الجمعة، 22 نوفمبر 2024

02:33 م

ما خفي أعظم.. زواج القاصرات "وأد في فستان أبيض"

زواج القاصرات

زواج القاصرات

أسامة حماد - محمد لطفي أبوعقيل

A A

“مادتان لا تكفيان”، وجهة نظر يتبناها المهتمون بحقوق الطفل وصحته في مصر عند تناول زواج القاصرات، آملين في وضع حد لجريمة مجتمعية ربما يكون الموت ضريبتها، مع منافذ عدة للهرب من المسؤولية عنها، في ظل قانون لا يعاقب وثقافة تتبنى “الفستان الأبيض” خلاصا من فاتورة أعباء طفلة.   

قاصر تصل إلى المشرحة

تزوّجت "فاتن" في الثالثة عشرة من عمرها،  وفي الخامسة عشرة ماتت بسبب طبق كشري، قصة قصيرة حزينة شهدتها قرية كفر يعقوب، بمحافظة الغربية.

القصة ترويها الأم وهي تبكي، ربما ليس فقط حزنّا على عمر ابنتها الذي “قُصِف” مبكرا، ولكن ندمًا على أنها سمحت بزواجها وهي لا تزال “قاصرًا”.

فاتن ضحية الزواج قاصر

بحسب رواية الأم لـ"تليجراف مصر"، استسلمت الأم، ووافقت على الزواج بعقد عرفيّ هربًا من القانون، لأن الشاب الذي تقدم لطلب يد ابنتها مرارا، هددها “هخطفها واغتصبها، وشوفي مين هيتجوزها”.

تحكي الأم أنه نشبت مشاجرة بين الفتاة وزوجها أدت إلى ضربه لها بـ"شومة" على رأسها أودت بحياتها في الحال، وتم تبليغها بضرورة إحضار شهادة ميلاد للفتاة والتوجه إلى المشرحة لاستلام الجثة.

أكثر 200 حالة العام الماضي

"ما خفي أعظم"، بهذه الكلمات أجاب مدير خط نجدة الطفل بالمجلس القومي للأمومة والطفل صبري عثمان، على سؤال "تليجراف مصر" حول عدد حالات زواج القاصرات العام الماضي 2023، كاشفا أن المجلس تلقى بلاغات عن أكثر من 200 حالة، ولكن الأعداد الحقيقية تفوق ذلك.

أضاف عثمان، أنه ما يعزز ذلك عدم وجود عقوبة رادعة تجرم زواج القاصرات، مطالبًا بقانون مخصص لتجريم زواج القاصرات.

صبري عثمان

مادتان لا تكفيان

مادتان فقط في القانون تناولتا أزمة زواج القاصرات، الأولى (227) في قانون العقوبات، وتنص على “معاقبة المأذون حال التلاعب ببيانات ميلاد الطفل في عقد الزواج”.

المادة الثانية (131 مكرر) من قانون الأحوال المدنية رقم 143 لعام 1994، ويقول عثمان إنها "كارثة"، موضحا أنه كان من المفترض أن يتضمن التعديل المطلوب في 2008 “حظر زواج  الأطفال”، وبدلا من ذلك نصت “أنه لا يجوز توثيق عقد زواج من هم دون 18 عاما”.

أضاف “عثمان” أن الزواج العرفي للقاصرات جريمة تضيع حقوقهن، ففي الكثير من الأحيان تُفقد إثباتات الزواج ومن الممكن أن يساوم من يحتفظ به الطرف الثاني ويهدر حق الزوجة، فضلا عن مواجهة عقبات في تسجيل الطفال حال إنكار الزوج نسبهم له، مؤكدًا تلقي آلاف دعاوى إثبات النسب تهرب فيها الزوج وامتنع عن تحليل “D N A”، والحل الوحيد هنا نسب الطفل لأمه، واسم الأب “اعتباري”.

"مادة واحدة فقط في القانون تنص على معاقبة الأهل حال زواج الأطفال، هي 96 من قانون الطفل"، بدعوى تعريض صحتة وحياة الطفل للخطر، لكنه من الصعب إثبات الخطر، وفي قانون العقوبات تمثل جنجة وأقصى عقوبة له الحبس لمدة 9 أشهر حال إثباتها"، وفق عثمان.

عثمان يقول إننه زادت مؤخرًا الخطورة المجتمعية لأزمة زواج القاصرات، إذ كانت في بدايتها مقتصرة على ضياع حق الزوجة وإنكار الزواج والأطفال، حتى وصلت حاليا إلى وفيات في أثناء الحمل أو الولادة بسبب صغر سن الفتاة، أو قتل بسبب عدم وعي الزوج بمسؤوليته أو إدراك الزوجة للأمور الأسرية.

المسؤول عدّد دوافع البعض في تزويج قاصراتهن بالظروف الاقتصادية للتخلص من الأعباء المادية للفتاة، أيضا العادات المجتمعية السيئة.

الجميع مسؤولون.. نعم للحساب

عضو اللجنة التشريعية والدستورية بمجلس النواب، الدكتور إيهاب رمزي، أكد ضرورة تشديد العقوبات على كل من ساهم في عقد زواج القاصر، الماذون أو الكاهن أو المحامي، وولي أمرها، الزوج أيضًا بجرم هتك العرض.

أضاف رمزي في تصريحات لـ"تليجراف مصر"، أن دوافع تزويج القاصرات في المجتمع المصري، تتمثل في العادات والتقاليد والموروثات الفكرية القديمة الخاطئة، خوفًا من الفضيحة، وأن تركها حتى سن البلوغ يشكل خطر على الأسرة.

واصل، “أحيانا تدخل القاصر في حالة ارتباط عاطفي غير نموذجي، وبمجرد علم أهلها يزوجونها، ويعتبرون ذلك سبيل قفل باب الفضيحة"، موضحًا أنه تزداد حالات زواج القاصرات بين الأقارب، وتكون “صفقات” في بعض الأحيان.

النائب ايهاب رمزى

يرى “رمزي” أن زواج القاصرات يشكل خطورة مجتمعية، إذ لا تستطيع الفتاة في هذا السن اختيار الزوج بصورة صحيحة، ما يترتب عليه “الفشل”، ويصل الأمر إلى الطلاق في كثير من حالات زواج القاصرات.

طالب النائب بالتوعية المجتمعية بمخاطر زواج القاصرات علي الطفلة جسدياً ونفسياً، لعلاج ثقافة متوارثة، مع ضرورة تطبيق الجانب القانوني على من يخالف.

يرى “رمزي” أن زواج القاصرات يشكل خطورة مجتمعية، إذ لا تستطيع الفتاة في هذا السن اختيار الزوج بصورة صحيحة، ما يترتب عليه “الفشل”، ويصل الأمر إلى الطلاق في كثير من حالات زواج القاصرات.

طالب النائب بالتوعية المجتمعية بمخاطر زواج القاصرات علي الطفلة جسدياً ونفسياً، لعلاج ثقافة متوارثة، مع ضرورة تطبيق الجانب القانوني على من يخالف.

قاصر لا تعلم "تنجب الموت" 

 التأثير الجسدي والنفسي، قال فيه استشاري التوليد وأمراض النساء الدكتور  يحيي دوير، عضو مجلس نقابة الأطباء، إن الأمر يحمل العديد من المخاطر على الزوجة (الطفلة)، بسبب عدم اكتمال جسدها بكل تفاصيله التشريحية والهرمونية، وهو ما يحدث عند سن النضوج 21 عاما.

أضاف دوير لـ"تليجراف مصر"، أن سن النضوج يختلف من فتاة لأخرى، لكن المعدل المتوسط بين معظم الفتيات هو 21 عاما، وحسب الأمم المتحدة، تعد الأنثى طفلة حتى سن 16 عاما.

أوضح أن مخاطر زواج القاصرات تنقسم إلى شقين، الأول نفسية بسبب الصدمة من فكرة العلاقة الحميمية والخوف من الحمل والإنجاب، والثانية، التشريحية والجسدية، إذ لا يكون حجم الرحم والمبيض مكتملا بعد، وبالتالي يؤثر الحمل والولادة على حجم والشكل التشريحي النهائي لعظام الحوض عندها.

 “يتسبب زواج القاصرات في مخاطر على الجنين في أثناء الحمل أو الطفل بعد الولادة، بسبب عدم وعي الأم بطبيعة الرعاية الصحيحة، وبالتالي تزداد نسبة الوفيات، كما يمكن أن تموت الأم لافتقارها إلى أساسيات رعاية نفسها كونها قاصرًا”، وفق يحيى دوير.

أوضح عضو مجلس نقابة الأطباء، أن القاصرات من اكثر الفئات الغير قادرة علي متابعة وسائل تنظيم الأسرة قبل الحمل الغير مرغوب فيه، و حتي بعد الولادة مما يعرض حياتها و حياة حملها و طفلها الرضيع الي الخطر، كما أن  ⁠الأطفال اللذين يولدون الي امهات قاصرات اكثر عرضة للنزلات المعوية و الجفاف و امراض التهاب الصدر و حتي الوفاة.

زواج القاصرات.. لا دين أو دنيا

أكدت دار الإفتاء المصرية، أن زواج القاصرات حرام شرعًا، لما له من أضرار مجتمعية.

وأوضح فيديو موشن جرافيك أنتجته وحدة الرسوم المتحركة بدار الإفتاء، أن الإسلام اعتنى بالأسرة، واهتم بأسس تكوينها،  ولافتًا أنه بالنظر إلى مقاصد الشريعة الإسلامية والحكمة من الزواج، يتبين لنا أن تزويج البنات القاصرات هو عمل منافٍ لهذه المقاصد وتلك الحكمة، ويمثل جريمة في حق الفتيات .

 ذلك لعجز الفتاة القاصر على تحمل مسؤولية الحياة الزوجية والقيام بالأعباء المادية والمعنوية اللازمة لاستمرار الحياة الأسرية، ما يتسبب في الكثير من الأضرار والمفاسد التي تؤدي لفشل هذه الزيجات وزيادة الطلاق.

نوه الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية السابق، خلال لقائه «مع المفتي» على «قناة الناس»، أن زواجَ القاصرات كان مناسبًا لمرحلةٍ سابقةٍ ومحقِّقًا لبعضِ المصالح في الزمن الأول بما يناسبُ بيئتَهم وأحوالَهم، أما الآن فلا؛ فقد اختلفتِ الأحوالُ.

وألمح إلى أن هذا الزواج منعه بعض أهل العلم من التابعين كالإمام ابن شُبرمة والإمام الأصم؛ فقالا ببطلانه، وقولهما يقوي القولَ بمنعه الآن؛ لأنه يجوز الأخذ بأيِّ قول مُعتبر من أقوال أهل العلم بما يحقِّق المصلحةَ ووَفْقًا للاختيار الفقهي المنضبط، وهو تمامًا ما حدث في الأخذ بمسألة "الوصية الواجبة" في مصرَ منذ أكثر من 50 سنة، وهى تجربة فريدة بلا شك.

search