لماذا تراجع الذهب بعد فوز ترامب في الانتخابات؟

انخفضت أسعار الذهب في أعقاب الفوز الحاسم للرئيس السابق "دونالد ترامب" في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، حيث عززت تلك الأخبار عائدات السندات والدولار الأمريكي والأسهم لتشهد ارتفاعًا قويًا.

وخسر الذهب يوم الأربعاء (6 نوفمبر) نحو 3% ليصل إلى 2673 دولار للأوقية، فاقدًا نحو 5% من قيمته منذ بلغ ذروته عند أعلى مستوى على الإطلاق عند 2805 دولار للأوقية قبل أسبوع من الانتخابات الرئاسية، حيث دفعت المخاوف من أن سياسات ترامب المقترحة قد تعيد التضخم وعائدات السندات والدولار الأمريكي إلى الارتفاع، ما جعل الذهب أقل جاذبية للمستثمرين، ويؤثر الارتباط السلبي للذهب بالدولار على الأسعار بشكل أكبر في الأمد القريب إذا استمر الدولار في الارتفاع.

تمتع المعدن الأصفر بمكاسب كبيرة منذ بداية هذا العام والتي تخطت 33% مدفوعًا بمشتريات البنوك المركزية المتزايدة والتوترات الجيوسياسية وانخفاض أسعار الفائدة، وقد دفعت التوقعات باستمرار هذه التوترات العديد من المحللين إلى توقع المزيد من المكاسب في سعر تداول الذهب، حيث يرى بنك جولدمان ساكس أن الذهب قد يصل إلى 3000 دولار للأوقية بحلول نهاية عام 2025، وانعكس هذا الارتفاع وسط مخاوف من أن التعريفات الجمركية والهجرة التي اقترحها ترامب قد تعيد إشعال التضخم.

ارتفع العائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات بمقدار 17 نقطة أساس ليصل إلى أعلى مستوى في أربعة أشهر عند 4.46%، على الرغم من قرار البنك الاحتياطي الفيدرالي بخفض سعر الفائدة للمرة الثانية علي التوالي بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماعه الأخير الذي عقد يوم الخميس (7 نوفمبر)، وعززت عوائد السندات من ارتفاع الدولار الأمريكي.

ويعتقد المحللون، "أن استمرار قوة الدولار قد يثقل كاهل الأسهم العالمية وخاصة الأسواق الناشئة ومعظم السلع الأساسية مثل البلاتين والذهب والفضة وهي السلع الأكثر ارتباطًا بشكل سلب بالدولار الأمريكي".

ولقياس تأثير انتخاب ترامب على أسعار الذهب، نحتاج إلى النظر في الأداء العام للسوق، بما في ذلك قوة الدولار الأمريكي ومخاطر التضخم وتوقعات أسعار الفائدة، بالإضافة إلى معنويات المستثمرين وتفضيلاتهم.

قوة الدولار تعيق ارتفاع السبائك

من بين العوامل الأكثر بروزًا التي أثرت على أسعار الذهب مؤخرًا ارتفاع مؤشر الدولار الأمريكي، حيث ارتفع الدولار إلى أعلى مستوى له في أربعة أشهر يوم الأربعاء (6 نوفمبر) بعد فوز مرشح الحزب الجمهوري "دونالد ترامب" بالانتخابات الرئاسية الأمريكية ومع ارتفاع العائدات التي عززت المؤشر.

تغلب الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب على نائبة الرئيس الديمقراطية كامالا هاريس، واستعاد البيت الأبيض بينما فاز الجمهوريون أيضًا بأغلبية مجلس الشيوخ الأمريكي، ويُنظر إلى فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية على أنه رياح معاكسة للذهب حيث يُعتقد أن معظم سياسات ترامب لديها القدرة على إحياء الضغوط التضخمية.

وفي ظل إدارة ترامب، يرى المشاركون في السوق خطرًا يتمثل في خفض أسعار الفائدة من قِبَل بنك الاحتياطي الفيدرالي بشكل أقل مما كان متوقعًا في الأصل، ونتيجة لذلك، قلصت صناديق التحوط رهاناتها الصعودية على المعدن النفيس إلى أدنى مستوى لها في 12 أسبوعا.

إن فوز الجمهوريين باكتساح من شأنه أن يسمح للحزب بإجراء تغييرات تشريعية أكبر، وهذا بدوره من المرجح أن يؤدي إلى تحركات عملة أكبر، قد تعمل سياسات ترامب تجاه الحد من ممارسات الهجرة غير الشرعية والتخفيضات الضريبية وفرض تعريفات جمركية جديدة وإلغاء القيود التنظيمية علي تعزيز النمو ومعدلات التضخم ووقف قدرة البنك الاحتياطي الفيدرالي علي تخفيض أسعار الفائدة، تميل الأصول التي تدر عائد مثل الذهب إلى فقدان جاذبيتها في بيئة أسعار الفائدة المرتفعة مما يدفع المستثمرين إلى وضع رهاناتهم على أصول أخرى أكثر خطورة، وقد تجبر مستويات التضخم المرتفعة البنك الاحتياطي الفيدرالي على مسار تيسير أبطأ، مما يدعم الدولار بشكل أكبر.

أدى الفوز الساحق الذي حققه ترامب في الانتخابات إلى انخفاض حاد في أسعار الذهب مع قيام المتداولين بجني الأرباح للمعدن الأصفر الذي سجل أعلى مستوياته على الإطلاق قبل الانتخابات بأسبوع، كما ظهرت بعض عمليات البيع بسبب المخاوف بشأن ارتفاع محتمل في العجز المالي الأمريكي وموقفه من تحفيز النمو الأمريكي، الأمر الذي من شأنه أن يبرر الاقتراضات الضخمة ويرفع العائدات الأمريكية.

من شأن الاقتراض الأمريكي أن يدعم العائدات الأمريكية ومؤشر الدولار، بالإضافة إلى ذلك، من شأن مقترحات ترامب لخفض الضرائب أن تزيد أيضًا من الاقتراض، حيث من غير المرجح أن تمول التعريفات الجمركية المحتملة على الشركاء التجاريين العجز المالي الناتج.

يتوقع المحللون أن تستمر العائدات الأمريكية في حركتها الصعودية في الأمد القريب، وهو ما سيستمر في دعم الدولار ووضع ضغوط هبوطية على الذهب، وعلى الرغم من عدم لعب دور رئيسي في حركة أسعار الذهب في الماضي فمن المرجح أن تظل هذه العوامل التقليدية ذات صلة في الأمد القريب، ومن المرجح أن تعمل هذه العوامل جنبًا إلى جنب مع تدفقات الصناديق المتداولة في البورصة كرياح معاكسة للمعدن الأصفر.

خلال هذه الفترة، وعد ترامب أيضًا بتخفيف التوترات والصراعات الإقليمية في الشرق الأوسط وروسيا، مما قد يقلل من التأثير الداعم لعدم اليقين الجيوسياسي على أسعار الذهب.

السبائك في فترة ولاية ترامب الأولى

منذ عام 1976 أدى فوز الحزب الجمهوري إلى انخفاض متوسط سعر الذهب ​​​​بنسبة 4.5% في غضون 60 يومًا مقارنة بارتفاع متوسط ​​​​بنسبة 3.8% لفوز ديمقراطي.

خلال رئاسة ترامب السابقة، ارتفعت أسعار الذهب بشكل كبير من 1209 دولار عندما تولى منصبه في 20 يناير 2017 إلى 1839 دولار في يومه الأخير وهو 19 يناير 2021، في حين لا يمكن أن تُعزى هذه المكاسب بشكل مباشر إلى ترامب، إلا أن سياساته ساعدت في تشكيل المشهد الجيوسياسي في الولايات المتحدة وخارجها، فخلال رئاسته كانت الحروب التجارية مع كل من الحلفاء والمنافسين في بؤرة الاهتمام.

كانت الصين هدفًا رئيسيًا لترامب، وبينما كانت الرسوم الجمركية على السلع الصينية سارية بالفعل، طبقت إدارته قيودًا جديدة على المزيد من السلع بما في ذلك الصلب وبطاريات السيارات الكهربائية والسلع الاستهلاكية، كما تدهورت العلاقات مع الهند وفقدت البلاد وضعها التجاري التفضيلي مع الولايات المتحدة، كما انسحب من المعاهدة النووية الإيرانية وفرض عقوبات على أي شخص يتاجر مع إيران.

كان أحد العوامل الأخرى التي دفعت سعر الذهب خلال فترة ترامب هو تفشي جائحة كوفيد 19 والسياسات الحكومية الموضوعة لدعم المواطنين والاقتصاد، على سبيل المثال: أشرف ترامب على جهود تحفيز متعددة، بما في ذلك الحزم التي أُعلن عنها في مارس 2020 وديسمبر 2020، دفعت هذه الإجراءات الكثيرين إلى اللجوء إلى الذهب كملاذ آمن بسبب القلق من ضعف الدولار الأمريكي.

التوقعات المستقبلية

يبدو أن أسعار الذهب في مسار هبوطي في الأمد القريب في أعقاب الانتخابات الأمريكية، ومع ذلك، هناك العديد من العوامل الأساسية التي دفعت الذهب إلى تحقيق مكاسب تخطت 33% هذا العام، ولا تزال قائمة حتي الآن، على سبيل المثال: عمليات الشراء التي تقوم بها البنوك المركزية قوية وخاصة في الاقتصادات الناشئة، وعلى الرغم من أن الصين أوقفت موجة شراء الذهب التي استمرت 18 شهرًا للشهر السادس على التوالي في أكتوبر الماضي، إلا أن المحللين يعتقدون أن الأسعار المرتفعة قد ردعتهم على الأرجح، ومن جهة أخري، قد تؤدي حالة عدم اليقين العالمية واشتعال التوترات الجيوسياسية والإنفاق بالعجز في الولايات المتحدة إلى هروب محتمل إلى أفضل الأصول الآمنة.