الأحد، 22 ديسمبر 2024

03:40 ص

"بين العقاب والعلاج".. هل يعمق القانون الجديد جراح من يفكرون في الانتحار؟

الانتحار-أرشيفية

الانتحار-أرشيفية

منار فؤاد

A A

ليست مجرد قصة فقدان، بل صرخة تُعبر عن معاناة نفسية، دفعت بزهرة شابة نحو طريق النهاية المأساوية، شهدت مدينة حلوان حادثة مفجعة أدمت القلوب وأثارت الحزن العميق بين أهاليها، حيث أقدمت فتاة تبلغ من العمر 23 عامًا، على إنهاء حياتها بطريقة مأساوية، بعد أن غلبتها مشاعر اليأس و الألم الناتج عن انفصال خطيبها عنها، اختارت أن تنهي حياتها بتناول جرعة قاتلة من دواء مخصص لعلاج الأمراض النفسية، لعلها بذلك تهرب من واقع بات ثقيلًا على قلبها.

التحليل النفسي للانتحار

في تصريحات خاصة لـ تليجراف مصر، قالت  أخصائية علم النفس،  الدكتورة آلاء هندي إن الشخص الذي يُقدم على الانتحار غالبًا ما يكون غارقًا في ألم نفسي شديد ومعاناة عميقة. وأوضحت أن الانتحار ينشأ نتيجة لليأس والتشاؤم، حيث يفقد الشخص القدرة على رؤية حلول أخرى لمشكلاته، ما يدفعه إلى إنهاء حياته كوسيلة للهروب من العذاب الداخلي. وأضافت: "المنتحر ليس مجرمًا بطبيعته، بل هو مريض يحتاج إلى علاج ودعم، أو شخص تعرض لضغوط الحياة حتى ضاقت به، فاختار هذا التصرف المأساوي، يجب علينا النظر إليه بعين الرعاية والعلاج وليس من منظور العقاب والسجن."

وأعربت الدكتورة هندي عن رفضها لتجريم الانتحار دون تحديد الأسباب الجذرية للمشكلة. وقالت: "إذا كان الشخص مستعدًا للتخلي عن حياته، التي هي هبة من الله، وعن أسرته وكل من حوله، فلن يكون هناك قانون يستطيع منعه. لا شيء يمكن أن يردعه حينها."

وأكدت على أن نسبة الناجين من محاولات الانتحار قليلة جدًا، إذ يلجأ الأشخاص إلى وسائل حاسمة لا تسمح بتدخل الآخرين لإنقاذهم، مثل القفز من ارتفاعات شاهقة أو تناول جرعات قاتلة من الأدوية، أو استخدام أسلحة حادة.

حلول بديلة لمكافحة الانتحار

واقترحت الدكتورة هندي حلولًا بديلة لمكافحة الانتحار، من بينها إطلاق حملات حكومية للكشف المبكر عن الأمراض النفسية، وإجراء اختبارات نفسية دورية، مثلما تُجرى حملات قياس الضغط والسكر للكشف عن الأمراض المزمنة. وأشارت إلى ضرورة أن تشمل هذه الفحوصات جميع العاملين في قطاعات الدولة، من صغار السن إلى كبار السن، لتقديم الدعم النفسي والاستشارات اللازمة بانتظام.

واختتمت حديثها بالقول إن تطبيق قانون لتجريم الانتحار قد يؤدي إلى نتائج عكسية، حيث قد يصبح الأشخاص الذين يفكرون في الانتحار أكثر حذرًا وكفاءة في اختيار وسيلة الانتحار، ما يزيد من معاناتهم. وشددت على أن الحل لا يكمن في العقاب، بل في توفير الدعم والرعاية النفسية.

التحليل الاجتماعي للانتحار

من جانبها، أوضحت أستاذة علم الاجتماع، الدكتورة هالة منصور، أن الانتحار يُعتبر جريمة، إلا أن الشخص الذي يُقدم على الانتحار لا يدرك هذا الأمر. ولفتت إلى أن المنتحر يمر بلا شك بحالة اكتئاب حاد، سواء كان اكتئابًا مرضيًا أو ناتجًا عن ضغوط مفاجئة في الحياة، وأكدت أن أهمية تجريم الانتحار تتضاءل في هذه الحالات، حيث لا يعتبر التجريم بحد ذاته ذا فعالية في مواجهة المشكلة.

وأشارت منصور إلى أن الأثر المجتمعي للانتحار يتطلب تغييرًا في كيفية التعامل مع المرض النفسي، مشددة على ضرورة اعتباره مرضًا عضويًا يستوجب التوجه إلى الطبيب للعلاج، دون إحساس بالإحراج أو الوصمة الاجتماعية، لتجنب الوصول إلى مراحل حرجة مثل الانتحار.

قانون العقوبات

على الصعيد الأخر، أوضح أستاذ القانون الجنائي، عرفة موافى، أن القانون الحالي لا يُجرم محاولات الانتحار أو الشروع فيه، لكنه يُجرم التحريض على الانتحار أو الترويج له وفقًا للمادة 177 من قانون العقوبات، وأشار إلى أن التحريض على الانتحار يُعتبر جريمة، لأن المتهم في هذه الحالة ينشر اليأس بين الناس، ويصور الانتحار كحل وحيد لمواجهة صعوبات الحياة وضغوطها، وأضاف أن المشرع أدرك أن الشخص الذي يشرع في الانتحار هو طرف ضعيف يحتاج إلى الحماية من المحرضين.

تجريم محاولة الانتحار

وأكد الدكتور موافي أن هناك مشروع قانون معروض حاليًا أمام مجلس الشعب ينص على تجريم محاولة الانتحار واعتبارها جريمة يعاقب عليها القانون، وينص المشروع على إيداع الشخص الذي يحاول الانتحار في مصحة نفسية لمدة تتراوح بين 3 أشهر و3 سنوات، ما لم يقرر القاضي خلاف ذلك، وأشار إلى أن هذا المشروع يواجه اعتراضًا، لأنه قد يزيد من شعور الشخص الذي يحاول الانتحار بالاضطهاد والظلم من المجتمع، ما يؤدي إلى تفاقم حالته النفسية بدلاً من علاجها.

search