الأربعاء، 08 يناير 2025

04:18 ص

حسن أبو عتمان.. شاعر المهمشين الذي صنع نجومية أحمد عدوية

الشاعر الغنائي حسن أبو عتمان

الشاعر الغنائي حسن أبو عتمان

"سلامتها أم حسن"، "كله على كله"، "زحمة يا دنيا زحمة"، وغيرها أغنيات رائعة يحفظها المصريون عن ظهر قلب، لكن كثيرين ممنْ تعلقوا بها لا يعرفون الشاعر الذي أبدع كلماتها، وكان سببًا في صناعة نجومية الأسطورة أحمد عدوية، وآخرين ممن حلقوا في فضاء الأغنية الشعبية، وأبرزهم الفنان الراحل محمد رشدي.. فما هي قصة الشاعر المحلاوي حسن أبو عتمان؟

شاعر المهمشين

على الرغم من أنه صنع نجومية العديد من أساطين الطرب والغناء وكان قريبًا وملاصقًا لعالم المهمشين والبسطاء، لم يحظ حسن أبو عتمان (15 يوليو 1929 - 19 يونيو 1990) بهذا البريق الذي رافق نجاح أغنيات تركت أثرًا في وجدان الملايين ولا تزال تحظى بنسب استماع ومشاهدات عالية على منصات إلكترونية مثل "يوتيوب" و"ساوندكلاود".

حسن أبو عتمان

ومع بداية توهجه فنيًا، استطاعت كلماته أن تصل إلى أساتذة الغناء في ذلك الوقت، بسبب خفة ظلها أحيانًا ومشاعر الشجن التي تغلفها أحيانًا أخرى، حتى أنها لفتت نظر موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، الذي قال حين استمع لإحدى أغنيات أحمد عدوية: "هذا المطرب يسمعه المهمشون في العلن ويسمعه المثقفون في الخفاء"، ولا شك أن جزءًا من إعجاب عبدالوهاب بالأغنية مرتبط بكلماتها التي أبدعها حسن أبو عتمان.

بداية الرحلة

وُلِد حسن أبو عتمان في مدينة المحلة الكبرى بمحافظة الغربية، في 15 يوليو عام 1929، وحين وصل إلى الصف السادس الابتدائي، أصيب بسحابة بيضاء في عينه، فأنهت أسرته رحلته مع التعليم مبكرًا، ولمّا أتم الرابعة عشرة من عمره عمل موظفًا في شركة مصر للغزل والنسيج بمدينة المحلة، وكان وقتها يكتب الزجل وله نشاط واضح في مسرح الشركة التي ظل يعمل بها لمدة 10 سنوات قبل أن يتركها ويفتتح لنفسه صالون حلاقة.

الشاعر الغنائي حسن أبو عتمان

شاعر وحلاق!

ومثلما كان "الشعر" الذي يكتبه يحظى بإعجاب أصدقائه، نجح "أبو عتمان" في مهنة "تصفيف الشعر"، ومع هذه المهنة الجديدة كان يحس أنه فنان يرسم لوحة لوجه إنسان وكان يحلم بأن تُعقد مسابقات في مجال الحلاقة لإحساسه بأنه سيتفوق فيها، خصوصًا بعد أن وصل لدرجة من الاحترافية جعلته مشهورًا في هذا المجال على نطاق واسع داخل مدينته.

وحين بلغ الخامسة والثلاثين من عمره، انتقل للإقامة في القاهرة وكان ذلك في عام 1964، وهناك عاش بمنطقة "أبو قتادة" في بولاق الدكرور، وترك أبناءه مع زوجته في بيت أبيه بمدينة المحلة وكان يزورهم من حين لآخر.

وبعد 10 سنوات، كانت أوضاعه قد استقرت في العاصمة، فأرسل إلى زوجته وأبنائه للإقامة معه، والتأم شمل الأسرة في شقة متواضعة بشارع "النويش" بمحافظة الجيزة.

بنت الحلال

في رصيد حسن أبو عتمان الكثير من الأغنيات الجميلة، لكن "بنت الحلال" هي أول أغنية كتبها في بداية رحلته الفنية، وتقول كلماتها:

بنت الحلال اللي عليها النية..

تسوى ملايين

بس لو بإيديه..

قولوا لأبوها المهر غالي عليا

عرباوي

أما البداية الحقيقية فكانت مع المطرب محمد رشدي، حيث ترك له أولى بصماته من خلال أغنية "عرباوي" التي لحنها الموسيقار حلمي بكر، ويقول مطلعها:

عرباوي شغلاه الشابة الحلوة الشابة الأمورة

أم التربيعة بترسم ضلاية على القورة

وضفاير غارت م القصة

رقصت على رن الخلاخيل

وعيون يا صبايا ما تتوصى

غية وبتطيّر زغاليل

محمد رشدي

مواويل حسن أبو عتمان

وانطلق التعاون بين المطرب الشعبي الناجح والشاعر المتميز خفيف الظل إلى فضاءات أرحب، وتعددت الأغنيات التي كتبها أبو عتمان لمحمد رشدي، وأبرزها "حسن ونعيمة" و"والله فرحنالك يا وله"، وغيرها من المواويل التي يحفظها الكثيرون عن ظهر قلب حتى يومنا هذا.

سلامتها أم حسن

في تلك الفترة كان الفنان أحمد عدوية يغني في فرقة متخصصة في الأفراح الشعبية، وتصادف أن رآه حسن أبو عتمان، حين كان يغني "السح الدح إمبو"، وبدأ التعاون بينهما بأغنية "سلامتها أم حسن" التي حققت نجاحًا هائلًا، والتي ستكتشفون في السطور التالية أنها لم تكن مجرد أغنية شعبية!

ولاحقًا بدأت الانطلاقة الحقيقية لـ"أبو عتمان" في دنيا الأغنية الشعبية، حيث كتب للنجم أحمد عدوية مجموعة من أروع أغنياته التي حققت نجاحًا جماهيرًا واسعًا، مثل "كله على كله" و"زحمة يا دنيا زحمة" و"يا بنت السلطان" و"يا ليل يا باشا" و"كراكشنجي".

أحمد عدوية

صدمة واكتئاب

آلة الشعر التي كانت تدور سريعًا وتضخ أغنيات لمست وجدان ملايين المصريين وحتى العرب المولعين بالفن المصري، توقفت فجأة عن الضخ، وكان ذلك على وجه التحديد في عام 1984، حين تعرّض أحمد عدوية لحادث أدى لعدم قدرته على الغناء لسنوات، ما سبّب صدمة لمبدع كلمات أغنياته، حيث دخل حسن أبو عتمان في حالة اكتئاب شديد، وامتنع عن بيع أغانيه التي تجاوز عددها 75 أغنية، فلم تجرِ على لسان أي مطرب، واكتفى بكتابتها والاحتفاظ بها في الأدراج، ومنها أغنية "يا أم الحجاب" و"دنيا مريضة وعايزة علاج".

مصر.. و"أم حسن"

ولم يكن حسن أبو عتمان مجرد شاعر يكتب أغنيات شعبية خفيفة الظل، بل كان يحمل هموم وطنه ويعبر عنها في أشعاره الغنائية، فمثلًا أغنية "سلامتها أم حسن" كتبها بعد نكسة 1967، مشبهًا مصر بأمه "أم حسن"، ويقول في كلماتها:

سلامتها أم حسن

م العين ومن الحسد

وسلامتك يا حسن

م الرمش اللي حسد

جالها الدور اللي ماشي

والدور مانيمهاشي

والعين ماسايبهاشي

محسودة أم حسن

كله على كله

أما "كله على كله" فكتبها بعد نصر أكتوبر 1973، وهو ما تعكسه كلمات الأغنية:

كله على كله

لما تشوفه قوله

هو فاكرنا إيه

مش ماليين عينيه

روح قوله حصل إيه

قوله على كله

شاعر حتى النفس الأخير

وظلت مَلكة الشعر مهيمنة على "أبو عتمان" وتخايله أحلام القصيدة حتى النفس الأخير في حياته، حيث أصيب بمرض في الجهاز التنفسي، ويقال إنه قبل وفاته يوم 19 يونيو 1990 قال لابنه: "ماكنش العشم يا دنيا أشوف الذل بعنيا"، فقال له: ليه كدا؟، فرد عليه قائلًا: "كدا خلاص".

فقال له ابنه: "تعالى قوم علشان تنام"، فرد عليه والده المريض بكلمات مرتّبة كانت بمثابة أغنيته الأخيرة في الحياة: "أنام أنا.. إزاي أنام.. وفين أهرب من الأيام.. دا أنا لو يوم غلبني النوم.. بأكون آخر عيون بتنام".. ثم توفي بعدها بساعة تقريبًا عن عمر ناهز 61 عامًا.

search