السبت، 21 سبتمبر 2024

02:32 ص

خناقة "أيمن وسيد".. أكثر من مجرد تكتيك

في خواتيم مونديال 2022 اعترف الإسباني خوانما ليلو، أحد أهم منظري كرة القدم في العصر الحديث ومعلم بيب جوارديولا، بندمه للمرة الأولى في حياته، وكانت بسبب ما اعتبره جرمًا في حق كرة القدم.

يقول "ليلو" إن نظرياته جعلت المدرب متحكما في كل شيء، وألغت دور اللاعب، وأن ذلك عقّد اللعبة وغيب جماليتها.

على النقيض يؤمن مدرب منتخب مصر السابق أيمن عبدالعزيز بأن التكتيك في كرة القدم لا يمثل سوى 10% من اللعبة.

وبين هذا وذاك وقف مدرب هوفنهايم المعجزة جوليان ناجلسمان عام 2016 وقتما كان عمره 28 عامًا وبات حديث العالم بما فعله مع الفريق الألماني يرسخ قاعدته في النجاح: "التكتيك لا يمثل سوى 30% من كرة القدم".

أبهر الشاب الواعد العالم وليس الألمان فحسب، ومثلما رفض إغراءات ريال مدريد قبل عامه الثلاثين، تحفظ على اختصار نجاحاته في مجرد تنقله بين كل الأشكال الخططية لكرة القدم، وبراعته في استخدامها بما يتناسب مع نقاط قوة وضعف كل منافس.

إن النجاح في كرة القدم عند الشاب ناجلسمان، مرتبط أكثر بما قال عنه الكفاءة الاجتماعية، إدارة المجموعة، تحسين المناخ العام داخل غرفة اللاعبين، والاهتمام بالدوافع النفسية.

هنا يقول كلوب في إحدى مؤتمراته الصحفية مع بروسيا دورتموند، إن العامل النفسي مهم للغاية في كرة القدم، ثم يستطرد: "بل كرة القدم لعبة نفسية بالأساس".

ومعهم يتفق جوارديولا فيسجل رأيه: "إن أصعب شيء في كرة القدم هو الضغوط الواقعة على اللاعبين، ومهمة المدرب إزالة تلك الضغوط، ومساعدتهم على أن يكونوا في أفضل حال".

ولأن العامل النفسي ذاته أهمية قصوى في اللعبة يقول جوزيه مورينيو، إن المباراة تبدأ في المؤتمر الصحفي الذي يسبقها، وتنتهي في المؤتمر الذي يليها، ولا يمكن اختصارها في التسعين دقيقة داخل الملعب.

لا يختلف أحد مع خوانما ليلو في أن التكتيك قرب الفجوات، وجعل الكاميرون تحقق أول انتصار في تاريخها على البرازيل، وجعل الأخيرة أمام كرواتيا طرفًا مستضعفًا.

لكن "ليلو" تغافل عن أن التكتيك ذاته لم يحد من دور الموهبة، واللاعبين، بل منح نموذج ليونيل ميسي ما حرم منه ريكيلمي وكل أساطير الأرجنتين، فالأول استفاد من عبقرية جوارديولا وتوظيفه بأدوار مستحدثة مثل مهاجم وهمي، بينما ريكيلمي رفض مطلب يوهان كرويف حين طلب منه التحرك بدون كرة.

في شبابه وببداية عمله مع جوارديولا قال ميسي نفس الجملة التي قالها ريكيلمي لكرويف منتقدين تعقيدات التكتيك: "كرة القدم أبسط من كل ذلك، سيفوز اللاعب والفريق الأفضل".

تلك هي فطرة العقل اللاتيني، لكن الفارق يحدثه مدرب يتميز بالكفاءة الاجتماعية بالقدرة على الإقناع والتأثير مثلما قال ناجلسمان وفعل بيب مع ميسي وحوله إلى وحش، حتى اعترف في نهايات مسيرته مع برشلونة، أنه ليس بالضرورة أن يفوز الفريق الأفضل دائمًا.

كما أن خوانما تغافل شيئا آخر، فتعقيد كرة القدم لم يتوقف عند الأشكال التكتيكية، بل وصل إلى التحكم في عقل اللاعب عبر استخدام ما سمي بالتكنولوجيا الدماغية، والتي استخدمها ليفربول للتحكم في إشارات عقل لاعبيه.

إن كل الشواهد والشهادات التي ذكرها أساطير التدريب، تدور حول فكرة واضحة، التكتيك لم يعد فيها البطل وحده وإن ظل محددًا رئيسيًا للنتائج.

لا تستطيع الجزم بنسبة كم يتداخل التكتيك في اللعبة، لكن المؤكد أنه ليس بالتدني الذي يراه أيمن عبدالعزيز يقف عند العشر فقط.

على النقيض فإن ما ميز جوارديولا على بقية المدربين ليس فقط التكتيك كما يؤمن سيد عبدالحفيظ، فلو كان الأمر هكذا فكان أولى أن ينجح معلماه ليلو والأرجنتيني مارسيلو بيلسا كمدربين، وهم مؤسسي ومنظري تكتيك كرة القدم في العصر الحديث، فالأمر لا يتوقف عند مجرد نظريات وكلام أكاديمي، أنت بحاجة إلى فن ترجمته لواقع، وفن التواصل مع اللاعبين، وفن الإقناع والتأثير، وفن التعامل مع الأزمات والمتغيرات، وإدراك كامل بالجوانب النفسية للمجموعة ولكل فرد على حدة.

يرتكز تفرد جوارديولا على الجميع على عدة محددات جمع خلالها بين التكتيك الذي ورثه عن كرويف وطوره عبر آخرين مثل ليلو وبيلسا، وبين فلسفة الإدارة التي تعلمها على يد أستاذ الفلسفة الأرجنتيني خوليو فيلاسكو، والذي أصبح مدربا إعجازيا في الكرة الطائرة بأوروبا في خواتيم التسعينيات من القرن الماضي، وكذلك جلساته مع أسطورة الشطرنج الروسي كاسباروف، حول الحياة، وكرة القدم، والكفاءة، والحظ.

وعند كلوب اختار طوال مسيرته العمل أكثر على الجانب المعنوي، ركز على دوافع لاعبيه، وكيفية إثارة حوافزهم، ومال إلى أندية تتميز بالحمية الجماهيرية، مدرج درتموند المرعب، ومدينة ليفربول الكادحة ذات الطابع العمالي، والتي مثلت جماهيرهما الدفعة الأكبر في تلك التجربتين.

إن ما طرحه أيمن عبدالعزيز ليس بمنكر، ولطالما كان طوال الوقت محل جدال ونقاش بين كبار اللعبة ومنظريها، واستهدف المجتمع الغربي حولنا من خلال أطروحاته كيفية الارتقاء باللعبة.

لكن المثير للشفقة بأننا حولناها إلى معركة صفرية، يريد الرأي العام كعادته أن يرى بطلًا للقصة وآخر جانيًا، والأكثر إشفاقًا بالنسبة لي المدرب الذي قاد المنتخب ولم يجيد في التكتيك الذي يمثل عنده 10% رغم وضوحه، فكيف له أن يستوعب الجوانب النفسية التي يرى مكانها المصحة، وماذا عن الجوانب الفلسفية، وإدارة المجموعة، وكيف ستكون إجابته لو سألته عن التكنولوجيا الدماغية؟!".

title

مقالات ذات صلة

search