الثلاثاء، 07 يناير 2025

10:14 م

دولة تعود لـ"الحطب" بعد قطع الغاز الروسي.. ما هي ترانسنيستريا؟

ترانسنيستريا- أرشيفية

ترانسنيستريا- أرشيفية

سيد محمد

A .A

أدت القرارات الأخيرة لقطع الغاز الروسي عن أوكرانيا إلى إظلام بلد بأكمله بعد أن توقفت إمدادات النفط بشكل كلي عنه، إذ تعتبر “ترانسنيستريا” من الدول غير المعترف بها دوليًا وأسستها موسكو، لتتركها اليوم فريسة سهلة بعد وقف العمود الفقري الاقتصادي الأول لها.

وكشفت صحيفة “البايس” الإسبانية، انتهاء حقبة الازدهار الاقتصادي المزعوم في ترانسنيستريا، الإقليم الانفصالي الموالي لروسيا والمعترف به دوليًا كجزء من مولدوفا، عام 2016. 

ويبلغ عدد سكان هذا الإقليم، الذي أعلن استقلاله من جانب واحد في عام 1990، حوالي نصف مليون نسمة، ويمتد على شريط ضيق بين نهر دنيستر وأوكرانيا.

في ذروته، كان الإقليم يضم تسعة بنوك تجارية، إلا أن الانهيار المالي أدى إلى تقليص هذا العدد بشكل كبير. اليوم، يوجد بنك واحد متخصص في التصدير، وآخر تم دمجه مع بنك تسيطر عليه مجموعة شريف، وهي القوة الاقتصادية والسياسية الرئيسية في الإقليم، بينما ينتمي بنك ثالث إلى روسيا، أما البنوك الأخرى، فقد تمت تصفيتها أو هي في طريقها لذلك.

انهيار الاقتصاد المحلي

في عام 2016، تسبب نقص احتياطات العملات الأجنبية في البنك الوطني لترانسنيستريا في أزمة كبيرة، وردت السلطات في العاصمة تيراسبول بإصدار قانون يُجبر الشركات على بيع احتياطياتها من العملات الأجنبية، مع تثبيت سعر الصرف عند 16 روبل ترانسنيستري مقابل الدولار.

خلال العام نفسه، بدأ كل من مولدوفا وترانسنيستريا في الاستفادة من اتفاقية الشراكة والتجارة الحرة التي وقعتها مولدوفا مع الاتحاد الأوروبي عام 2014، وأدى ذلك إلى زيادة عدد الشركات المسجلة من ترانسنيستريا في وكالة الخدمات العامة بمولدوفا إلى 2400 شركة. 

التفاوت الاقتصادي مع مولدوفا

ورغم هذه التحركات، ازدادت الفجوة الاقتصادية بين الجانبين، حيث تراجعت الأجور في ترانسنيستريا إلى حوالي 370 يورو شهريًا مقارنة بـ740 يورو في مولدوفا. 

وفي حين استفادت ترانسنيستريا من إعفاء ضريبي على السلع الواردة من ممولدوفا، مما جعل منتجاتها أرخص بنسبة 30-40%، قررت مولدوفا في العام الجاري فرض ضرائب على الصادرات الأساسية القادمة من الإقليم، ودفع ذلك ترانسنيستريا إلى طلب الدعم من روسيا لمواجهة "الضغوط" المولدوفية.

تأثير الحرب في أوكرانيا

وفاقمت الحرب في أوكرانيا من أزمة ترانسنيستريا، حيث أغلقت كييف الحدود مع الإقليم، مما أجبره على الاعتماد الكامل على المعابر الخاضعة لسيطرة مولدوفا، لأول مرة منذ أكثر من 30 عامًا، وباتت السلطات في كيشيناو تتحكم في حركة التجارة من وإلى ترانسنيستريا.

الاعتماد على الغاز الروسي

تعتمد ترانسنيستريا بشكل أساسي على الغاز الروسي المجاني الذي يُستخدم في إنتاج الكهرباء والمعادن، وهما قطاعان حيويان يصدران إلى الاتحاد الأوروبي، خاصة إلى رومانيا ومولدوفا، وبدون هذا الغاز، ستنهار اقتصاديات الإقليم تمامًا، حيث تعتمد الحكومة في تيراسبول على هذه العائدات لدفع رواتب الموظفين وتغطية العجز المالي الذي يمثل 55% من الناتج المحلي الإجمالي.

دور مجموعة شريف

وتهيمن مجموعة شريف التي يملكها الملياردير فيكتور غوشان على اقتصاد ترانسنيستريا، حيث تحقق أرباحًا سنوية تصل إلى 423 مليون يورو، وتمتلك أكبر بنك في الإقليم، بالإضافة إلى سلاسل محلات تجارية ومحطات وقود، فضلًا عن شركات الاتصالات وصناعة الكحوليات والنسيج.

ويؤكد الخبراء أن اقتصاد ترانسنيستريا غير مستدام ويعتمد كليًا على الدعم الروسي، وبدون هذا الدعم، ستنهار المنطقة اقتصاديًا خلال 24 ساعة، ورغم محاولات كيشيناو لدمج الإقليم ضمن اقتصادها، لا تزال التحديات السياسية والجيوسياسية تعرقل هذا الهدف.

غلق صنبور الغاز

وتأتي الأزمة الكبرى عندما أعلنت شركة الطاقة الروسية العملاقة غازبروم المملوكة للدولة في 28 ديسمبر أنها ستوقف إمدادات الغاز اعتبارًا من 1 يناير 2025 إلى منطقة مولدوفا والذي بالتالي سيؤثر على ترانسنيستريا باعتبارها جزءًا منها جغرافيا، بحسب صحيفة كييف إندبندنت الأوكرانية.

في حين أن الاتفاق الذي يسمح بتدفق الغاز الروسي إلى مولدوفا ودول أوروبية أخرى عبر أوكرانيا ينتهي في نهاية العام، وقالت شركة غازبروم إن القرار يتعلق بالديون المستحقة على مولدوفا، وليس المشاكل المتعلقة بالنقل، وهو ما يؤدي بالتبعية لوقف ضخ الغاز الروسي عن ترانسنيستريا.

وقال رئيس الوزراء المولدوفي دورين ريسيان في منشور على أحد مواقع التواصل الاجتماعي: "تستخدم روسيا الطاقة كسلاح سياسي، وتحول الناس في منطقة ترانسنيستريا، التي تسيطر عليها من خلال جيشها المتمركز بشكل غير قانوني، إلى رهائن".

الحل هو الحطب

وحث رئيس دولة ترانسنيستريا في مولدوفا السكان على حرق الحطب للتدفئة وحذر من أنه لا يمكن تجنب انقطاع التيار الكهربائي، بعد أن أوقفت موسكو توريد الغاز عبر أوكرانيا، بحسب تقرير لقناة “سي إن إن” الأمريكية.

وقال فاديم كراسنوسيلسكي، رئيس ترانسنيستريا، في رسالة على تيليجرام يوم الجمعة إن "1500 مبنى سكني متعدد الطوابق ليس بها تدفئة ومياه ساخنة، ونحو 72 ألف منزل خاص ليس بها غاز، وتم إغلاق مائة وخمسين منزلا يعمل بالغاز".

وأضاف: "لحسن الحظ أن منطقتنا غنية بالخشب، ولا تزال هناك احتياطيات"، وحث سكان المناطق الريفية التي بها مواقد نشطة على البحث عن الخشب وحرقه حيثما أمكن.

ومن المتوقع أن تظل درجات الحرارة في عاصمة ترانسنيستريا تيراسبول أعلى قليلا من درجة التجمد خلال عطلة نهاية الأسبوع، مع مرور موجة البرد في معظم أنحاء أوروبا، على الرغم من أن الشتاء الأوروبي كان معتدلا نسبيا حتى الآن.

search