الثلاثاء، 29 أكتوبر 2024

12:19 ص

دمار البشر والحجر.. روسيا تخفي مدينة صناعية في أوكرانيا

دمار في بلدة فوفشانسك

دمار في بلدة فوفشانسك

حبيبة وائل

A A

في بلدة “فوفشانسك” الواقعة شرق أوكرانيا، يمكن أن تكون العبارة التي نطقها عمدة المدينة أدق تعبيرًا عن الحال: “إنها بالكاد موجودة بعد الآن”، فقد طال الدمار البشر والحجر.

البلدة الصناعية التي كانت في يومٍ ما مأهولة وهادئة، أصبحت اليوم مشهدًا مروّعًا من الخراب، نتيجة الهجمات الروسية المتواصلة، التي أثارت دهشة حتى في مناطق الصراع المستمر في شرق أوكرانيا.

موقع بائس

رغم أن فوفشانسك ليست مدينة ذات تاريخ عريق، فإن قربها من الحدود الروسية على بعد خمسة كيلومترات فقط جعلها في موقعٍ بائس.

أظهرت لقطات التقطتها طائرات دون طيار تابعة للجيش الأوكراني هذا الصيف مشهدًا مريعًا للمدينة، حيث تمدّدت الأنقاض على مساحات شاسعة.

زادت حدّة القصف على المدينة في الشهور الأخيرة، وصرّح العمدة، الذي يدير شؤون المدينة من العاصمة الإقليمية خاركوف الواقعة على بُعد ساعة ونصف، بأن "نحو 90% من وسط المدينة قد تمت تسويتها بالكامل".

تحليل الأقمار الصناعية

أظهرت صور الأقمار الصناعية التي حللتها مجموعة "بيلينجكات" المتخصصة بالاستخبارات مفتوحة المصدر، أن 6 من أصل كل 10 مبانٍ في المدينة دُمرت بالكامل، في حين دُمرت 18% من المباني جزئيًا.

ويبدو الوضع أكثر قسوةً في مركز المدينة، الذي يُعتبر منطقة الكارثة الكبرى شمال نهر فوفتشا. ورصدت وكالة الأنباء الفرنسية بالتعاون مع "بيلينجكات" ما يحدث في فوفشانسك، التي أُزيلت من على الخريطة مبنى بعد مبنى، لتعكس الصورة مدى الخسائر البشرية والمادية التي لحقت بها.

سرعة تدمير فوفشانسك: شهادة ضابط أوكراني 

وصف الملازم دينيس ياروسلافسكي، الذي شارك في القتال بكل من فوفشانسك وباخموت، سرعة الدمار في فوفشانسك بالهائلة. وأوضح أن ما استغرق شهرين أو ثلاثة في باخموت، تم إنجازه في فوفشانسك في غضون أسابيع، معتبراً هذه المدينة بأنها شهدت "واحدة من أكثر الهجمات الروسية وحشية". 

قبل الحرب، كان عدد سكان فوفشانسك يبلغ نحو عشرين ألف نسمة، وتضم المدينة مصانع ومؤسسات تعليمية وطبية. استولى الجيش الروسي على المدينة بعد اجتياحه لأوكرانيا في فبراير 2022، إلا أن القوات الأوكرانية استعادت السيطرة عليها في هجوم مضاد سريع خلال خريف العام نفسه. إلا أن الهدوء النسبي الذي ساد المدينة لفترة قصيرة تبدد تماماً في العاشر من مايو، حين بدأت القوات الروسية حملة قصف جديدة. 

سكان محاصرون في المدينة المنكوبة 

يروي سكان فوفشانسك الذين تمكنوا من الهروب قصصًا مؤلمة عن الأيام التي عاشوها تحت القصف. تقول غالينا زاروفا، التي كانت تعيش في أحد المباني السكنية التي دُمرت كليًا، أن سكان المدينة "تكدسوا في الأقبية تحت الأرض لأربعة أسابيع" حتى اضطروا إلى الفرار سيرًا على الأقدام. أما زوجها فيكتور، فأكد أن "كل المباني كانت تحترق".

المدينة التي كانت نابضة بالحياة تتحول إلى ذكرى 

قبل الحرب، كانت فوفشانسك تمتلك اقتصادًا قويًا، مع مصنعٍ ضخم للآلات الهيدروليكية ومستشفى إقليمي جُدد بأموال ألمانية. كانت هناك مكتبة ضخمة تضم أكثر من 125 ألف كتاب، لكن اليوم أصبح كل شيء تحت الأنقاض. تقول أمينة المكتبة نيليا ستريزاكوفا بأسى: "لقد كنا بلدةً جميلة مليئة بالحياة. لم يكن أحد يتوقع أن نُمحى في غضون أيام". 

عائلات ممزقة وذكريات أليمة

كانت الحياة قبل الحرب تعج بالتواصل بين العائلات التي تربطها أواصر قرابة بين روسيا وأوكرانيا. اليوم، باتت هذه الروابط ذكرى، كما هو حال كيرا دزافاروفا، التي فقدت الاتصال بوالدتها بعد تدمير منزلها في المدينة، حيث كانت تعيش وحيدة، رافضة الرحيل في سن الخامسة والثمانين. 

إعادة الإعمار 

يخشى السكان والمسؤولون من مستقبل المدينة، ويتساءلون إن كان سيُعاد إعمارها نظرًا لقربها من الحدود مع روسيا. ويبدو الأمر أكثر إيلامًا لرايسا زيموفسكا، التي فقدت زوجها وحماتها في أحد الهجمات، وتعيش اليوم على أمل العثور على جثتيهما لدفنهما بشكل لائق. 

في خضم هذا الواقع القاسي، تعيش المدينة على ذكريات عائلات فرقتها الحرب، ومدينةٍ ضاعت تحت القصف، وسط أسئلة مؤلمة حول ما تبقى من إرثها وما قد تحمله الأيام المقبلة لسكانها.

search