عبد الحفيظ سعد يكتب: "الجولاني الغامض".. أسرار في حياة رجل سوريا الأول
عبد الحفيظ سعد
عبد الحفيظ سعد
الغامض.. تعد هذه الكلمة أكثر تعبيرًا يلائم شخصية رجل سوريا الأول حاليا، أحمد الشرع أو أبو محمد الجولاني.
فالأحداث المركبة والمتناقضة في حياة هذا الرجل، تكشف أننا أمام شخصية خطيرة، سواء اختلفت أو اتفقت معه، تفاصيل مسيرة حياته ممتلئة بالتحولات الفكرية، والتغيرات الحركية، لا تجعلنا نتوجس في أن نوصفه بأنه "براجماتي"، ربما بصورة تعجز مصطلحات ميكافيلي التعبير عنها.
التحولات في مسيرة الرجل عميقة وقديمة، وليست وليدة الوضع الذي فيه الآن الذي يتحول فيه لرجل سوريا الأول بعد أن أزاح "الأسد" من عرينه والذي ظل قابعا فيه لأكثر من خمسة عقود، موزعة بين الأب والابن.
في التفاصيل التي بعضها ربما يكون معلومًا، وبعضها يدخل في حكم الأسرار، نقلها بعض المقربين من دوائر الإسلاميين، والذين يحتارون أيضا في الحكم على الشرع، وولائه لتنظيم القاعدة، وعلاقاته المتطورة بالأجهزة الأمريكية، والتي يرجحون أنها بدأت قبل عدة سنوات وليست نتيجة تطور الأحداث الأخيرة في سوريا.
تبدأ المسيرة الغامضة للجولاني من والده حسين الشرع، الأب حسين ينتمي لعائلة ثرية وأصولها ريفية، تمتلك أرضا، حصل على تعليم عالٍ في مجال هندسة البترول من بغداد، وذلك على الرغم من التحول الدرامي في حياة أسرته الغنية التي اضطرت للنزوح بعد أن تركت عن ضيعتها القديمة في منطقة الجولان بعد الاحتلال الإسرائيلي لها في يونيو 67.
وليست هذه المفارقات الأولى للجولاني، والذي اشتقت كنيته من أصل مسقط رأس عائلته الجولانية، بل نجد الأب كما هو مروي عن سيرته كان يميل للأفكار الناصرية القومية، وهذا ما جعله ينتمي لحزب البعث، غير أن الأب حسين الشرع كان أقرب في تفكيره لحزب البعث العراقي وليس السوري، ربما لإعجابه بشخصية صدام حسين عن حافظ الأسد أو لأنه كان يحب العراق، التي تلقى فيها تعليمه للهندسة.
كانت خلافات الزعامة بين حزب البعث العراقي والسوري قوية في تلك الفترة من أواخر السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، دفعت حسين الشرع إلى أن يترك وظيفته في وزارة البترول ويهجر دمشق ويتجه للعمل في السعودية، كخبير أو مهندس بترول، في هذه الأثناء في أوائل الثمانينيات من القرن العشرين، رزق بابنه الأصغر" أحمد".
في الرياض العاصمة السعودية عاش أحمد الشرع طفولته الأولى حتى وصل إلى سن السابعة، عندما قرر الابن حسين أن ينهي عمله في المملكة، ليعود لبلده، ويستقر هناك في أرقى المناطق في العاصمة دمشق في حي "المزة" الأرستقراطي بعد أن حصل الأب حسين على وظيفة مرموقة كخبير في وزارة البترول والمعادن السورية وفرغ نفسه لعمله وتربية أبنائه، أو وضع عدة مؤلفات في مجال تخصصه في تنمية الموارد البترولية والتعدينية.
في الحياة الجديدة للجولاني في دمشق، عاش حياة طبيعية كابن لعائلة مرموقة والده موظف كبير في وزارة النفط السورية يعيش في أرقى أحياء العاصمة، ولم يسمع أو يذكر أنه تعرض في هذه الفترة لأي حوادث تعرض فيها للاضطهاد من النظام السوري، بل بالعكس، طبقا لما جاء فيه سيرته فإنه كان يعيش حياة عصرية في سوريا ولم يكن متزمتا، وكان متفوق دراسيا، ويتردد أنه كان يدرس الطب بجامعة دمشق ووصل فيها للفرقة الثالثة.
صدمة عاطفية
لكن حدث تحول ما في حياة الجولاني في فترة صباه وبداية شبابه الجامعي، وهو ما تذكره دراسة الباحث ومدير التليفزيون السوري حمزة المصطفى والباحث في الجماعات المتطرفة حسام الجزماتي، نشرت في موقع ميدل إيست في يونيو 2021.
التحول الذي حدث في شخصية الجولاني كان في بداية الألفية، وهو على مدخل مرحلة الشباب، تمثل في أنه تعلق قلبه بحب فتاة يعتقد أنها زميلته في الجامعة، لكنه اضطر إلى أن يقطع علاقته بها لعوامل عائلية وطائفية تمثلت في أن الفتاة من الطائفة العلوية، بينما هو من عائلة سنية، فكانت رغبة العائلتين بإنهاء هذه العلاقة الناشئة بين الشاب أحمد الشرع والفتاة العلوية.
الإعجاب بـ بن لادن
شكلت الصدمة العاطفية الأولى للشاب اليافع، تحولا في طريقة حياته وبدأت عليه حالة التزمت وربما غزت لديه المشاعر الطائفية، كما أنها عززت لديه حالة الانطواء عن المحيطين، وساعد على ذلك الأحداث في تلك الفترة، والتي تمثلت في وقوع تفجيرات 11 سبتمبر، وهو ما خلق لديه نوعا من التعاطف والإعجاب بتنظيم القاعدة وتحديدا زعيمه أسامة بن لادن.
وتلاحقت الأحداث ووصلت لحد الاحتلال الأمريكي للعراق، ما زاد حالة الحنق لدى الجولاني الشاب، وهو ما دفعه لأن يقرر أن يترك دراسته وسوريا كلها ويسافر للعراق، لينضم هناك إلى تنظيم القاعدة تحت قيادة أبو مصعب الزرقاوي.
وفي العراق حدث تحول كبير لشخصية الجولاني، بعد أن انخرط في التنظيمات المتطرفة هناك خاصة بعد سجنه من قبل القوات الأمريكية عدة مرات، ويبدو أن فترات السجن أحدثت تحولات ما في شخصيته، هذه التحولات بدأت تظهر في الفترات اللاحقة من حياته ومسيرته، والتي تصلح لسيناريو درامي غريب ومثير.
الحلم السوري
ومع اندلاع الثورة السورية في 2011، قرر الجولاني مع جزء من العناصر السورية الموجودة في تنظيم القاعدة في العراق، العودة لسوريا لينشأ فيها تنظيم جديد يواجه النظام السوري، وأخذ التنظيم اسم جبهة النصرة.
ونجد أنه خلال تلك الفترة حدثت تحولات درامية كبرى في حياة الجولاني، والذي يعزز أنه في تلك الفترة بدأ يفتح قنوات اتصال مع الأمريكان، خاصة بعد السيطرة على جزء من شمال سوريا وتحديدا إدلب، والتي كانت جزءًا من اتفاق ساعدته فيه تركيا، بمباركة من المخابرات الأمريكية، لتسمح له بالسيطرة على المدينة في الشمال السوري، لتكون نواة قادت كما رأينا خلال الأيام الماضية لتكون بمثابة "حصان طروادة" في السيطرة على سوريا كلها وإسقاط نظام بشار الأسد.
ونجد أن الجولاني في هذه الفترة بدأ يتعامل بعقلية براجماتية بداية من فصل نفسه عن تنظيم داعش ودخل في خلافات مع أبو بكر البغدادي، واستعان في ذلك مرحليا بتنظيم القاعدة، لكن سرعان ما بدأ في التخلي عن تنظيمه الأم، وذلك في عام 2014 عندما أعلن فك الارتباط بتنظيم القاعدة وتغيير اسم جبهة النصرة وتحويلها إلى تنظيم أطلق عليه "هيئة تحرير الشام" لتبتعد عن تنظيم القاعدة ظاهريا، غير أنه في الحقيقة فك الارتباط بين تنظيم الجولاني والقاعدة لم يكن كاملا على الأرض، لأن رجل التنظيم في سوريا كان يواجه مشكلة أن عددًا كبيرًا من التنظيم من جنسيات أخرى وخاصة من المصريين، نتيجة أن القاعدة بحكم قيادة أيمن الظواهري لها، غالبية القيادة فيها من تنظيم الجهاد المصري.
ويضاف لذلك أن مجموعات كبيرة من تنظيم القاعدة والجهاد هربت من مصر إلى سوريا عقب سقوط نظام محمد مرسي في مصر، وكان على رأس هذه المجموعة رفاعي طه وأحمد سلامة مبروك وآخرين من المجموعات التي خرجت من السجن عقب العفو الذي أصدره محمد مرسي له، لكن عقب أحداث رابعة لم يكن أمامه ملجأ سوى سوريا، والتي كان تنظيم القاعدة فيها قوي.
ومن هنا لم يتوقف الجولاني عن فك ارتباطه بتنظيم القاعدة، لأن وجود قيادات كبيرة التابعين للقاعدة في سوريا وخاصة المصريين يبدو كان يعوق طموحات الرجل في أنه يدخل اللعبة الدولية ويتقرب من الغرب وأمريكا، في ظل أن اسمه كان موجودا على قوائم الإرهاب من واشنطن، وهو يعني أنه في حالة عداء مع أمريكا، لن تنتهي إلا بالتخلص من قادة تنظيم القاعدة شركائه وشيوخه القدامى.
تصفية رموز تنظيم القاعدة
والملاحظة هنا، والتي كشف عنها مصادر قريبة من التنظيمات الإسلامية أن في تلك الفترة بدأت عملية تصفية لقيادات تنظيم القاعدة والجهاد المصري على يد القوات الأمريكية، بطريقة متشابهة إن لم تكن متطابقة، في بداية أبريل 2016، سعى رفاعي طه، رئيس مجلس شوري الجماعة الإسلامية بتكليف من الظواهري أن يعمل على حل الخلافات بين هيئة تحرير الشام التي يقودها الجولاني، وتنظيم أحرار الشام، وهو تابع أيضا للقاعدة.
وعقب اللقاء مباشرة الذي عقد في مدينة "سرمدا" شمال سوريا في إدلب استهدفت "دورن" أمريكية رفاعي طه واثنين معه من قيادات القاعدة نعاهم أيمن الظواهري عقب مقتله في إدلب.
لكن الغريب أن الجولاني لم يطوله الهجوم والذي قتل فيه قيادات من جبهة تحرير الشام مع رفاعي طه وقيادات مصرية في التنظيم، رغم أنه كان الطرف الثالث في الاجتماع.
وتكرر نفس السيناريو عقب تصفية رفاعي طه، مع قيادي آخر في تنظيم القاعدة، وهو أحمد سلامة مبروك وهو قيادي كبير في تنظيم القاعدة والجهاد المصري، سافر إلى سوريا عقب سقوط الإخوان والذي قتل أيضا عقب اجتماع مع أبو محمد الجولاني في إدلب في أكتوبر 2016.
عملية التصفية الممنهجة والدقيقة ضد قيادات تنظيم القاعدة، والذين كانت آخر تحركاتهم ارتبطت بلقاءات مع أبو محمد الجولاني، وضعت علامات استفهام كثيرة حول دوره في عملية التصفية، خاصة أنها كلها كانت تسير بنفس الأسلوب في تنفيذها عبر مسيرات أمريكية كانت لديها معلومات دقيقة عن قيادات القاعدة، وهو السيناريو الذي تكرر في عمليات التصفية استمرت أيضا ضد منافسي الجولاني في إدلب وعلى رأسهم قادة تنظيم "حراس الدين" وهو تنظيم آخر من المرتبطين بتنظيم القاعدة، والذي تم تصفية قيادات عبر سيناريو المسيرات أمريكية، والتي يلاحظ أنها كانت دقيقة جدا، ما يشكك أن عملية الصيد كانت موجهة في تحديد أماكنهم بدقة، وكانت آخر هذه العمليات تصفية السعودي عبدالرحمن المكي، والذي قتل بنفس السيناريو في أغسطس الماضي 2024، وسبق ذلك تصفية مسئولين عسكريين في تنظيم حراس أبو حمزة اليمين وأبو البراء التونسي.
الشكوك الأخيرة عن دور الجولاني في تصفية قادة القاعدة ومنافسين من الجهاديين، ربما تزيد مصداقيتها، خاصة مع التعاطي الأمريكي الإيجابي في التعامل مع رجل سوريا الآن، رغم أنه على قائمة الإرهابيين المطلوبين لدى أمريكا، ولكن يبدو أنه يتمتع بمرونة وبراجماتية، لدرجة أنه بمجرد أن تمكن من السيطرة على سوريا وصارت له اليد العليا فيها تخلى عن اسمه الجهادي "الجولاني" نسبه للجولان المحتل ليعود إلى اسم أحمد حسين الشرع، وذلك إرضاء لإسرائيل.
-
05:10 AMالفجْر
-
06:43 AMالشروق
-
11:50 AMالظُّهْر
-
02:38 PMالعَصر
-
04:56 PMالمَغرب
-
06:19 PMالعِشاء
أحدث الفيديوهات
أخبار ذات صلة
ظهور صدام حسين.. 4 شائعات متداولة حول سجن صيدنايا
13 ديسمبر 2024 09:46 م
نبيل الحلفاوي.. كبير بصاصين الأهلي على "إكس"
13 ديسمبر 2024 12:25 م
كواليس اجتماع "العدل" والطوائف المسيحية بشأن "الأحوال الشخصية"
12 ديسمبر 2024 07:38 م
ضحية أم عميل؟.. قصة العثور على صحفي أمريكي بعد 12 عامًا بسجون دمشق
12 ديسمبر 2024 03:15 م
أكثر الكلمات انتشاراً