تامر إبراهيم يكتب: صفقة معلنة وصفقات خفية.. ماذا يخطط دونالد ترامب؟
![تامر إبراهيم تامر إبراهيم](https://media.egypttelegraph.com/2024/1/large/16631706433396202401270924202420.jpg)
تامر إبراهيم
"إبرام الصفقات موهبة يولد بها الشخص أكثر من أي شيء آخر، إنها موجودة في الجينات".. تلك هي عقيدة دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، الرجل الذي لا ينفك عن عقد الصفقات التي ترسم ملامح سياساته العامة وأساليبه في التعامل مع الدول.
قبل أيام هدّد دونالد ترامب المكسيك وكندا وبنما والدنمارك، ورفع سقف تهديداته عنان السماء، وما كان لتلك الدول إلا محاولة الخروج دون خسائر كبيرة في معركة الابتزاز تلك، حتى وإن خرجت من بعضهم تصريحات رنانة وشعبوية، إلا أن ترامب لن يخرج خاسرًا أبدًا في تلك المعركة، بل سوف يحصل على ما يريده.
رجل الابتزاز والصفقات
لن يوجد على الأرض من يمكنه قراءة عقل دونالد ترامب أفضل من دونالد ترامب نفسه، فبمطالعة كتابه "فن الصفقة" الذي صدر في العالم 1987، يمكن الاقتراب بشدة من عقل الرئيس الأمريكي.
لترامب فلسفته الخاصة التي تضمن عدة محاور لا ريب فيها، فالرئيس الأمريكي يعتمد استراتيجية "التضخيم الصادق" جزءًا من تكوين فلسفته التجارية والسياسية، إذ تشير تلك الاستراتيجية إلى ضرورة المزج بين المبالغة والتفاؤل الذي يمكن ترامب من خلق اهتمام واسع المدى بالمشروعات التي يطرحها والأفكار التي يروج لها.
"التضخيم الصادق" ليست مجرد استراتيجية تجارية، بل هي سلاح بيد ترامب دائمًا ما يستخدمه للترويج لمشروعاته وخلق زخم عام لها، ما يسمح له بعقد الصفقات مثلما يريد، وليس بالضرورة أن تكون تلك الصفقات ما تحدث عنه ترامب بالفعل، فالكلام الصادر عنه جزء من استراتيجيته لتحقيق مكاسب لم يتحدث عنها بالكلام.
تفكيك عقل ترامب
عقل ترامب شرحه وكشف خباياه الرجل نفسه في كتابه، فهو يؤمن بضرورة الطموح لأهداف كبيرة للغاية ومشاريع ضخمة، مثلما يؤمن بضرورة استغلال الأوقات الصعبة في عقد الصفقات، فالأوضاع غير المستقرة تقدم له فرصًا لا تتكرر مثلما هو يوضح.
كل هذا لا يمكن تحقيقه إلا بترويج إعلامي واستغلال للأدوات الإعلامية لصالحه، فعقيدته تشير إلى ضرورة إثارة الاهتمام بما يطرحه من مشروعات وخطط، كما يؤمن أنه لا بد من أن يستخدم تأثيره القوي للحصول على أشياء مهمة لدى كل الأطراف بإقناعها أن في بيعها مصلحة شخصية لهم، وهو ما تجلى في حديثه عن تهجير سكان قطاع غزة لأنه يريد لهم حياة أفضل ويريد للقطاع مستقبلا منعما بتحويله إلى منطقة عالمية.
ولتدعيم كل ذلك، يرى دونالد ترامب أنه حينما يعامله الناس بشكل سيء فما عليه إلا أن يرد بقوة، لأن ذلك الشكل السيء إن لم يتم ردعه فسيصبح الموقف أكثر سوءًا.
صفقة القرن
بالتأمل في عقلية وفلسفة دونالد ترامب يمكننا اكتشاف ماذا يدور في عقله وما هي استراتيجيته لعقد الصفقات، لكن ثمة صفقة لا بد من استرجاعها لمحاولة فك شفرة الصفقات التي يلوح بها ترامب في الشرق الأوسط.
في يناير 2020 كٌشف النقاب عن خطة دونالد ترامب للسلام في الشرق الأوسط التي سٌميت إعلاميًا بـ "صفقة القرن"، تلك التي وضعها مع ترامب، مستشاره وصهره جاريد كوشنر.
أوراق تلك الصفقة -التي رفضتها مصر بشدة- تشير إلى أن حدود إسرائيل الشرقية تكون في غور الأردن، وتقلص مساحة الدولة الفلسطينية لتكون أصغر بكثير من حدود 1967، وتكون عاصمة فلسطين إحدى ضواحي القدس الشرقية، وليست القدس ذاتها، وتكون الدولة منزوعة السلاح ولن ترى النور إلا باعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة الإسرائيلية.
الصفقة تلك تؤكد حتمية انتزاع حماس من السيطرة على قطاع غزة وتخليها عن الأسلحة، وتكون المسؤولية الأمنية عن كامل الأراضي في يد إسرائيل، التي سوف تتحكم في المجالات الجوية والبحرية بشكل كامل.
ترامب وإسرائيل
إسرائيل كانت وتظل هي قضية دونالد ترامب الأولى، مثلما الصين قضيته التجارية الأهم، فالرئيس الأمريكي وصف نفسه بأنه أفضل صديق لإسرائيل، وكان له وعد واضح وهو "سنجعل إسرائيل عظيمة مرة أخرى".
يرى ترامب نفسه أنه المدافع الأول عن اليهود وحاميهم، وأفضل صديق على الإطلاق لهم. لذلك فهو لا يفكر إلا في إرضاء هذا اللوبي الصهيوني القوي، وضم ماله السياسي إلى خزائنه.
صفقة اليوم التالي
إذا عرفنا فلسفة ترامب في عقد الصفقات، وملامح صفقة القرن في الشرق الأوسط، ومدى علاقته بالإسرائيليين خاصة واللوبي الصهيوني عامة، فماذا نكتشف بعد كل ذلك من خطة ترامب لليوم التالي بعد الرفض العالمي لتهجير الفلسطينيين؟
بعد التضخيم الذي فعله ترامب واستخدم فيه كل وسائل الإثارة ورسائل التهديد المبطنة، والوعود بتحويل غزة إلى جنة وحتمية رحيل الفلسطينيين كي ينعموا بحياة أفضل، قبل أن يتراجع ويشير إلى أن فكرته ليست للتنفيذ الحالي، فإنه يمكننا أن نتوقع ما الصفقة التي ينوي ترامب عقدها.
رٌفض التهجير بشكل كامل، وبل وزادت الطينة بلة بالنسبة لأمريكا وإسرائيل، حينما لوحت مصر بإمكانية وضع اتفاقية السلام في مهب الريح واحتمالية إلغائها، والحشد الشعبي الداخلي الرافض للتهجير، وتأكيدات الرئيس عبد الفتاح السيسي، أن مصر لن تقبل به تحت أي شكل. وتبع ذلك رفض عالمي واسع لتلك القضية برمتها.
نجح ترامب في التضخيم، لكنه يريد أشياء أخرى في مقابل تنازله عن التهجير، فمثلا الرجل لا يؤمن إلا بصفقة القرن وسيلة لإحلال السلام في الشرق الأوسط حسبما يؤمن، ويمكن أن نرى نقاشات عن عودتها للنور كصفقة بديلة لتلك التي تضخمت وأثارت الجدل. إذ ينوي ترامب استخدام قاعدة الحصول على شيء وإن كان قليلا أفضل من الحصول على لا شيء.
بطرح صفقة القرن والحديث المسبق عن حدود إسرائيل ومساحتها الصغيرة، بإمكان ترامب الآن الحديث عن إعادة ترسيم حدود بين تل أبيب وعدة دول منها لبنان وسوريا والأردن ومصر، في مقابل التنازل عن أراضي لتوسيع إسرائيل.
كل هذا يأتي بالتوازي مع إمكانية السماح بالمزيد من عمليات الاستيطان داخل الأراضي المحتلة، والسيطرة الكاملة على الضفة الغربية وضمها لإسرائيل، وضمان عدم تكرار طوفان الأقصى مرة أخرى بضمانات عربية، وبالتأكيد الضغط نحو مزيد من عمليات التطبيع في مقابل السلام، والسماح لإسرائيل بالوصول لعمق التمدد الإيراني في الشرق الأوسط، مثلما فعلت في لبنان وسوريا، ليصبح الدور على العراق واليمن.
لن تمر خطة التهجير إلى مصر أي مرور، فمصر على صعيد القيادة والشعب موقفهم حاسم لتلك القضية، مثلما هو موقف الأردن وبلدان العرب ودول العالم، لكن ربما تكون تلك ليست صفقة ترامب التي يريدها، أو على الأقل الحدث الكبير لعقد الصفقات الخفية، وهذا لا ينفي إطلاقا حلم التهجير الذي يراود إسرائيل منذ تأسيسها، لكن صفقة اليوم التالي لترامب هي الحدث المرتقب في الوقت الحالي، وهذا ما ستكشفه الأيام.
![title title](/images/title.png)
أحدث الفيديوهات
![title title](/images/title.png)
أخبار ذات صلة
"شنراق".. قصة قرية مصرية تصنع الزبيب وتنافس به عالميًا (صور)
11 فبراير 2025 09:19 ص
"تُختار من وسط الحقول".. حكاية ملكة جمال الأرز في كولومبيا
10 فبراير 2025 11:26 م
من هو داني متري زوج ميريام فارس؟
10 فبراير 2025 04:56 م
في ذكرى وفاته.. معلومات تعرفها لأول مرة عن الفريق سعد الشاذلي
10 فبراير 2025 04:47 م
أكثر الكلمات انتشاراً