مفقودون بالجملة وجثامين بين النفايات.. من المسؤول عن "مهازل الحج"؟

شهد موسم الحج هذا العام، ارتفاعًا في أعداد الحجاج المتوفين والمفقودين، بشكل غير مسبوق، لدرجة وصلت إلى إطلاق العديد من الصرخات والاستغاثات عبر  مواقع التواصل الاجتماعي، على أمل عثور البعض على ذويهم المفقودين.

وأرجع البعض الأسباب وراء ذلك الأمر، إلى وجود خلل في تنظيم الحج هذا العام، فيما لعب الطقس عاملًا مهمًا في وفاة العديد من الحجاج.

لا حج دون تصريح

 "لا حج دون تصريح".. هو القرار الذي اتخذته السلطات السعودية، حيث وضعت المملكة  ضوابط لا تهاون فيها مع المخالفين، ولكن التشوق لأداء مناسك الحج دفع العديد من المصريين للجوء للحج غير النظامي، ولجأ الكثيرون لكيانات وهمية لدخول المملكة وزيارة بيت الله الحرام.

عداد المفقودين

وبشكل غير مسبوق، انتشرت صور لبعض الحجاج المفقودين في الحرم بشكل كبير، أمهات وآباء وزوجات وأجداد، جميعهم يتخطون عمر الـ 60 وحدهم في الحرم، ضلوا الطريق وانقطعت اتصالاتهم بأسرهم الذين بُث الرعب في قلوبهم على مدار أيام بعد اختفاء ذويهم.

وفاة الحجاج 

خوف وترقب يعتريان الأهالي، البعض منهم وجد الحجاج في مستشفيات المملكة والبعض الآخر مفقود حتى الآن، ولكن هناك آخرون وافتهم المنية خلال أداء مناسك الحج، وهو ما لفت أنظار الجميع، وأُثيرت التساؤلات بشأن تزايد أعداد وفيات الحجاج هذا العام.

مكان الدفن غير معلوم

عادةً يتمنى الحاج وفاته من ثم دفنه في البقيع، إلا أن هناك بعض المقاطع التي نشرها الحجاج كشفت مشاهد مروعة، حيث ظهر الحجاج متناثرين على الأراضي يلفظون أنفاسهم الأخيرة وسط النفايات دون كفن أو ستر لأجسادهم، بل يتوسطون آخرون أحياء يجلسون على الأرض، وغير معلوم حتى الآن مصير جثامين الحجاج وأين سيتم دفنهم.

الإجهاد الحراري 

كان جبل عرفات يحصل على أعلى درجة حرارة في العالم، حيث وصل لـ درجة نصف غليان الماء، تلك الحرارة التي لم يتحملها الكثير خاصة كبار السن، وحذرت حينها السلطات السعودية من ارتفاع درجات الحرارة الذي أدى إلى تسجيل حالات وفاة.

الزحام والتدافع بين الحجاج كان من مظاهر سوء تنظيم الحج هذا العام، حيث إنه كان قد تم منع الأشخاص غير الحاصلين على تأشيرة للحج، من أداء مناسك الحج، ولكن في وقت لاحق سمحت السلطات السعودية لهم بالدخول.

تعطل مكيفات المخيمات 

عانى الحجاج  بسبب تعطل المكيفات في عدد من الخيام سواء “المغربي أو اليمني أو المصري”، ما خلف معاناة واسعة النطاق نتيجة ارتفاع درجات الحرارة لمستويات قياسية، حيث وصف البعض على مواقع التواصل الإجتماعي أن الخدمات بتلك المخيمات كارثية خاصةً تلك التابعة للمغاربة.

المعاناة مع المكيفات ليست العقبة الوحيدة التي واجهت الحجاج هذا الموسم، بل اشتكى البعض من اضطرار ذويهم من المبيت على الأرض في مني قبل التوجه إلى عرفات، بسبب عدم توفير خيم الإيواء.

غرفة السياحة 

ومن جانبه، قال عضو الجمعية العمومية لغرف شركات السياحة، مجدي صادق، إن ما يشهده هذا الموسم من فقدان ووفاة آخرين من الحجاج يعود لسوء التنظيم النابع من المصريين، قائلًا إنه يجب فتح باب العمرة على مصراعيه، حيث يسافر الكثير من المصريين لأداء العمرة ومن ثم ينتظرون هناك حتى موسم الحج.

ولفت صادق إلى دور "سماسرة الحج" الذين يستغلون رغبة المصريين في أداء مناسك الحج، ويقدمون إليهم التأشيرة على طبق من ذهب بأسعار مخفضة.

وأوضح عضو الجمعية العمومية لغرف شركات السياحة لـ"تليجراف مصر"، أن السعودية كانت قد جهزت خيم تستوعب نحو مليون و800 ألف حاج، لكنها وجدت نفسها أمام مليون آخرين منهم ما لايقل عن 600 ألف مصري، وهو ما أدى إلى "المهازل" التي رأيناها هذا الموسم.

سبب وفاة الحجاج 

كشف استشاري أمراض الروماتيزم، حسام الديب، أسباب كثرة عدد الوفيات في موسم الحج 2024، وتفسير زيادة نسبة موتى الحجاج غير النظاميين بالمقارنة بغيرهم.

موسم حج 2024

وقال الديب في منشور على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، إنه أدى فريضة الحج مرتين، مرة كانت بشكل نظامي تابع لشركة سياحية وبتصريح رسمي، ومرة أخرى كان غير نظامي، دون شركة وتصريح، ولكنه كان يعرف الأماكن بشكل جيد، لذا كانت الأمور بسيطة بالنسبة له.

الحج النظامي

وأكد استشاري أمراض الروماتيزم، أن الحج النظامي، يتوفر له أتوبيس ينقله من مكة إلى عرفات، حيث إن المسافة بينهم 27 كيلو، ثم من عرفات إلى مزدلفة، ثم من مزدلفة إلى منى، ويكون لديه خيمة مكيفة ويتوفر له الطعام والشراب.

أوضح "الديب"، أنه من الممكن أن يتساوى النظامي بالغير نظامي، في حالة تخلف الحاج عن الأتوبيس.

الحج الغير نظامي

وأضاف، أن الحج الغير النظامي، لا يتوافر له أتوبيس وخيمة وطعام وشراب، قائلًا: "مفيش معاك أتوبيس ولا خيمة مكيفة ولا أكل ولا شرب كفاية، حسب ظروفك وحسب شطارتك وحسب معرفتك بالمكان".

أسباب وفيات الحجاج

وعن أسباب وفيات الحجاج، أوضح أن السبب الأول هو درجات الحرارة المرتفعة، حيث تصل لأكثر من 50 درجة مئوية، وكذلك المسافات الطويلة التي يتحرك فيها الحاج في هذه الحرارة، التي لا يتحمل شخص الوقوف بها أكثر من 15 دقيقة، بالإضافة إلى أن معظم الحجاج أعمارهم كبيرة.

وأشار إلى أن سائقي الأتوبس والتاكسي، يستغلون الحجاج، قائلا: "أنا ركبت تاكسي بـ550 ريال لمسافة 15 دقيقة، وده كان شاب طيب ومتساهل، غيره بياخد أكتر، وكان 550 ريال يعني ألف جنيه، النهارده بأكثر من 7 آلاف جنيه".

استغلال الحجاج

أرجع الديب سبب الاستغلال إلى الزحام الكبير، مضيفا: "أنت متخيل لو رمسيس أو التحرير في عز الحر والشمس، مليان بشر، وكلهم بيدوروا على تاكسي أو أتوبيس، الزحام والتدافع والاستغلال هيكون ازاي".

وأوضح أنه كان مقيم في السعودية بمكة مدة 8 سنوات، وكان يعمل بمستشفى النور، والمسافة للحرم بالسيارة كانت خمس دقائق فقط، ولمني كان خمس دقائق، وكذلك عرفات، ولكن مع الزحام الشديد، تتحول الخمس دقائق إلى عشر ساعات.

وأضاف أن المسافة 26 كيلو من أبعد نقطة في عرفات إلى الحرم، بشرط أن تعرف الطريق جيدًا، ولكن من "يتوه" تتضاعف عليه المسافة، وذلك في حرارة عالية جدا.

ولفت حسام الديب، إلى أن آخر مرة قام فيها بأداء فريضة الحج، كان في سن الـ43 عامًا، مشيرًا إلى أنه كلما كان الحاج سنه أكبر، كلما كانت الأمور أصعب، ويحتاج إلى رحلة منظمة أكثر.

وكانت المملكة العربية السعودية، قد أعلنت أن إجمالي عدد الحجاج لهذا العام بلغ 1,833,164 حاجًا، منهم 1,611,310 حاجًا قدموا من أكثر من 200 دولة عبر المنافذ المختلفة، إضافة إلى 221,854 حاجًا من المواطنين والمقيمين.