظ العقوبات لجرائم منصات التواصل الاجتماعي، نظرًا لأهمية هذه المسألة والحاجة لسرعة حلها.

أكد عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، يحيي كدواني، أن مواجهة الجرائم الإلكترونية بجميع أشكالها وصورها، أمر هام لا يمكن التغافل عنه.

search