مواقف السيسي تجبر "الجزيرة" على وقف رياح الخماسين ضد مصر

الرئيس عبدالفتاح السيسي
مينا صلاح
منذ الإطاحة بحكم الإخوان في 3 يوليو 2013، تبنّت قناة “الجزيرة” موقفًا معاديًا للدولة المصرية، ولم تترك فرصة للهجوم على القاهرة إلا واستغلتها، فسلّطت الضوء على الانتقادات الدولية للحكومة، وركّزت على قضايا حقوق الإنسان، والتشكيك في نزاهة الانتخابات، ووصفت المشروعات القومية بأنها محض "استعراضات إعلامية".
تحول ملحوظ في موقف الجزيرة من مصر
رياح الخماسين التي شنتها الجزيرة على مصر على مدار سنوات بدأت تتراجع وبدأ خطاب “الجزيرة” يشهد تحوّلًا ملحوظًا تجاه مصر ورئيسها، فقد خفّت حدة الهجوم، وتراجعت المصطلحات العدائية، بل وبدأت القناة تقدّم تغطية أكثر توازنًا لبعض الأحداث، مثل القمم العربية والمشروعات التنموية الكبرى، هذا التحوّل أثار تساؤلات كثيرة: هل غيّرت “الجزيرة” موقفها من السيسي؟ ولماذا؟
غيّرت قناة الجزيرة من موقفها المُعادي للدولة المصرية، بعد التحركات الجريئة التي اتخذتها القاهرة تجاه قضايا المنطقة سواء في غزة أو سوريا أو غيرهما، وكانت المواقف “العروبية” للدولة المصرية بقيادة الرئيس السيسي سببًا في حدوث تحوّل مفاجئ في تغطيات القناة القطرية التي اتسمت بالعداء والتضليل وأحيانًا التشوية ضد مصر لصالح جماعة الإخوان الإرهابية وأجندتها السياسية، لتصبح أكثر تقديرا لمصر ودورها المؤثر في المنطقة.
دعم مصر للقضية الفلسطينية
آخر هذه المواقف تغطيتها لمواقف الدولة المصرية القوية تجاه دعم القضية الفلسطينية، التي تصدرت فيها المشهد، دفاعًا عن أرض غزة، وحماية أبناء الشعب الفلسطيني وإجهاض مخططات تصفية القضية وتهجير سكان القطاع، وكذا دعم القضيتين اللبنانية والسورية، ورفض التدخلات الأجنبية، سواء الأمريكية أو الإسرائيلية، مع التأكيد على السيادة الكاملة لشعوب وحكومات هذه البلدان.

بدأ العالم العربي يرى في السيسي زعيمًا وملهمًا عربيًا، يقود دفة المنطقة، لحفظ أمنها وسيادتها في ظل صمت كبير من بلدان عدة، فلم يكن أمامها سوى الانصياع للحقائق التي تبدّدت على صخرتها كافة التأويلات والأكاذيب التي طالت القيادة المصرية سابقًا.
كيف بدأت الجزيرة معركتها ضد السيسي؟
منذ اللحظة الأولى لعزل الرئيس الإخواني محمد مرسي، انحازت “الجزيرة” بالكامل لجماعة الإخوان، وأتاحت منابرها الإعلامية لقيادات الجماعة وأنصارها للهجوم على النظام المصري الجديد، والتحريض ضد الشرطة والقوات المسلحة، وتبنّت القناة خطابًا عدائيًا مباشرًا، واستخدمت مصطلحات مثل "الرئيس المعزول"، و"الشرعية"، في محاولة لترسيخ فكرة أن ما حدث لم يكن إرادة شعبية، بل "مؤامرة عسكرية" ضد الديمقراطية.
ولم تكتفِ “الجزيرة” بذلك، بل ركّزت على توثيق التظاهرات الداعمة للنظام الإخواني الذي لفظه الشعب، وقدّمت تغطية مكثفة لاعتصامي رابعة والنهضة، ونقلت مشاهد الفض مع تجاهل السياق الأمني والتحذيرات التي سبقت العملية، كما استضافت القناة قيادات إخوانية بانتظام، وقدّمت شخصيات مثل محمد علي المقاول الهارب كمعارضين مؤثرين، في محاولة لإشعال الغضب الشعبي ضد السيسي.
أما على المستوى الاقتصادي، فقد قلّلت “الجزيرة” من أهمية المشروعات القومية الكبرى، مثل العاصمة الإدارية الجديدة، وتوسعة قناة السويس، وشبكة الطرق العملاقة، وركّزت على ارتفاع الأسعار والتحديات الاقتصادية، متجاهلة أي إنجازات أو تحسينات في البنية التحتية والتنمية.
في المقابل، تعامل الإعلام المصري مع قناة “الجزيرة” باعتبارها خصمًا إعلاميًا وسياسيًا، وسعى إلى تحجيم تأثيرها وكشف تحيزها ضد الدولة، وفضح أكاذيبها.

لماذا خففت “الجزيرة” هجومها على السيسي؟
رغم العداء الطويل، شهدت السنوات الأخيرة تحوّلًا تدريجيًا في خطاب “الجزيرة” تجاه مصر، وهو ما يمكن إرجاعه لعدة عوامل رئيسية:
1- المصالحة القطرية المصرية:
شهدت العلاقات المصرية القطرية تحسنًا ملحوظًا بعد اتفاق العلا في 2021، الذي أنهى القطيعة بين الدوحة ودول الرباعية العربية (مصر، السعودية، الإمارات، البحرين)، وانعكس هذا التحسن على السياسة التحريرية للجزيرة، حيث قلّلت من حملاتها الهجومية ضد القاهرة، وبدأت في تقديم تغطيات أكثر توازنًا لبعض الملفات المصرية، خاصة فيما يتعلق بالمشروعات الاقتصادية والاستثمارات القطرية في مصر.
2- الضغوط الشعبية على الجزيرة نفسها:
ربما لم يكن القرار فقط نتيجة المصالحة السياسية، بل جاء أيضًا تحت ضغط الجمهور، فقد لاحظت القناة أن جزءًا كبيرًا من متابعيها، خاصة عبر “فيسبوك” ومنصات التواصل الاجتماعي، بدأ يبدي تأييدًا واضحًا للسيسي بسبب مواقفه القوية تجاه القضايا العربية الكبرى.
فعندما اندلعت الحرب الإسرائيلية على غزة، تبنّى الرئيس المصري موقفًا داعمًا للفلسطينيين، وفتح المعابر، وقدم مساعدات إنسانية ضخمة، ورفض التهجير ما جعل كثيرًا من المشاهدين، حتى من الذين كانوا يعارضونه سياسيًا، يرون فيه زعيمًا عربيًا يقف في وجه الاحتلال الإسرائيلي، متخذًا مواقف سياسية قوية، وصلت لحد الاعتراض على رئيس أكبر دولة في العالم، وهي الولايات المتحدة، بعد رفضه مخطط التهجير، ونقل سكان قطاع غزة دون رجعة، لإقامة “ريفييرا الشرق” وفق خطة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب.

الأمر ذاته تكرّر مع موقف مصر من الأزمة اللبنانية، ودورها في دعم استقرار سوريا، حيث لعبت القاهرة دورًا محوريًا في دعم سيادة الدول العربية ورفض التدخلات الخارجية، خاصة الإسرائيلية، هذه المواقف جعلت جزءًا كبيرًا من جمهور “الجزيرة” نفسه يتبنى رؤية إيجابية تجاه السيسي، ما دفع القناة إلى إعادة تقييم خطابها، خشية فقدان شرائح واسعة من متابعيها، وأيضًا لعدم امتلاكها أي أدوات تستطيع من خلالها طمس الحقائق التي بدت واضحة للقاصي والداني.

3- تحولات في أولويات القناة:
خلال السنوات الأخيرة، بدأت الجزيرة في التركيز أكثر على قضايا أخرى في المنطقة، مثل الحرب في السودان، والصراع في ليبيا، والأوضاع في تونس، وهو ما قلّل من تركيزها على الملف المصري، لم تعد القناة تعطي المساحة ذاتها للشخصيات المعارضة كما كان في السابق، ولم تعد تتبنى دعوات التظاهر أو تحاول تأجيج الاحتجاجات المحدودة التي كانت تضخمها في السابق.
هل تحولت الجزيرة إلى داعمة للسيسي؟
رغم هذا التحوُّل الملحوظ، فإن “الجزيرة” لم تصل إلى مرحلة تأييد السيسي، لكنها باتت أكثر حذرًا في انتقادها له، لشعبيته الجارفة التي اكتسبها، ولم تعد تتعامل مع السيسي كخصم يجب محاربته لكنها في الوقت ذاته لم تتحول إلى وسيلة إعلامية مؤيدة له، هذه "التهدئة المشروطة" قد تكون نتيجة لرغبة الدوحة في الحفاظ على علاقات مستقرة مع القاهرة، خاصة في ظل التحديات الإقليمية المتزايدة، أو ربما تكون مجرد تكتيك مؤقت ستتغير ملامحه مع أي خلاف جديد بين البلدين.

أخبار ذات صلة
بتخفيضات تصل إلى 30%.. خريطة معارض أهلا رمضان بالجيزة
21 فبراير 2025 03:00 م
رمضان "بلا كبير".. مسلسلات كوميدية في شهر الصيام
20 فبراير 2025 11:13 م
قاتل العرب في 4 حروب.. من هو "ليفشيتس" الذي سلمت حماس جثته لإسرائيل؟
20 فبراير 2025 07:38 م
عماد القناص مُتعب الحراس.. تاريخ من الأهداف القاتلة والألقاب التاريخية
20 فبراير 2025 10:53 ص
أكثر الكلمات انتشاراً