الإثنين، 16 سبتمبر 2024

11:08 م

للصبر حدود!

قبل ساعات من حلول الذكرى الثالثة عشر لأحداث الخامس والعشرين من يناير، دعا الرئيس عبد الفتاح السيسي جموع المصريين للحفاظ على استقرار بلادهم، مستشهدًا بوضع الصومال "الموحول" في صراع سياسيّ وعسكريّ دمويّ منذ ما يزيد عن 30 عاما.

إيماءة ذكيّة، بالنظر لما تقتضيه اللحظة الراهنة من تحديات، وكأنّ الرئيس السيسي لا يريد أن يقولها مباشرةً، فينكأ "الجرح الثوري" النازف منذ سنوات، ويؤلّب علينا "خيباتنا الرومانسية".

إطلالة يمهّد بها لولايته الرئاسية الثالثة، التي لم يؤدِ "يمينها الدستوريّة" بعد، لكنه يحتفظ لها، على ما يبدو، بأيمانٍ واقعيّة مغلّظة. 
أُعلن فوز السيسي رسميًا وبروتوكوليًّا، لكنه كان قد فاز فعليّا في الشارع ومن دون انتخابات، حينما جاءت مواقفه من القضية العربيّة الفلسطينيّة المصريّة الأزليّة موافقة لهوى المصريين جميعًا، وعلى قدر تطلّعهم في قيادتهم، وإيمانهم بقدرتها على لجم عدوّنا الأوّل طبقا لما تُمليه علينا عقيدتنا القتاليّة الراسخة، وتحجيم غطرسته.

لكن طريق التذكير بالصومال، يمرّ الآن بعدو مصر الجديد، إثيوبيا، التي تتراكم ملفاتها لدى القاهرة، بما يستدعي البتّ فيها واحدًا تلو واحد، وأولها بالتأكيد "سدّ النهضة".

لا تنقصُنا إذًا الحجة والمظلّة القانونية التي قد نسوقها ونسوّقها بين يديّ أي تحرّك لحماية أمننا القومي، وإليك واحدةً يا أديس أبابا: الصومال لمنْ لا يتذكر، بلد عربيّ ضمن عضوية الجامعة العربية، ويحق له المطالبة بتفعيل اتفاقيّة الدفاع العربي المشترك، ومصر لا تردّ منْ يستنجد بها، وخصوصا من كان لها شقيقا، و"محدش يجرّب مصر، ومحدش يجرّب مصر".

مصر لا تزال متمسّكة بلغة القانون في جميع خلافاتها الخارجية، لا تحرم منافسيها من حقوقهم، بل في أحيان كثيرة يُقيّد توقيعها على اتفاقيّات تحركاتها وقراراتها.

فإثيوبيا لها كل الحقّ في التنمية، مع مراعاة حقنا نحن الآخرين في الإنماء والتنمية. لها كل الحقّ في البحث عن مخرج لها على البحر الأحمر كدولة حبيسة، لكن مع أن يكون ذلك شرعيًّا ومع أهل الحلّ والعقد في الصومال، وألا يكون ذلك مجالا لترسانة من التسليح على أبواب البحر الأحمر.

"محدش يجرّب مصر"، كرّرها الرئيس السيسي، كإنذار شديد اللهجة، لكل من يختبر صبر مصر. وجاءت متّسقة مع إنذارات سابقة، وبصيغة قريبة."اللي عايز يجرّب يقرّب".
لقد وصلت رسائل الرئيس السيسي بالتأكيد إلى المعنيين بها. والأهم أنها وصلت إلينا كمصريين مهمومين بمستقبل مصر المائي، وأمنها القوميّ.
سيادة الرئيس، نريد أن نجرّب هذا الشعور الوطنيّ دائمًا، الشعور بأننا مستعدون لكل تجارب "الحمقى"، بالحكمة والرشد.. وبالقوّة والعتاد إن تطلّب الأمر. نريد أن نجرّب معك مصر جديدة، في جمهورية جديدة.

title

مقالات ذات صلة

search