السبت، 21 ديسمبر 2024

03:48 ص

تامر إبراهيم يكتب: الجهاد في سبيل الشيطان (2).. البنا وقطب وإخوان الخيانة

تامر إبراهيم

تامر إبراهيم

في عام 1920، حيث مدينة المحمودية في محافظة البحيرة، أعلن الشاب أحمد السكري تأسيس جمعية "الحصافية الخيرية" رفقة 3 أشخاص، هم: حامد عسكرية وعلي عبيد وحسن البنا، وكان الهدف من الجمعية مواجهة حملات التبشير.

ترأس السكري الجمعية وعيّن حسن البنا سكرتيرًا له، كان السكري -وفق التقديرات- عمره 19 عامًا، بينما كان البنا أصغر منه بسنوات، ما يجعل السكري أستاذ البنا في الدعوة والعمل الإسلامي.

خيانة حسن البنا

سافر البنا إلى القاهرة للدراسة الجامعية، ثم عاد إلى الإسماعيلية لتسلّم مهام عمله كمدرس للخط. وفي 1928، أي وعمره 22 عامًا، أعلن تأسيس جماعة الإخوان المسلمين، إلا أن رواية أخرى من التاريخ تقول إن جماعة الإخوان أسسها أحمد السكري وليس البنا، الذي كان طيلة الوقت في ظل "السكري" وتلميذًا له.

ما يعزز تلك الرواية التاريخية مقالٌ كتبه أحمد السكري ذاته في مجلة صوت الأمة عام 1947، بعدما غدر به حسن البنا وخانه وفصله من الجماعة.

قال السكري في مقال: "استعنت بك أول الدعوة المباركة حتى إذا ما صلب عودك وأكملت دراستك وزاولت عملك فى الإسماعيلية وأنشأت شعبة أخرى، وفتح الله لك القلوب، وتعددت فروع الجماعة، آثرتك على نفسي وبايعتك، وطلبت من الناس أن يبايعوك".

خيانة الرفيق وخيانة الوطن

بدأ عهد البنا بالخيانة مبكرًا، فهو خان أستاذه ومعلمه ورفيقه أحمد السكري، بعدما قاد الأخير جبهة لمحاسبة عبد الحكيم عابدين، صهر حسن البنا، الذي تم اتهامه بالتحرش بنساء الإخوان، وشكّل البنا محاكمة صورية له برّأته، ما دفع أسماء كبرى لمغادرة الجماعة، وفصل البنا أسماء أخرى، على رأسها السكري.

قال السكري عن هذا الأمر: "كنت أفهم يا أخي أن يقضى هذا خلاف بالرأي إلى أن نحتكم إلى إخواننا فى الله، ليقضوا بيننا بروح الإسلام ومنهاج القرآن، أما أنك تستبد وحدك بالأمر، وتنزع ممن حضر من الإخوان تفويضًا بإقصاء من تشاء وفصل من تشاء هربًا من التحكيم، وفرارا من مواجهة الموقف، ودون تمكين من تتهمه أو يتهمك من إبداء رأيه والدفاع عن نفسه فإن هذه ديكتاتورية يأباها الإسلام وتأباها الشرائع والقوانين وتتنافى مع المنطق".

لكن الفضيحة الجنسية لم تكن وحدها التي انكشفت لأحمد السكري والمنشقين عن "إخوان البنا"، بل إن الجماعة التي كانت حريصة على وصف نفسها بـ"الدعوية" ونفي صفة "السياسية" عنها، كان رئيسها حسن البنا يفعل أشياء في السر لا يعلم عنها التابعين له.

كشف أحمد السكري أنه اكتشف خيانة البنا واتصاله بسياسيين سرًا لجني مكاسب شخصية لنفسه، وقال موجهًا حديثه للبنا: "ذهبت  بنفسك مع أحد الإخوان إلى منزل أحد أقطاب الوفديين ليلًا تعرض عليه التعاون معهم لكف حملاتهم، ثم تغلب العناصر النفعية عليك ثانية لنقض هذا التفاهم وإشعال نار الفتنة والحرب الأهلية بيننا وبين الوفد لإرضاء الحكومة، ثم وشاعت الشائعات باتصالك بفئة معينة من رجال السياسة ومساومتهم لك على إخراجي من الدعوة ليصفو لهم الجو، واعترافك إلى بذلك في المستشفى، ففي الرابع من يناير عام 1947 طلبت مني التنحي عن جريدتنا، وعن وكالة الإخوان، وكذا عن نشاطي في الدعوة، وقلت بالحرف الواحد إن هذا بناء على طلب من رجال السياسة، ولما عاتبتك بشدة على سماحك أن يتدخلوا في شؤوننا أصررت وقلت إنك توافقهم على ذلك".

خيانة حسن البنا واصلت مسيرتها، إذ كان قد بدأ عهده في خيانة الوطن. يقول السكري: "اكتشفت عن طريق الصدفة اتصالاتك -حسن البنا- ببعض الشخصيات الأجنبية".

 

الإخوان.. خيانة وحضن الاستعمار

 

أشار أحمد السكري في أحد مقالاته إلى أنه في يوم 25 أغسطس من العام 1940، ثمة لقاء جمع بينهم وبين الجنرال جيلبرت كلايتون، ضابط الاستخبارات البريطاني، والمستشرق جيمس هيوراث دن. وتم الاجتماع في منزل السكري بعدما طلب منه حسن البنا ذلك.

بحسب السكري، فإن مندوبي مخابرات الاستعمار البريطاني قالوا له إن هذه الدعوة -الإخوان- يجب أن تقوى بالمال كي تؤدي رسالتها ودورها، لذلك رأوا أن يمدوا لهم يد المعونة باسم الديموقراطية، فعرضوا 20 ألف جنيه دفعة أولى، فضلا عن سيارة هدية.

السكري قال إن هيوارث طلب منهم آنذاك ألا يتحولوا إلى أصدقاء البريطانيين لأن الخيط الأبيض إذا انقلب إلى أسود في الحال يلفت النظر، بل أراد ألا يطعن البريطانيين من الخلف لأن الألمان والطليان في طريقهم إلى مصر. ثم انتهى الاجتماع دون اتفاق واضح، وحينما أبلغ حسن البنا تفاصيله صمت طويلًا ولم يرد. دون أن يكشف ماذا فعل حسن البنا فيما بعد، لكن كل شيء تم إعلانه وسنذكره تباعًا بالتفاصيل.

جهاد بمال الاستعمار

قبل هذا الاجتماع الاستخباراتي بأحمد السكري، كان ثمة تصرف لحسن البنا يكشف لك كيف كان يفكر الرجل بـ براجماتية وانتهازية منقطعة النظير.

كان لدى الإخوان خطط كبيرة، وفي سبيل ذلك مستعدون لفعل أي شيء في سبيل ذلك، ومستعدون أيضًا أن يفعلوا في الخفاء عكس ما يظهرون في العلن.

هذا ليس تحليلًا أو تجنيا أو محاولة للكيد، بل هي مجرد قراءة متجرّدة لمذكرات حسن البنا شخصيًا.

البنا في مذكراته "مذكرات الدعوة والداعية" اعترف بتلقيه الأموال من الاستعمار من أجل بناء مقر ومسجد للجماعة في الإسماعيلية. ففي البداية حاول جمع التبرعات، لكنه وجماعته فشلوا في ذلك، لكن شيئًا ما حدث غير كل شيء.

قال البنا إنه "تصادف" مرور البارون دي بنوا، مدير شركة قناة السويس، وكان يرافقه سكرتيره مسيو بلوم، أمام المبنى المراد إنشاؤه، وطلبوا معلومات عن المبنى، ثم انصرفوا وبعدها أرسلوا أحد موظفي قناة السويس لدعوة حسن البنا للقاء البارون.

ذهب البنا إلى البارون وتحدث معه ثم قدم طلبًا، وبعد عدة شهور دعاه البارون مرة أخرى للقاء ثان، فذهب له وقدّم له البارون 500 جنيه لبناء المسجد والمقر، وتسلّم الشيخ محمد حسين الزملوط المبلغ بصفته أمين صندوق الجماعة.

تجنيد لخدمة المصالح وضرب القوى الوطنية

ذكرنا في ذلك الرصد الاجتماع الذي اعترف أحمد السكري بعقده تنفيذًا لتوجيهات حسن البنا، مع ضابط المخابرات البريطاني الجنرال جيلبرت كلايتون، والمستشرق جيمس هيوارث دن.

وقبل أن أسرد شهادته، فعليّ أن أذكر هوية جيمس هيوارث دن، فهو مستشرق بريطاني جاء إلى مصر في ثلاثينيات القرن الماضي، وتزوج من مصرية بعد أن أشهر إسلامه، وكان عنصرًا مهمًا لدى الاستخبارات البريطانية، فكوّن علاقات واسعة مع الساسة المصريين والحركات الفكرية والإسلامية، وعلى رأسهم حسن البنا وسيد قطب، وما يثبته مقال أحمد السكري الذي كشف من خلاله تواصلهم -الإخوان- مع الاستخبارات البريطانية بحضور هيوارث دن.

للرجل البريطاني المثير كتابات عديدة عن الجماعة، رصد فيها أنه تم فتح قنوات اتصال بين الاستعمار البريطاني والإخوان لإقامة تحالف، والإخوان هم من طلبوا ذلك.

وأشار إلى أن حسن البنا أرسل عبر وكلاء في نهاية عام 1941، رسالة يؤكد من خلالها استعداده للتعاون مع البريطانيين مقابل المال، لذلك ذهبوا للاجتماع معه، فأوكل إلى أحمد السكري الجلوس معهم من أجل التفاوض، وهو ما أكده السكري.

هيوارث قال نفس رواية السكري عن هذا الاجتماع السري، الشيء الوحيد الذي اختلفوا فيه أن السكري وقتها طلب 40 ألف دولار للجماعة وسيارة هدية له، غير أن السكري قال إنهم عرضوا 20 ألف جنيه وسيارة هدية كرشوة له. وكل هذا في سبيل ضرب القوى الوطنية الأخرى بقوى دينية إسلامية.

سيد قطب يظهر في الصورة

هيوارث دن، رجل المخابرات والمستشرق القريب من الإسلاميين آنذاك، لم يكتفِ بعلاقاته المتعددة مع الإخوان، بل كان صديقًا لسيد قطب، وتحوم الشكوك حول لعبه دورًا في تحوّل قطب من أديب إلى إرهابي.

تعرّف هيوارث إلى سيد قطب حينما كان شابًا أديبًا وإسلاميًا وسطيًا، وفي ذلك الحين كان سيد قطب لا يحب حسن البنا أو الإخوان، وثمة أزمات حدثت بين قطب والبنا.

سيد قطب أصدر مجلة الفكر الجديد عام 1948، وكان تمويلها من أحد كبار الإخوان وهو محمد حلمي المنياوي، وكونه ليس إخوانيا أمر أزعج حسن البنا، الذي حارب سيد قطب وحرمه من إعلانات واشتراكات قبل أن تتوقف المجلة بعد عام واحد بسبب قانون الطوارئ.

ويقول هيوارث عن ذلك الصدام: "كان حسن البنا إنسانًا غيورًا، فلم يستسغ منافسة سيد قطب له في مجال الإصلاحات الاجتماعية على أُسس إسلامية، كان يريد أن يكون هو الحبْر الأعظم، وألا يكون ثمة آخر غيره في مصر".

يذهب بعض المحللين إلى أن هيوارث دن هو من دبّر لسيد قطب سفره إلى الولايات المتحدة الأمريكية، مستغلا نفوذه لدى الاحتلال البريطاني.

المحللون يرتكزون على عدة معلومات تؤكد وجهة نظرهم، مثل أن هيوارث أدرج اسم سيد قطب في بعثة وزارة المعارف عام 1948، رغم أن قطب قد استقال من الوزارة في وقت سابق لإدراج اسمه ولا يحق له التقدم بذلك الطلب كونه لم يعد عاملًا بالوزارة، وأيضًا في ذلك الوقت كان قد تجاوز السن القانوني للابتعاث للخارج، كما أنه لم يتحدّد لسيد قطب أي جامعة يلتحق بها، إذَا فكيف سافر ولماذا حصل على استثناء من الاحتلال البريطاني وماذا حدث خلال 3 سنوات في أمريكا جعلته يتبدّل ويتحوّل من أديب إصلاحي إلى متطرّف، وماذا دار بينه وبين هيوارث الذي لحق به في أمريكا؟

كل تلك الأسئلة ليست الوحيدة في سلسلة الجهاد في سبيل الشيطان، بل هناك أسئلة أخرى كثيرة وكواليس واعترافات وأسرار نرويها تباعًا لكشف خطة الدول الاستعمارية باستخدام الجماعات الإسلامية لتنفيذ مخططاتها في الشرق عمومًا ومصر خصوصًا

search