السبت، 19 أكتوبر 2024

12:14 ص

"قمة قازان".. روسيا تفتش في "بريكس" عن الاستقلال من الدولار

دول بريكس

دول بريكس

حسن راشد

A A

تسعى موسكو إلى تحقيق خطوات جديدة نحو إنشاء نظام مالي عالمي مستقل، مستفيدة من قمة مجموعة "بريكس" التي ستعقد في قازان، في الفترة من 22 إلى 24 أكتوبر، وسط توترات متزايدة بين روسيا والغرب، إذ تراهن على شركائها في المجموعة الاقتصادية لتشكيل نظام مالي بديل يقلل من تأثير العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة عليها.

أهداف موسكو من قمة قازان

وفقًا لمراقبين روس، تُعد هذه القمة جزءًا من سلسلة جهود تسعى من خلالها روسيا لتعزيز التعاون المالي بين بلدان “بريكس”، ومن بين الأهداف الرئيسية التي تسعى موسكو لتحقيقها خلال القمة، هو مناقشة إطلاق عملة جديدة لبلدان المجموعة، وتطوير نظام تسوية مالي دولي مستقل بعيدًا عن الهيمنة الغربية على الأنظمة المالية الحالية.

روسيا تأمل أن توفر قمة قازان منصة لتعزيز أدوات اقتصادية ومالية جديدة تدعم رؤية لنظام متعدد الأقطاب، وذلك من خلال تقليل الاعتماد على الدولار واليورو، ما يمثل فرصة لموسكو لتوطيد علاقاتها الاقتصادية مع دول "بريكس"، إضافة إلى تعزيز دور العملات الوطنية في التعاملات المالية بدلاً من العملات الغربية، خاصة في ظل العقوبات المفروضة على الاقتصاد الروسي.

تحديات "بريكس"

تواجه مجموعة "بريكس"، التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، تحديات اقتصادية نتيجة للصراعات السياسية والاقتصادية العالمية. 

تشكلت المجموعة في أعقاب الأزمة المالية العالمية بين عامي 2008 و2009، كرد فعل على الأزمات المالية التي سببتها القوى الغربية. 

وعلى الرغم من الانتقادات التي تتهم المجموعة بالركود الاقتصادي، إلا أن النمو في التجارة بين دول المجموعة يدل على تصاعد التعاون الاقتصادي بين الأعضاء.

تأثير العقوبات الغربية

منذ ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014، والقيود الاقتصادية الغربية المفروضة عليها تضاعفت بشكل كبير بعد اندلاع حرب أوكرانيا في عام 2022، وأسهمت في تجميد أصول روسية بقيمة 300 مليار دولار، ومنع روسيا من الوصول إلى النظام المالي العالمي "سويفت"، ما أثر بشكل كبير على اقتصادها.

وتخضع روسيا حاليًا لأكثر من 7.7 آلاف عقوبة فردية، جعلتها واحدة من أكثر الدول معاقبة على مستوى العالم. إضافة إلى ذلك، فرضت دول غربية عقوبات ثانوية تستهدف الضغط على الدول المحايدة أو الصديقة لتقليل تعاملاتها المالية مع روسيا.

نظام مالي مستقل

في ظل هذه الضغوط الاقتصادية، تعتمد روسيا بشكل كبير على دعم شركائها في "بريكس" لتطوير نظام مالي بديل، ومن بين الأفكار التي تُطرح حاليًا، إنشاء عملة موحدة لدول المجموعة أو تطوير نظام دفع عالمي بديل لنظام "سويفت"، ما سيتيح للدول الأعضاء حرية أكبر في إجراء التحويلات المالية بعيدًا عن الرقابة الغربية.

رغم أن هذه الخطوات لا تزال تواجه تحديات تنظيمية وسياسية كبيرة، فإنها تُعتبر جهودًا نحو تعزيز استقلال الدول الأعضاء في المجموعة عن النظام المالي الغربي.

توقعات وآمال

تعد قمة "بريكس" المقبلة في قازان فرصة حاسمة لتقييم مدى نجاح المجموعة في تحقيق الأهداف الاقتصادية التي تم تحديدها في السنوات الأخيرة، مثل تعزيز التعامل بالعملات الوطنية وإطلاق بنك التنمية الجديد. 

وفقًا لتصريحات وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، فإن القمة ستشهد عرض تقرير حول إنشاء منصات دفع بديلة بين الدول الأعضاء، لتقليل الاعتماد على الدولار واليورو.

تحديات النظام المالي القائم

منذ اندلاع الأزمة الروسية-الأوكرانية وزيادة العقوبات على موسكو، برزت الحاجة إلى إعادة النظر في النظام المالي العالمي الذي يعتمد بشكل كبير على الدولار واليورو. 

عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع، الدكتور وليد جاب الله، يرى أن العقوبات التي فرضت على روسيا أظهرت كيف يمكن للدول الغربية توحيد جهودها لفرض ضغوط على أي دولة تتعارض مع سياساتها، ما دفع العديد من الدول النامية إلى البحث عن بدائل للنظام المالي الغربي، بما في ذلك استخدام العملات المحلية في التعاملات التجارية الدولية، التي ارتفعت إلى 65% من تعاملات دلو المجموعة.

البحث عن حلول عملية

أحد الأهداف الرئيسية لقمة قازان هو دراسة كيفية تعزيز استخدام العملات الوطنية وتقليل الاعتماد على الدولار، ومن المتوقع أن تسهم القمة في وضع أسس جديدة لنظام دفع دولي مستقل، ما قد يوفر لدول "بريكس" مرونة أكبر في التعاملات المالية.

روسيا، التي تواجه ضغوطًا هائلة من الغرب، تسعى إلى إعادة توجيه تجارتها نحو شركاء جدد ضمن اقتصادات سريعة النمو مثل الصين والهند، تهدف إلى تعزيز استقلالها المالي والاقتصادي.

تحديات العملة الموحدة

وفي تصريحه لـ"تليجراف مصر"، يشير جاب الله، إلى أن إنشاء عملة موحدة أو نظام دفع بديل لن يكون سهلًا، لكنه يمثل خطوة ضرورية لتعزيز التعاون المالي بين دول المجموعة، مبينًا أن التخلي الكامل عن الدولار قد يواجه عقوبات إضافية من قبل الولايات المتحدة، إلا أن هذا لا يعني أن دول "بريكس" يجب أن تتراجع عن جهودها. 

ويضيف أنه يمكن تقديم حلول بديلة تشمل إنشاء عملة غير نقدية تتجاوز الحدود الوطنية، ما يعزز من استقلالية الدول الأعضاء في المجموعة.

وبينما تعمل دول "بريكس" على تعزيز نظامها المالي البديل، تتزايد الضغوط على المنظومة المالية الغربية، إذ ترى العديد من الدول النامية أن اعتمادها المفرط على الدولار واليورو يجعلها عرضة للتقلبات المالية والسياسية، بالتالي، تعد قمة قازان فرصة لمناقشة هذه التحديات ووضع خطط عملية لتجاوزها.

تصريحات نائب وزير الخارجية الروسي، ألكسندر بانكين، توضح أن الطريق نحو إنشاء عملة موحدة لدول "بريكس" لا يزال مليئًا بالتعقيدات القانونية، فلكل دولة من الدول الأعضاء في المجموعة تشريعاتها المالية الخاصة التي تشكل عائقًا أمام تحقيق هذا الهدف.

رغم ذلك، لا يمكن التقليل من أهمية هذه الجهود، حيث يعتقد خبراء أن إنشاء نظام مالي مستقل عن الدولار واليورو سيسهم في تعزيز قدرة "بريكس" على الصمود أمام الضغوط الغربية، بالإضافة إلى تحسين المواقف التفاوضية للدول الأعضاء مع القوى الاقتصادية الكبرى، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

search