الجمعة، 22 نوفمبر 2024

01:50 ص

مصر تبحث عن فرص جديدة.. هل تعود للاكتفاء الذاتي من الغاز؟

الغاز الطبيعي

الغاز الطبيعي

حسن راشد

A A

تراجع إنتاج مصر من الغاز الطبيعي خلال العامين الماضيين، بنحو 35%، ما يعادل 1.8 مليار قدم مكعبة يوميًا، بسبب توقف عمليات التنمية لحقول الغاز في مياه البحر المتوسط والمناطق الأخرى الواقعة تحت مظلة الشركاء الأجانب، وفق ما ذكره مسؤولون وخبراء في الصناعة.

ومع انخفاض الإنتاج إلى مستويات تتراوح بين 4.8 و5 مليارات قدم مكعبة يوميًا، اضطرت مصر إلى العودة لاستيراد الغاز المسال لتلبية الطلب المحلي المتزايد، ما يمثل تحولًا كبيرًا بعد أن كانت البلاد قد توقفت عن الاستيراد منذ عام 2018، بفضل اكتشافات جديدة للغاز في تلك الفترة، مثل حقل "ظهر"، الذي كان من أبرز الاكتشافات آنذاك.

خطة الحكومة لتعويض النقص

في مواجهة هذا التراجع، تعمل وزارة البترول على زيادة إنتاج الغاز من خلال حفر آبار جديدة وتطوير الحقول الحالية، في ظل نقص إمدادات الحقول القائمة وارتفاع استهلاك الغاز، ما ألقى بظلاله على قدرة الدولة على توفير الغاز محليًا وتصديره إلى الأسواق الخارجية.

وفي مؤتمر صحفي، الأسبوع الماضي، أعلن رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، أن الحكومة تخطط لإعادة إنتاج النفط والغاز إلى مستوياتهما الطبيعية بحلول 2025، بالتعاون مع الشركاء الأجانب. تبع ذلك، إعلان وزارة البترول طرح مزايدة جديدة للبحث عن الغاز والنفط الخام في 12 قطاعًا في البحر المتوسط ودلتا النيل، تشمل 10 قطاعات بحرية وقطاعين بريين، في محاولة لجذب استثمارات جديدة وتعزيز الإنتاج المحلي.

أزمة الاكتفاء الذاتي

بعد بدء الإنتاج من حقل "ظهر" في ديسمبر 2017، وهو واحد من أكبر اكتشافات الغاز في حوض البحر المتوسط، استطاعت مصر تحقيق الاكتفاء الذاتي، حيث بلغ إنتاج الحقل حوالي 3 مليارات قدم مكعبة يوميًا، مع احتياطي غاز يقدر بنحو 30 تريليون قدم مكعب، ما أدى إلى تصدير أول شحنة غاز مسال إلى أوروبا بعد توقف دام ثماني سنوات، ما ساهم في زيادة دخل البلاد من العملات الأجنبية.

 الإنتاج من "ظهر" تراجع إلى حوالي ملياري قدم مكعبة يوميًا بحلول 2023، بسبب تشغيل الحقل عند الحد الأقصى للإنتاج لفترة طويلة، وبجانب تراجع إنتاج حقول أخرى، هبط إنتاج مصر من الغاز من 6.6 مليار قبل عامين إلى حوالي 4.8 مليار قدم مكعبة يوميًا في عام 2024.

خطة تخفيف الأحمال

تسبب تراجع إنتاج الغاز في أزمة طاقة محلية، ما دفع الحكومة إلى تبني خطة "تخفيف الأحمال"، التي تتضمن قطع الكهرباء عن مناطق معينة لساعات محددة لتقليل استهلاك الغاز الطبيعي في محطات توليد الكهرباء التقليدية، لمواجهة نقص إمدادات الغاز، وضمان توزيع الموارد المتاحة بشكل عادل على مختلف القطاعات والمناطق.

أسباب التراجع في الإنتاج

أوضح نائب رئيس هيئة البترول الأسبق، مدحت يوسف، أن توقف الشركاء الأجانب عن تطوير حقول الغاز يعود بشكل رئيسي إلى تراكم المستحقات المالية التي بلغت نحو 5 مليارات دولار، فهم من يتولون عملية تطوير الحقول من خلال حفر آبار جديدة، وهي عملية حيوية لتعويض التراجع السنوي الطبيعي في الإنتاج.

وأضاف يوسف لـ"تليجراف مصر": "لم تقم الشركات الأجنبية بتخصيص استثمارات جديدة لتنمية الحقول، بل ربطت هذا التطوير بالحصول على مستحقاتها".

تأثير التوقف على الإنتاج

وأشار يوسف، إلى أن الحقول المصرية لم تفقد احتياطياتها من الغاز، ولكن عمليات التطوير توقفت في وقت حرج، ما أثر بشكل كبير على الإنتاج، موضحًا أن عمليات التنمية المستمرة ضرورية لتعويض الاستهلاك المتزايد والحفاظ على مستوى الإنتاج.

وتطرق إلى أهمية عمليات تنمية الحقول في الحفاظ على معدلات الإنتاج الحالية للغاز الطبيعي في مصر، مع التأكيد على أنها لن تعيد الإنتاج إلى المستويات السابقة بشكل كامل، مبينًا أن عمليات التنمية تساعد في الحد من التراجع الطبيعي السنوي في إنتاج آبار الغاز وتضيف كميات محدودة، لكن الاعتماد على الحقول القديمة لن يكون كافيًا لتعويض الانخفاض الكبير الذي شهده الإنتاج في السنوات الأخيرة. 

وقال: “تنمية الحقول لن تعوض التناقص الذي حدث بشكل كامل، إنما ستحافظ على المعدلات الحالية”، مضيفًا أن استعادة مصر لمستوى الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي يتطلب اكتشافات غازية جديدة تضاهي حقل "ظهر" الذي ساهم بشكل كبير في تعزيز إنتاج البلاد من الغاز، والجمع بين تنمية الحقول الحالية وزيادة كفاءة إدارة الخزانات البترولية والغازية يعد من الخطوات الأساسية لتحقيق هذا الهدف.

تحديات الإنتاج

أكد خبير البترول، رمضان أبو العلا، أن مصر شهدت انخفاضًا ملحوظًا في إنتاج النفط والغاز في الفترة الماضية، حيث تراجع إنتاج الغاز من حوالي 7 مليارات إلى 5 مليارات قدم مكعبة يوميًا، كما انخفض إنتاج النفط من 650 ألف إلى 520 ألف برميل يوميًا.

وأشار أبو العلا، إلى أن السبب وراء هذا الانخفاض هو تباطؤ عمليات سداد مستحقات الشركاء الأجانب، موضحًا أن وزير البترول الجديد، بدأ في معالجة هذه المسألة بشكل جدي، حيث التقى بالشركاء الأجانب، وأكد  التزام مصر بسداد المستحقات المالية لتعزيز الثقة واستئناف عمليات التطوير والإنتاج.

مع التقدم في توقيع صفقة "رأس الحكمة"، شهدت الموارد الدولارية في مصر انتعاشًا، ما سمح للحكومة بتخصيص حوالي 1.180 مليار دولار لتلبية احتياجات السوق المحلي من الغاز المسال والمازوت، خاصة لمحطات الكهرباء التي عانت نقص الوقود اللازم لتشغيلها، كما ساعدت هذه الصفقة في تسديد جزء من المستحقات المالية للشركاء الأجانب، وتم الاتفاق على سداد الباقي في الأشهر المقبلة لتعزيز الإنتاج من جديد.

search